اتسمت السياسة الخارجية الأمريكية الحالية في العالم بكثير من السمات الغير أخلاقية -بالنسبة للدول والحكومات الديمقراطية- فأحيانا تتسم بالعدائية تجاه هذه الدول والحكومات وتؤدي في اغلب الأحيان إلى طريق مسدود، وفي بعض الأحيان توصف هذه السياسة بال "فظة" والغير مسؤولة وغير مقبولة وابتزازية تتبع نهجا خطيرا وقصير النظر ،وكثيرا من هذه السياسات تمثل تدخلاً صارخاً في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة. ومع ولوج دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي، زاد تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للدول وفي الانتخابات التي تجري فيها وفي السياسات الداخلية أيضا للحكومات المحلية وذلك بسبب تدخل العسكريين والمقربين في ظل إعلاءه من قيم الفردانية على حساب المؤسساتية. ولقد أبرزت الملفات الدولية صراعًا مستترًا ما بين ترامب والمؤسسات الأمريكية خاصة وزارتي الدفاع والخارجية ومستشاريه للأمن القومي حيث بدا ذلك واضحًا في العديد من الملفات الدولية التي خالف فيها ترامب توجهات المؤسسية الأمريكية مثل الأزمة الخليجية ومقاطعة قطر، وانسحابه من الاتفاق النووي الإيراني. وسعى ترامب لتجاوز المؤسسية التقليدية في إدارة العلاقات الخارجية، ونجح في ملفات واخفق في أخرى، ولكن من المؤكد ان الإقالات الأخيرة في البيت الأبيض تؤكد تفوق ترامب على المؤسسية التقليدية التي ستجد نفسها مجبرة للتماشي مع الخط الذي سيحدده الرئيس للعمل بما يضمن الثقة المتبادلة بين الطرفين. وتتبع الولايات المتحدةالأمريكية سياسة خارجية أكثر تحيزا مع الإسرائيليين تجاه القضية الفلسطينية، وهذا يظهر تحولاً تجاه إدارة الصراع العربي – الإسرائيلي عموما والفلسطيني – الإسرائيلي علي وجه الخصوص. وقد تراجع الاهتمام الأمريكي ليس فقط بالمنطقة العربية وعلي رأسها منطقة الخليج، وذلك بعد عقود من التقارب والاهتمام، وإنما كذلك بحل الأزمة الفلسطينية، وذلك علي العكس التصريحات الأمريكية والتي تأكد خلالها علي أهمية حل الصراع، وكذلك علي إقامة الدولة الفلسطينية، ليحتل الصراع أولوية متأخرة علي أجندة السياسة الخارجية الأمريكية. كما أثار ترامب أيضا غضب الفلسطينيين والمسلمين بعد إعلان واشنطن نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس المحتلة. ولا تعترف المجموعة الدولية بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي ولا بضمها اثر حرب 1967 وتوجد مقار السفارات الأجنبية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في تل أبيب، فيما يريد الفلسطينيون جعل القدس الشرقية المحتلة عاصمة لدولتهم المرتقبة. وكثيرا من المؤشرات التي تدل على الانحياز الأمريكي لصالح الإسرائيليين هو ما جرى مؤخرا من الترويج لما سمي ب"صفقة القرن" التي تساوم بحفنة من المال مقابل الأرض والعرض. وبعد أن قادت الولايات المتحدة غزو العراق في حرب الخليج الثالثة واستمرت من 19 مارس إلى 1 مايو 2003, والتي أدت إلى احتلال العراق عسكريا من قبل الولايات المتحدةالأمريكية ومساعدة دول أخرى مثل بريطانيا وأستراليا وبعض الدول المتحالفة مع أمريكا بحجة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل والتي ثبت فيما بعد بطلان مزاعم أمريكا