تعددت القراءات حول التعديل الوزاري الأخير في اليمن. ربطه البعض بالاستحقاقات الانتخابية المقبلة وقال البعض الآخر انه يتناسب مع استحقاقات دولية ولاحظ البعض الثالث انه ينطلق من حسابات مناطقية وذهب البعض الرابع إلى حد القول أنه يذهب باتجاه المزيد من السلطة المركزية. وتعددت أيضا الأوصاف الثانوية لهذا التعديل إذ قيل أنه يدرج الحكومة المعدلة في أعلى قائمة الحكومات اليمنية حجما وأنه يضمن تمثيلا متواصلا لعائلة الإرياني في إحدى الوزارات وأنه يضع حدا لتولي وزير المال السابق زمام المالية لعقود طويلة وأنه ينطوي على مخالفة دستورية من خلال تعيين محافظ العاصمة على رأس محافظة عدن لكونه نائبا في البرلمان ولا يجوز تعيين النائب في منصب غير حكومي ولعل النقطة الوحيدة التي لاقت تأييدا حماسيا ظاهرا في التعديل الوزاري من طرف معارضيه بطبيعة الحال تكمن في تعيين السيد يحي الشامي محافظا لمحافظة صعدة .. الخ. هذه القراءات والأوصاف التي انتشرت داخل و خارج اليمن غداة التعديل الحكومي تطرح سؤالا حول مدى اقترابها أو ابتعادها من وعن الدوافع التي تقف وراء التعديل ومن وعن منهج الحكم علما أنها بمعظمها لم تربط بمعلومات معروفة أو تصريحات متداولة وهي عموما تفتقر إلى الأدلة الكافية ما يعني أنها محاولات تفسير وتأويل وهي مشروعة وجديرة بالنقاش وإن كانت لا تزيد القاريء المحلي أو الخارجي معرفة بالتطورات التي طرأت على العمل الحكومي في اليمن خلال السنوات العشر الماضية تجدر الإشارة هنا إلى أن محدودية التفسير والتحليل قد تنجم ليس فقط عن نية الاعتراض المسبقة وإنما أيضا عن قلة المعلومات المتداولة وضمور مساحة النقاش المعرفي وغير الايديولوجي فلا يبقى أمام المحلل غير التأويل والتقدير وتحميل الخطوات والمبادرات السياسية أكثر أو أقل مما تتحمله. عندما يقال أن التعديل مرتبط بالاستحقاقات الانتخابية القادمة لا نفهم السبب الذي يجعل الحكومة بصيغتها السابقة عاجزة عن تحمل مسؤولية هذه الاستحقاقات فيما الحكومة المعدلة جديرة أكثر بتحمل مسؤوليتها خصوصا أن الوزير الأول المعني باستحقاق انتخابي في العادة هو من حيث المبدأ وزير الداخلية الذي لم يغادر الوزارةمعنى ذلك أن الربط بين الانتخابات والتعديل الوزاري ضعيف للغاية وإن صح جزئيا من خلال ترفيع الوزير رشاد العليمي إلى مرتبة نائب لرئيس الحكومة فهو لا يكفي لتفسير التعديل الوزاري كله. وعندما يعزى التعديل لأسباب دولية فإن التفسير يذهب في الاتجاه المعاكس لأننا نعرف أن الرئيس علي عبد الله صالح ليس من الرؤساء الذين يقبلون أن يعين الأجانب حكومتهم الوطنية لا بل يمكن القول أن الوصول إلى الوزارة في اليمن يمكن أن يمر بطرق عديدة إلا الطريق الأجنبي وهذا ما يفترض أن يعرفه المحللون فضلا عن المستوزرين والطامحين للمشاركة في الحكم. أما الحديث عن أن التعديل الحكومي يتيح مزيدا من المركزية في اليمن فهو ينم عن نظرة غير واقعية لطبيعة المركزية واللامركزية في هذا البلد ناهيك عن أنه يفترض أن الحكومة قبل التعديل كانت اقرب إلى اللامركزية