أليس عام 2011 يمثل زلزالا عربياً قوياً وجديداً يعتبر الأول من نوعه في تاريخ هذه الأمة من حيث طريقته بابتكار الانتفاضات والاعتصامات التي كان لها أثرها القوي في إرباك الأنظمة وشل حركتها خاصة في تونس ومصر واليمن التي تجنبت الصدام مع تلك الاعتصامات، في حين واجهت الأنظمة تلك الاعتصامات في ليبيا وسورية بالحديد والنار. وكان يفترض في أنظمة هذه الدول أن تخوض معركة البناء والتطور الاقتصادي والاجتماعي ومنذ سنوات طويلة والتي هي في أمس الحاجة إلى تطوير هذه المجالات خاصة في عصرنا الحاضر الذي لا يرحم الضعيف ولا يتعامل معه خصوصا وأن عالم اليوم غير مستعد لتضييع الوقت مع أنظمة فقدت العقل والتفكير والطريق الأصلح إلى مستقبل أفضل. بعد الانتفاضات والاعتصامات الشبابية دخلت هذه الأنظمة في معارك طاحنة من أجل السلطة وامتدت هذه المعارك الشريرة إلى القتل المتبادل بين الأنظمة والشعوب وإلى أجل غير معروف النهاية وكل ذلك بهدف رئيسي لدى الأنظمة وهو تعطيل أي تطور أو تغيير سياسي تهدف إلى تحقيقه تلك الانتفاضات، وهكذا ظلت ولاتزال المعركة في اشتباك متواصل بين الطرفين. ورغم أن هذه الانتفاضات والاعتصامات قوبلت بالأمل والترحيب في البداية وعلى مستوى واسع في المنطقة العربية، إلا أنها الآن تحولت إلى مشكلة غير مرحب بها عربيا وعالميا على مستوى الأنظمة وكل له ذرائعه وعدم ترحيبه بهذه الانتفاضات والاعتصامات والتي سوف يكون لاستمرارها أفدح الخسائر الاقتصادية والسياسية على الأنظمة والشعوب مع عدم الاستقرار. كنا نتوقع قبل عدة سنوات أن يحصل انفجار في العديد من الدول العربية بسبب عدم مواكبة هذه الأنظمة المسيرة العالمية وكنا نتوقع أن يذهب نظام ويأتي آخر ربما يكون أفضل من سابقه ولكننا لم نتوقع مسيرات واعتصامات جماهيرية حاشدة ووقوف النظام في وجه مثل هذه المسيرات لمقاتلتها وتوجيه التهم لها بالإرهاب والتخريب ومن ثم المواجهة بالحديد والنار كما هو الحال في ليبيا وسوريا واليمن واستمرار الشد والجذب الحاصل الآن بين بقية النظامين وثورتي اعتصامات تونس ومصر. المشكلة التي تواجه عدم نجاح الانتفاضات والاعتصامات العربية إلى النجاح في تحقيق أنظمة ديمقراطية جديدة شبه عويصة وهي أن العديد من الدول العربية ومعها بعض الدول الأجنبية تقف بقوة ضد نجاح ثورات الاعتصامات خوفا على البقية لأن مثل هذا التغيير خطير جدا على الأنظمة الحالية بمعنى أن كل شعب يريد التغيير سوف يقوم بانتفاضات واعتصامات لعدة أسابيع لإسقاط النظام القائم كما حدث في تونس ومصر. ورغم أن الانتفاضات والاعتصامات بدأت بمطالب تغيير الأنظمة الديكتاتورية واستبدالها بأنظمة مختارة من قبل الشعوب وتسلك الديمقراطية والعدالة والنزاهة كما هو حال العالم المتطور غير أن الأنظمة أصرت على مواصلة البقاء إلى أجل غير محدد واعتبرت كل هذه الانتفاضات والدعوات فوضى وجب محاربتها والقضاء عليها بكل الوسائل وبإصرارغريب وصلف من قبل هذه الأنظمة المتمسكة بالبقاء ورفض التغيير مهما كان مثل هذا التغيير مفيدا وإيجابيا للشعوب. والمخيف أنه رغم الفشل الذريع اقتصاديا وسياسيا وعسكريا واجتماعيا وعلميا منذ وجدت هذه الأنظمة العربية نتيجة الانقلابات منذ عقود طويلة إلا أنها لا تزال تتمسك بمنتهى القوة بالاستمرارعلى نفس النمط ومستعدة لمقاتلة حتى أبنائها دون التسليم كما هو حال العالم في التداول السلمي للسلطة ولدرجة أن الدول المتطورة التي تهتم بإصلاح ما يمكن إصلاحه في المنطقة العربية أخذت تشعر باليأس من إصلاح هذه الأمة. بعد عودة علي صالح من العلاج في السعودية إلى اليمن والتطورات المؤسفة في سقوط المزيد من القتلى التي حدثت بعد عودته إلى اليمن يقول مراسل " بي بي