لا بد لنا بعد مضي ثلاثة وعشرين عاماً ونيف على تأسيس المؤتمر الشعبي العام، حافلة بالإنجازات والتطورات التنموية والديمقراطية في مسيرة متجددة العطاء والإبداع، أن نستحضر مرحلة التأسيس، ونقف على بداياتها التي شكلت الانطلاقة لتنظيمنا السياسي الرائد، الذي أحدث منذ قيامه ثورة تجديدية وحراكاً فكرياً وسياسياً جسد على أرض الواقع أهداف ومبادئ الثورة اليمنية مكاسب وإنجازات تاريخية، تتصدرها إعادة تحقيق وحدة الوطن والمضي في بناء الدولة الحديثة بنهجها الديمقراطي التعددي. إن أولى خصائص المؤتمر الشعبي العام التي تميزه عن غيره من الأحزاب والتنظيمات السياسية أنه انطلق من نظرية العمل الوطني «الميثاق الوطني» الذي صاغه وأقره الشعب بمختلف فئاته وشرائحه، وألوان طيفه السياسي في أول انعقاد للمؤتمر الشعبي العام (24-29 أغسطس 1982م)، وذلك إثر حوار وطني كانت بداياته المباركة منذ أن ألقت الأقدار على كاهلي، حمل أمانة قيادة الشعب، إذ كان في طليعة همومي البحث في أفضل صيغة لنظرية العمل الوطني كدليل نظري وعقد اجتماعي بين مختلف الفئات الاجتماعية وقوى وشرائح شعبنا، تتدارك حالة الفراغ السياسي من المأزق والاحتقانات السياسية والخلافات الطاحنة التي أوشكت أن تمزق مجاميع من أبناء الوطن جراء الانحياز لهذا الفكر الدخيل او ذاك، فكانت دعوتنا الى وضع ميثاق وطني ترتب على إقراره، إقرار قيام واستمرارية المؤتمر الشعبي العام كأسلوب عمل سياسي يحمي الميثاق ويطبقه فاجتمعت لشعبنا نظرية العمل الوطني والتنظيم السياسي، وأمكن بهما معا الانتقال بأهداف ومبادئ الثورة اليمنية المجيدة الى مشروع سياسي وفكري وثقافي واقتصادي واجتماعي، أخذ سبيله الى التجسيد الحي في واقع الحياة العملية لشعبنا. لقد تفاعل أعضاء المؤتمر الشعبي العام مع مهام واختصاصات المؤتمر كل في موقعه التنظيمي، وغدت مختلف تكوينات المؤتمر كخلية نحل، استنفر فيها الجميع أقصى درجات الجهد الفكري والسياسي والتنظيمي، لتنفيذ هذا المشروع الوطني، والذي أمكن من خلال تبنيه تفعيل الحوارات الوحدوية والمضي بعمل لجان الوحدة صوب الانتهاء من مهامها بما في ذلك تشكيل لجنة التنظيم السياسي الموحد، خاتمة لجان الوحدة، وذلك من خلال التنسيق مع نظيره الحزب الاشتراكي اليمني. لقد كان لطبيعة النشأة الديمقراطية للمؤتمر الشعبي العام في مراحل صياغةا الميثاق الوطني القائمة على الحوار الذي أخذ مداه كبير الأثر في ترسيخ قيم الحوار الديمقراطي، والمتمثلة في احترام الرأي والرأي الآخر، وشرعية وأدب الاختلاف، والتي غدت سلوكا ومنهجا يمارسه المؤتمر الشعبي العام عبر مسيرته الديمقراطية سواء في نطاق العلاقات الداخلية بين مختلف تكويناته، او في نطاق علاقاته بغيره من الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني داخل الوطن وخارجه. ولقد سجل المؤتمر الشعبي العام منذ تأسيسه بأنه التنظيم الذي يتمايز برنامجيا وتشكيلا.. فقد ضم خلاصة رموز الحركة الوطنية اليمنية في ربوع الوطن بمختلف اتجاهاتها السياسية والفكرية.. ولم يكن العدد المؤسس للمؤتمر الذي تشكل من ألف عضو سوى بداية الطريق لبناء صرح تنظيمي تهيأت بوجوده ممكنات الانتقال الى التعددية السياسية والحزبية بيسر وسهولة.. فما أن تحققت الوحدة على قاعدة التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة حتى تدافع عشرات الآلاف للانضمام الى عضوية المؤتمر الشعبي العام، بعد أن فتح باب الانتساب الطوعي، فاستكمل تواجده في المحافظات الجنوبية والجنوبية الشرقية في الوقت الذي أتاح لمن يريد العودة الى حزب او الانضمام الى تنظيم سياسي آخر حرية الاختيار، فذهب بعض من مؤسسيه لتأسيس أحزاب وتنظيمات أخرى.. لكنهم لم يقطعوا صلتهم بفكر المؤتمر ودليله الفكري والنظري «الميثاق الوطني»، بل استمر معظمهم في التأكيد الصريح والمعلن بأن الميثاق الوطني هو نظرية العمل