وحلفائها زاد في عهد ترامب من تدخلات واشنطن حتى في ابسط الأمور التي تجرى في العراق . وقادت الولايات المتحدة أيضا عملية الفوضى في الشرق الأوسط في 2011 التي اجتاحت تونس، ليبيا، مصر، اليمن، وسوريا. بالإضافة إلى وقوف الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وراء الحرب التي تتعرض لها سورياواليمن. وفي الشأن الليبي، تناولت كبريات الصحف الأمريكية الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس،ترامب، واللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، حيث اتفقت تلك الصحف على أن ترامب يخالف السياسة الخارجية لبلاده باتصاله مع جنرال يقود حرباً على الحكومة المعترف بها من قبل الأممالمتحدة. وبخصوص الملف الإيراني،انسحبت إدارة الرئيس الأمريكي ترامب من الصفقة النووية الإيرانية، وجددت العقوبات على طهران، وكثفت إدارة ترامب من ضغوطها على إيران عقب الانسحاب من الاتفاق النووي في مايو من العام الماضي وقامت بعد ذلك بفرض إجراءات اقتصادية جائرة عليها وهو ما ردت عليه طهران مؤخرا بتعليق بعض التزاماتها في الاتفاق النووي. وفرضت واشنطن عقوبات على روسيا بموجب قانون "كاتسا" الذي تم وضعه في الأساس لمعاقبة موسكو على ضمها القرم، كما فرضت أيضا عقوبات على الصين بموجب القانون ذاته في مؤشر إلى أن إدارة ترامب لا تخشى تعريض علاقاتها مع دول أخرى للخطر. كما شنت الولايات المتحدة أيضا حربا تجارية شرسة على الصين وهو الأمر الذي كان له تأثير على الاقتصاديات النامية وتداعيات الارتفاعات القائمة في التعريفات بين الولايات المتحدةوالصين. وفي الشأن الكوري ،تصاعدت الأزمة بين واشنطن و بيونغ يانغ عقب التجارب الصاروخية الأخيرة لكوريا الشمالية، فبعد العقوبات الأخيرة المفروضة على كوريا الشمالية، هددت الأخيرة بأن تشهد أمريكا "بحراً من النيران لا يمكن تخيله"، ورد الرئيس الأمريكي ترامب على ذلك محذراً من أن كوريا الشمالية ستواجه "نيراناً وغضباً لم يشهدها العالم". لكن بيونغ يانغ تجاهلت على الفور تحذيرات ترامب، وذلك مع إعلانها أنها "تدرس بعناية" خططاً لتنفيذ ضربة صاروخية على جزيرة جوام الأمريكية الواقعة في المحيط الهادي، التي تعد القاعدة الرئيسية لقاذفات القنابل النووية الأمريكية طويلة المدى ونظام الدفاع الصاروخي ثاد. وفي مسرحية هزلية معدة مسبقاً وموقف تدخلي فاضح أقدم الرئيس الأمريكي ترامب على اعتبار زعيم المعارضة اليمينية خوان غوايدو “رئيساً انتقالياً” لفنزويلا بعد وقت قصير من إعلان الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو تولية نفسه مهام الرئاسة فى محاولة لاغتصاب السلطة. كما عمدت إدرة ترامب أيضا إلى بناء جدار عازل عنصري يفصل بين الدولتين المتجاورتين المتلاصقتين الولايات المتحدة والمكسيك والتي تمتد الحدود بينهما إلى 3200 كيلومترا. وفي ظل هذه السياسات الأمريكية التي لا تراعي التقاليد الدبلوماسية ولا الأعراف الدولية، فإن المؤسسية الأمريكية ستواجه تحديًا حقيقيًا مع إدارة ترامب، الذي لا يعبأ بها كثيرًا، بل يسعى لتهميش دورها كحال وزارة الخارجية لصالح المقربين منه، فيما انعكس غياب التناغم بين المؤسسات والرئيس على ظهور تناقضات كبيرة في السياسة الخارجية الأمريكية. المصدر: سبأ