يحتفل شعبنا اليمني اليوم بالعيد ال38 للاستقلال الوطني ورحيل آخر جندي مستعمر من جزء غالٍ من أرض الوطن في ال30 من نوفمبر عام 1967م، ومما يضاعف من الابتهاج بهذه المناسبة أنها التي تأتي تواصلاً لاحتفالاتنا بأعياد الثورة اليمنية الخالدة (سبتمبر وأكتوبر) التي اقترنت هذا العام بتدشين العديد من المنجزات الاستراتيجية والضخمة في مختلف قطاعات التنمية، وكذا مع ما يشهده الوطن من تحولات سياسية وديمقراطية واجتماعية على طريق البناء الحضاري لليمن الجديد، الناهض والمزدهر. ولعل ما يميز حدث الثلاثين من نوفمبر، الذي كان محصلة لتضحيات غالية وجسيمة قدمها أبناء شعبنا على دروب الثورة والحرية والاستقلال، أنه الذي شكل قاعدة الارتكاز التي استلهمت منها شعوب الأمة العربية والإسلامية المسار الصحيح وبواعث التطوير والتجديد والتحديث، حيث ظهرت أفكار النهضة ودعواتها التي مهدت للأمة الدخول في طور جديد من رد الفعل على حقب الهيمنة والتخلف التي فرضها الاستعمار على أوطانها، بعد أن حاول تكريس مزاعمه بأن الهدف الرئيسي الذي جاء من أجله إلى تلك البلدان إنما هو لتحديثها وتخليصها من التخلف وإنقاذها من شبح التراجع والانهيار.. إلى غير ذلك من التعليلات والمبررات والمسوغات التي اتخذت صيغاً كثيرة إمعاناً في المكر وإيغالاً في الخديعة وتأكيداً على سوء النية والمقصد.. - وكما كان ال30 من نوفمبر عام 1967م مبعثاً للارتقاء بالعقل العربي وتحريره من قبضة الجمود والاستلاب، فإنه كان بالنسبة لنا في اليمن المحطة التي توجت مسيرة نضالنا الوطني من أجل التحرر والانعتاق من ربقة النظام الإمامي الكهنوتي والاستعماري البغيض، بل إنه الذي مثل إلى جانب كل ذلك، النافذة المشرعة التي انطلقت من خلالها الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر صوب ترجمة أهدافها ومبادئها على أرض الواقع وتجاوز كل الصعاب والتحديات التي ظلت تستهدف توهجها وديمومة عطائها السخي في ميادين البناء والإنجاز.. - ومن المؤكد أن بلوغ هذه الثورة لمراميها قد مر بالعديد من المنعطفات وواجهته الكثير من المصاعب والعقبات، لكن أمكن التغلب على تلك التحديات الجسام بفضل الرجال المخلصين والشرفاء من أبناء هذا الوطن الذين يأتي في طليعتهم فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية، الذي استطاعت الثورة في عهده ترجمة كل مبادئها، حيث أمكن إعادة تحقيق وحدة الوطن في ال22 من مايو عام 1990م، ولم شمل الأسرة اليمنية الواحدة، وإعادة الاعتبار لتاريخ شعبنا، وهو الفعل والإنجاز والحلم العظيم الذي لم يأت نتاج حالة من التمني والأمنيات، بل كان حصيلة جهود مضنية وإرادة قوية وواعية بحقائق العصر ودروس وعبر الماضي ومتطلبات الحاضر وطموحات المستقبل.. ذلك أن وطننا بدون الوحدة والتخلص من ظروف التشطير والتشرذم والانقسامات الداخلية، لم يكن ليتأتى له الانتقال إلى بر الأمان وشواطئ الاستقرار واستشراف واقع المتغيرات التي يمر بها عالم اليوم، وما تموج به من تحديات عاصفة كان يستحيل علينا مواجهتها في ظل واقع التشطير ومناخات عدم الاستقرار التي كانت تحيط بالساحة اليمنية.. - وكما أشار فخامة الأخ الرئيس في كلمته يوم أمس بالكلية الحربية فقد كان شعبنا واعياً بمجمل تلك الحقائق، الأمر الذي أتاح له صنع انتصاراته العظيمة بكل إصرار وعزيمة، متجاوزاً بوحدته ونهجه الديمقراطي كل المثبطات التي كانت تعيق حركته وملامح تطوره أو تحول دون تمتعه بحقه الطبيعي في التقدم والرقي والازدهار، واستقلالية قراره الوطني..