الوطني التي لا تزال تمثل قواسم مشتركة بين جميع التيارات في الساحة الوطنية.. كما انسحب من المؤتمر الشعبي العام القيادات العسكرية والأمنية، والقضائية، والدبلوماسية التزاماً بقانون الأحزاب والتنظيمات السياسية الذي يحرم الانتماء الحزبي التعددي حفاظاً على حياديتها ولتكون صمام أمان الشرعية الدستورية. إن فصولاً مهمة من المفيد أن نستحضرها في تنظيمنا السياسي الرائد «المؤتمر الشعبي العام» الذي أضحى انتشاره الواسع تعبيراً عن التصاقه بجماهير الشعب التي منحته الثقة على مدى خمس عمليات انتخابية «نيابية ومحلية، ورئاسية»، وظل وفياً لتلك الجماهير، ومعبراً عن آمالها وهمومها وتطلعاتها، ونابضاً بمشاعرها حتى وصلت عضويته إلى ما يزيد عن مليوني عضو.. وها نحن اليوم - في هذه المرحلة- نعيش أكبر قوة تنظيمية في الساحة الوطنية، تتمثل بتنفيذ خطة إعادة بناء الهيكلة التنظيمية، بدءاً بتشكيل الجماعات والمراكز التنظيمية وانتخاب قيادات فروع المؤتمر في المديريات والدوائر الانتخابية، ومن ثم المحافظات، وصولاً إلى المؤتمر العام السابع الذي يعد محطة جديدة أثبت فيها المؤتمر الشعبي العام أنه الأكثر ممارسة للديمقراطية الداخلية في بناء تكويناته وأطره، وذلك إيماناً من المؤتمر بأن ممارسة التداول السلمي في إطار التنظيم هي شرط أساس يسقط المؤتمر في الأصل وحارة في عموم الجمهورية. فقد امتلك بمشروعه الوطني قوة الفعل والتأثير وقدرة المواءمة بين النظرية والتطبيق، وظل المؤتمر مستوعباً هموم ومطالب كل مرحلة، متسماً بالتجديد والتطوير في قياداته وبرامجه ومهامه، وهو في مسيرته ما انفك يجسد أهداف ومبادئ الثورة المجيدة، ويرجحها في جميع برامجه ونشاطاته وعلاقاته وعلى كل صعيد، ويحافظ على مصلحة الشعب والثوابت الوطنية، ويستجيب بوعي واقتدار لمختلف التحديات، وما برح متصلاً بالجماهير، في علاقة عضوية جدلية مصيرية تضعهما معاً في تلاحم يجسد انبثاقه من بين صفوفها ويؤكد انتماءه إليها وحرصه على الانتقال بها إلى حالة أفضل، بالتشريعات والبرامج المستقبلية كحرصه على ألاّ يعدها إلا بما هو قادر على الوفاء به. ومرد هذه النجاحات التنظيمية والفكرية والسياسية للمؤتمر الشعبي العام إلى الطبيعة الديمقراطية للمؤتمر، وقدرته على المواءمة بين النظرية والتطبيق، مما كان له كبير الأثر في التفاف الجماهير حول المؤتمر الشعبي العام، وجعله على الدوام حزب الأغلبية التي شكل بموجبها حكوماته المتعاقبة، ودفع بأعضاء المؤتمر الشعبي العام عبر مختلف التكوينات التنظيمية والمؤسسات والهيئات التشريعية والشوروية والتنفيذية إلى التفاعل الواعي مع مسئولياتهم الوطنية، وتعظيم دورهم في بناء الدولة الحديثة والتنفيذ الصارم للبرامج الانتخابية للمؤتمر والحرص على الأداء الأفضل لحكومة المؤتمر والاستحضار الدائم لشعار المؤتمر (لا حرية بلا ديمقراطية، ولا ديمقراطية بلا حماية، ولا حماية بدون تطبيق سيادة القانون). وعرفاناً بالدور القيادي الرائد الذي أداه أعضاء المؤتمر الشعبي العام في مرحلة التأسيس كان توجيهنا بوضع كتاب يلخص بعضاً من لبنات البناء الأولى للمؤتمر ليصل البداية التأسيسية بالحاضر والناهض والانطلاق الأقوى إلى المستقبل الواعد، وليكون هذا الكتاب سجل شرف للبدايات التأسيسية، ودليلاً إرشادياً للجيل الجديد من شباب الميثاق، شباب اليمن الواحد، وكوادر وقيادات المؤتمر الشعبي العام، وليتأكد من خلال استقراء البيانات الخاصة بتكوينات اللجان القيادية والمتخصصة أن القياديين في حركة تداولية تعكس بجلاء ديمقراطية العلاقات الداخلية للمؤتمر، وهو ما جعل من مختلف كوادره وقياداته في عطاء متجدد، وحيوية تنظيمية فاعلة، فليس في المؤتمر قيادات مستأثرة، ولا أعضاء خاملون، بل كل عضو يعطي بروح المسئولية التنظيمية أقصى ما لديه من الجهد الفكري والسياسي والتنظيمي في موقعه الذي أؤتمن عليه.