إن الحرب التي توزعت أحداثها على سبعين يوماً من المواجهات بين الخير والشر، تحولت بفضل إرادة الرجال إلى منازلة تاريخية ومعركة تتسم بالشمول في بعدها العسكري الميداني ، وفي تعدد الجبهات والأعداء، ضمن ظرف إقليمي ودولي بالغ التعقيد . ولقد كان الحسم رائعاً ، لأنه أكد مجدداً أن الوحدة ليست رهناً لمزاج فردي أو حزبي أو جهوي ، بقد ما هي خيار وطني يسمو فوق كل الدسائس ، ويستعصي على كل المؤامرات . لقد قُدر للتاريخ أن ينحني مجدداً أمام الشعب اليمني في مثل هذا اليوم من عام 1994م ، ، لأن هذا الشعب تجاوز بإرادته أتون الفتنية ، وخاض المعركة بإرادة صلبة ، رغم ما أحاط بها من صعوبات ، ليخرج قوياً ومنتصراً لخيارات الوطنية النبيلة ولأعز أحلامه التاريخية . وفي مناسبة كهذه يستذكر اليمنيون الدور العظيم الذي نهضت به القيادة السياسية للوطن بزعامة فخامة الرئيس علي عبد الله صالح ، والذي أدار المعركة العسكرية والسياسية بكفاءة عالية ، وقاد سفينة الوطن إلى بر الأمان ، وقدم برهاناً آخر على حنكته السياسية التي قادت الوطن إلى التوحد في مايو 90م بإنضاج الشرط التاريخي لهذا الحدث ، وقيادته لمعركة الدفاع عن الوحدة ، والبرهنة مجدداً على أن المكاسب الوطنية ليست سلعاً قابلة للتداول في سوق السياسة. لقد أراد مثيرو الفتنة ومدبرو مؤامرة الانفصال أن تمضي الحرب في مسار لا نهاية واضحة له ، وتوريط البلاد في أتون فتنة دامية ، لأنهم كانوا يفتقدون لشرط المواجهة الأخلاقي ، في حين كانت قيادة البلاد تعرض في أتون المعركة عفواً على كل من ألحق الأذى بوحدة الوطن ومقدراته ، لأنها كانت تنظر بعين الحكمة إلى النهاية الحتمية للمعركة ، حيث يجب أن يعيش الجميع تحت راية الوطن الموحد بسلام ، وهذا المبدأ هو الذي استندت إليه القيادة السياسية قبل عام ونيف في قرار العفو الذي شمل القيادات التي حملت أكثر من غيرها وزر إشعال فتنة الحرب التي أزهقت أوراح الكثيرين، وكبدت البلاد خسائر مادية تصل إلى 11 مليار دولار. إن الانتصار الذي أنجزه شعبنا في السابع من يوليو 94م ، قد فتح المجال أمام تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية ، وأمن مناخاً رائعاً من الحريات العامة والممارسات الديمقراطية في ظل التعديدة ، وأمن بالقدر نفسه مناخاً ملائماً لتوظيفات استثمارية ، جعلت الوطن أكثر اتصالاً ببعضه ، ووفرت فرصة غير مسبوقة لإنجاز استحقاق التنمية على المستويين الوطني والمحلي . إن هذه الإنجازات تعزز اليوم إيمان الشعب اليمني بأهمية وديمومة وحدته، وحتمية الدفاع عنها، وهي ذاتها التي تجعل من أحداث صعدة ، على الرغم من أنها تحمل ملامح الفتنة الدامية ذاتها والتي أجهضها شعبنا في السابع من يوليو 94م ، فعلاً معزولاً ومغامرة ستنتهي إلى الفشل ، تحت ضربات رجال القوات المسلحة والأمن البواسل المسنودة بوعي شعب يأبى العودة إلى الوراء .