سي" في واشنطن إن وزير الخارجية اليمني الدكتور أبو بكر القربي قام بزيارة على رأس وفد يمني إلى واشنطن بهدف إيصال رسالة إلى الرئيس الأمريكي أوباما من علي صالح ولكن الرئيس الأمريكي أوباما رفض مقابلة الوزير اليمني. وأوضح المراسل أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما رفض استقبال وزيرالخارجية اليمني والوفد المرافق وبعد ترَجّ مذل من قبل الوزير اليمني للموافقة على المقابلة أمر الرئيس أوباما أحد مستشاريه غيرالمهمين بمقابلة الوزير اليمني بشرط أن تكون المقابلة في مكان ما بعيدا عن البيت الأبيض لإظهار مدى الرفض الأمريكي للسياسة الصلفة التي يتبعها علي صالح في بلاده. وقبل أن يقول لنا القربي لماذا منع من دخول البيت الأبيض لمقابلة الرئيس أوباما أعلن من على منبر الأممالمتحدة أن المعارضة في اليمن تعمل على شن الحرب في البلاد بدلا من أن يقول لنا انه وعلي صالح ونظامهما المهترئ يحاولان منذ شهور طويلة شن الحرب مع سوق العديد من التهم الواهية والضعيفة والمتهالكة ضد المعارضة لدرجة أصبح العديد من مسؤولي البقية الباقية من نظام علي صالح يهربون من مواجهة الصحافة وخاصة الصحافة التي تتابع الأوضاع السياسية المتخبطة عن كثب في اليمن. وفي إطار سياسة علي صالح وفريقه المسكين وليس الحكومي لأن حكومة علي صالح انتهت منذ شهورعندما يواجه هؤلاء المساكين أية مشكلة لابد أن ينسبوها إلى الأحزاب المعارضة بغض النظر عن المرتكب الحقيقي لمثل هذه المشاكل، المهم أن يكون من المعارضة التي تسعى إلى السلطة رغم تكرار مطالب المعارضة بأنها تطالب بإقالة حكومة علي صالح المنهارة ومنح مختلف أطياف الشعب اليمني من المعارضة وغيرها إجراء انتخابات رئاسية جديدة لاختيار رئيس جديد. ولافت أن مشكلة سورية شبيهة باليمن إلى حد كبير ولكن زواج الإكراه الذي عقدته عائلة الأسد على الشعب السوري منذ أكثر من 42 عاما وزواج الإكراه الثاني الذي عقده فخامة الشاويش علي صالح وعائلته على الشعب اليمني منذ 33 عاما لا تزالان تجدان من يسند منكرهما الطويل على المستويين المحلي والخارجي وبكل صلافة وعدم خجل. مأساة العديد من الدول العربية اليوم أصبحت بمنتهى الخطورة وذلك بعد عدة محاولات جديدة تحاول ترك الماضي بكل فشله وعيوبه والتقدم إلى المستقبل الأفضل بكل طموحاته وآماله ومع ذلك فإن الحديث عن مأساة الأزمة اليمنية الحالية نجد النظامين الحاليين في تونس ومصر لا يزالان واقفين مكانهما دون حركة إلى الأمام بل إن هناك من يسعى إلى التمسك بالماضي لإحباط هذه المحاولات الإيجابية والعودة بهما إلى الخلف من خلال تحضير جديد لإيجاد بديلين ل "بن علي" في تونس و"مبارك" في مصر وبغيرهما تظل بقاياهما في غضب وغير راضية على أية أوضاع جديدة خوفا على مصالحها المشبوهة. وفي تلميحات ليست بعيدة عن هذه المؤشرات فإن رئيس المجلس العسكري المشير طنطاوي قام الأسبوع الماضي بجولة في شوارع القاهرة بالزي المدني نالت تلك الجولة العديد من التفسيرات السياسية وما يهمنا هنا هو أن المجلس العسكري يرغب بشدة في مواصلة البقاء على رأس السلطة في مصر رغم أنه يحكم البلاد منذ ثورة 23 يوليو عام 52 ولا يزال يخطط للبقاء في السلطة إلى أجل غير محدد. ويعتقد أن المجلس العسكري المصري الذي لم يحدد حتى الآن وقتا معينا لانتخابات الرئاسة المصرية القادمة يسعى إلى مواصلة بقائه في السلطة إلا أن الإدارة الأمريكية وجهت له رسالة تعتبر ساخنة يوم الأربعاء الماضي عندما طالبت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون النظام المصري بالإسراع في إلغاء نظام الطوارئ الذي ينسب إلى الحكم العسكري في مصر منذ عقود طويلة مما يشير إلى أن الإدارة الأمريكية تأخذ عملية التغيير في مصر وتونس والدول العربية التي شهدت الاضطرابات مأخذ الجد. وفي سباق مع توجهات الإدارة الأمريكية هذه فإن علي صالح أدخل بلاده بعد عودته من الرياض مباشرة في متاهات كثيرة وكل يعبث في هذه البلاد وحسب مصالحه الخاصة القصيرة والأنانية وكل منهم يتهم الآخر ومع هذا الآخر في اليمن يتهم القاعدة في ظل الغياب المطلق للعدل والنظام منذ أزمنة طويلة. والمؤسف أن هذا اليمن السعيد الذي يمتلك الكثير جدا من خيرات الثروات الزراعية والمعدنية والحيوانية والبترولية إذا ما أحسن استغلالها لمصلحة البلاد لما فتك به الفقر إلى هذا المستوى المخيف ولكن شقاوة علي صالح وتعوده على الهبات والمعونات الخليجية والدولية التي يستولي عليها مع عائلته وأعوانه لمصالحهم الخاصة بدلا من تنمية الاقتصاد الوطني حولت البلاد إلى قسمين قسم محدود العدد جدا وغني جدا والقسم الآخر الذي يمثل الأغلبية يعاني مرارات الفقر الشديد وبالطبع يأتي مع الفقر اليأس المخيف الذي يحرم البلاد من الأمن والاستقرار. وقد انعكس هذا الوضع اليمني المنحرف والمغلوط في حرمان اليمن من خيراته المتوفرة وحرمانه كذلك من كرم دول مجلس التعاون التي حاولت كثيرا دعم وتنمية اليمن وخاصة قطرالتي كانت تسعى بقيادة أميرها المفدى إلى الدعم السخي لليمن وفي كل المجالات وخاصة في المشاريع الاستثمارية الكبيرة التي تعود على المواطن اليمني بالرخاء إلا أن عناد وغباء وجشع علي صالح حرم شعب اليمن من الدعم المالي القطري والخليجي السخي. ليس من المستغرب أن يتهم علي صالح القاعدة والشيخ عبد المجيد الزنداني وبعض المعارضة بإسقاط طائرة عسكرية من طراز سوخوي في منطقة أرحب شمال العاصمة صنعاء مؤخرا وإنما الأكثر استغرابا العدوان الشرس ضد من ينصح علي صالح بأنه يكفي اليمن معاناة في ظل سلطته المنحوسة والمنهارة وكان يجب عليه ترك السلطة منذ شهور بعد أن أصبح بقاؤه مكروها وغير مرغوب فيه محليا وخارجيا. لقد أثبت علي صالح خلال أكثر من 32 عاما أنه غير صالح لقيادة بلاده والنتائج واضحة بعد هذه الرئاسة الطويلة وإنما هو كما يصفه المقربون منه محنك في جمع أموال المساعدة الخليجية والدولية وما يستطيع جمعه من شعبه الفقير وتخزين ما يستطيع تخزينه من المال وتوزيع بعضه على أبنائه وأقاربه ومن يحظى بقبول مدحه بعيدا عما يعانيه اليمن من عدم التنمية الاقتصادية والفقر الحاد والأمراض وفوق كل ذلك علي صالح يتقن بشكل خبيث إشعال الفتن بين اليمنيين ومختلف القطاعات الاجتماعية يدعمه في هذه الأعمال الشريرة الذين يضمرون لليمن الشر وعدم الاستقرار. وهكذا هو علي صالح بشهادة خبراء الأممالمتحدة والإعلام العالمي والمطلعين على أوضاع اليمن من العرب وغيرهم ومع كل ذلك يهدد علي صالح المعارضة ومن يطالبه بالتنحي بأنه سوف يعيد البلاد إلى التخلف الذي كانت عليه قبل مجيئه إلى السلطة وكأنه قد حول اليمن إلى بلد نال الرقي والتطور متناسيا أنه لم يجد حتى مستشفى يُعالج فيه عندما تعرض لضربة مسجد الرئاسة المشهورة، تلك الضربة التي كشفت مدى التخلف الذي صنعه علي صالح لبلاده. وإجمالا الساحة العربية التي شهدت ما يسمى الربيع العربي منذ بداية العام الجاري تشهد حاليا مهاترات وصراعات ساخنة بين الذين يسعون إلى التغيير لتحقيق مجتمعات عربية متحضرة تتمتع بالديمقراطية والحرية والعدالة وبين بقايا الفساد السابقة التي لا تزال على طبعها وسلوكها السابق غير معنية بالوطن والمواطن أو بالزمن الذي سوف تحتاجه هذه الدول العربية حتى تشفى اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا بعد هذا الربيع العربي الذي تفرعت مشاكله على المستويين المحلي والخارجي في كل دولة شملها هذا الربيع. الراية