وهذا الافتراض لا يقف على أرض صلبة. وعن الأوصاف الثانوية في التعديل الحكومي لا يمكنني الخوض في التمثيل المناطقي نظرا لمعرفتي الجزئية بتمثيل الوزراء وأصولهم المناطقية وكذا الأمر في ما يتعلق بالخرق الدستوري في تعيين محافظ عدن في حين يمكن النظر إلى تغيير بعض الوزراء وتبادل الحقائب الوزارية من زوايا تقنية ومن دون استبعاد القياس إلى ما ذكره أصحاب القراءات المشار إليها أعلاه حول مهلة السنتين التي أعطيت للوزراء لاختبار طموحاتهم ومدى رغبتهم في لعب ادوار مميزة في الوزارات التي شغلوها فضلا عن مقياس الانسجام والتعايش داخل الحكومة. تتيح لي خبرتي المتواضعة في متابعة الشؤون اليمنية النظر ترجيحا إلى التعديل الوزاري الأخير في سياق انعطاف أساسي برز بوضوح بعد المحاولة الانفصالية الفاشلة عام 1994 وهو مستمر في تدرجه ويقضي بتوفير فرص واسعة أمام الجيل اليمني الجديد من التكنوقراط في المشاركة في الحكم وبالتالي إبعاد الحكومة عن مراكز الاحتراف والاستقطاب السياسي بمعناه التقليدي بين تيارات الثورة اليمنية وما قبلها أي تلك التي تكونت خلال الصراعات الما قبل والما بعد سبتمبر فضلا عن مراكز القوى الموروثة من نظام الجنوب السابق ولعل هذا ما يفسر صراخ واحتجاج مسؤولين من خمسينات وستينات القرن الماضي في وسائل الإعلام اليمنية والخارجية ويفسر أيضا صراخ واحتجاج بعض المعارضين المحترفين الذين يواظبون على طرح التصور الأيديولوجي نفسه حول الحكم على الرغم من الانعطافات والتحولات التي مر بها خلال ربع القرن الأخير. إن تحويل الموقع الوزاري من موقع للاستقطاب والضغط والثراء والمناطقية والفئوية والطائفية إلى موقع للانصهار الوطني وإعادة البناء رغم الوسائل المحدودة هو جزء من استراتيجية انتقالية مستمرة منذ أكثر من عشر سنوات عمادها نقل العمل الحكومي من نخبة قديمة لعبت أدوارا مختلفة في ظروف ما قبل وما بعد التشطير ونخبة ناشئة من المفترض أن تضطلع بمسؤوليات اليمن الموحد ولعل التعديل الوزاري الأخير قد تم تحت هذا السقف وفي إطار الاستراتيجية نفسها. و لا يخرج الجانب التقني في التعديل عن السياق المذكور فهو يؤكد عموما على الطابع التكنوقراطي للوزراء وعلى مؤهلاتهم المفترضة خصوصا وعلى التسلسل الإداري في بعض الحالات حيث انتقل وزراء إلى مناصبهم الجديدة من موقع نائب وزير أو وكيل وزارة. إن الجيل الجديد والتكنوقراطي الذي يتولى مسؤوليات وزارية في اليمن بات يشكل ظاهرة جديرة بالانتباه ومواكبة في التفسير والتحليل تأخذ بعين الاعتبار الاستراتيجية الانتقالية المشار إليها في الفقرة السابقة.وإذا كان النظر إلى هذه الظاهرة مازال محكوما إلى حد ما بالمقاييس السابقة والتفسيرات الإيديولوجية فلأن تقاليد النقاش في صنعاء ما زالت إيديولوجية وتعبوية ومدججة بالتصنيفات والتصورات المسبقة وهذا ما يدعو للأسف خصوصا أن الجيل الجديد من المحللين اليمنيين مرشح مبدئيا لأن يكون أكثر انفتاحا وحيوية وأقل تأثراً بتقاليد التعبئة والتحريض الإيديولوجي التي ميزت شريحة واسعة من جيل أواسط القرن الماضي.