على مقربة من المشفى (أحد أشهر المشافي العامة في العاصمة صنعاء) كان للفضول الذي ينتابني وصديقي (الزبير ) مشهد مسرحي ، علنا نجد ما يكمل لوحة الآلم في ذاكرتنا . فكان له ان يتظاهر بأنه مريض واني مرافق له ، دخلنا المشفى الذي يفقد كل علامات الاستطباب ، الطبيب المناوب يمضغ القات بشراهة ،وانا شاخص اليه وهو يسئل عن التدخين ورائحة الدخان تفوح من بين ثناياه . تلا ذلك وابل من الأسئلة التي كان يجيب عنها صديقي بنعم - تحت شرعية التظاهر بالمرض - حتى خيل لي ان صديقي قاب قوسين او أدنى من الموت . فقرر الطبيب رصد عدد من الأدوية المحددة من صيدلية محددة كمرحلة اولية ، على ان تعاود الزيارة في عيادته الخاصة ، وان لم يتماثل للشفاء يتم تحويله الى مشفى خارج الوطن . وفي بقالة الأدوية (الصيدلية مجازاً ) يموت الضمير ...ليس من قبل الصيدلي الذي باع ترخيص الصيدلية لمدرس تربية اسلامية فحسب ، بل ايضا يموت الضمير لدى تاجر الأدوية الذي عمد الى تحوير الإنتاج والصلاحية مرورا بوزارة الصحة التي منحت ترخيص الدواء دون رقابه دورية فضلا عن تجار الأدوية المهربة وانتهاء بحصة الطبيب . اكتملت اللوحة لندرك فعلا كم ان النفس اليمنية هي ارخص شيء في بورصتهم ، فان لم تقتل على ايدي زبانية العذاب فهي مقتولة ظلما على ايدي من يسمون ملائكة الرحمة . واعود وانا اجد تفسيرا منطقيا وعلميا لسلسلة التقارير الاممية حول تصدر اليمن قائمة الدول الاكثر اصابة بالسرطانات والفشل الكلوي والأمراض الرئوية والتي تنتج عن تغير في الصيغ الكيميائية لطبيعة المركب الصيدلي والناتجة اساسا عن انتهاء صلاحية الدواء وعن سوء التخزين والحفظ والعرض وافتقار الصيدليات للشروط المثلى . فيتساءل المواطن اليمني عن دور وزارة الصحة ، وما ذنب المواطن الذي يذهب ليشتري الموت من ايدي ملائكة الرحمة ، عبثا يشتري الموت بنية الشفاء وشركاء الموت بلا ضمير يتقاسمون ثمنه . ولعل الجميع سمع عن هيئة المقاييس وضبط الجودة والتي تحولت من مؤسسة يجب ان تراقب وتقيم كل ماله علاقة بالدواء والغذاء في الوطن الى مجرد ديوان قات وبازار سياسي يخضع لسلطة بعض النافذين في الدولة الذين يقتلون من الشعب كل يوم بنية الشفاء ما يعادل قتلهم بحقائق التدمير للوطن بالوسائل الاخرى . فهل تملك وزارة الصحة ضميرا حي من اجل مواطن يموت كل يوم ويدفع ثمن موته من قوت يومه وليلته ، ام ان الفوضى الإدارية والحكومية ستشرعن قتل البشر بالدواء بنفس الطريقة التي شرع فيها القتل على ايدي عرابي السياسة وحبر اوصياء الدين ؟ وفي الخلاصة اننا كنا بحاجة الى ثورة ضمير قبل ثورة الساحات ، بحاجة الى ثورة قيم واخلاق في بقعة جغرافية تغيب فيها معالم الدولة وتتعرى فيها منظومات القيم ، وتعاني فيها طبقات المجتمع من أزمات متراتبه ، فالساسة يعانون من أزمة كرامة والنخب الثقافية من أزمة فكر وضمير والمواطن من أزمة وعي ....والهادي يعاني فيها من أزمة قرار .