تمثل الصحافة النور والهدى الذي تستضيء به الشعوب ، وعين الأمة التي ترى بها، وتهتدي بما سطرته في طريقها ، وهي سفيرتها لمعرفة ما يدور حولها ، إلا أن المتتبع لبعض كتاباتها يجد أنها قد حادت عن جادة الصواب أو كادت أن تفعل ذلك ، هذا إذا ما عُرضت على ميزان الحق والعدل والواجب من منظور اسلامي ومنظور قانوني فضلا عن المنظور النفسي والواقع المعاش ، حيث نجدها : 1- تعرض فقط أو في أغلب أوقاتها ما هو سيء وخاطئ وفاسد في المجتمع ، في حين تتجنب أو تتغافل وقد تنكر ما هو خير ومنجز ، و باعث للأمل وحاث للعمل فيه. 2- تنسب كل مفاسد الأرض ومساوئها داخل البلد الى سبب واحد ومصدر واحد وقد تقصره على شخص واحد كالرئيس علي عبد الله صالح فتنهال عليه هجماتهم الشرسة وتتكرر دون كلل أو ملل حتى انها لا تتحرج من ان تحمله المسؤولية في بعض القضايا الشخصية بين طرفين إلا أنه ومن باب " قطع العادة عداوة " تأبى ولو في كلمتين فقط بين سطورها أن تقحمه فيها لتعوُّدها على إدراجه له في أي تحليل أو نقاش ، وفي أي زمان ومكان تكون فيه ، وحتى بدون أدلة وبراهين في بعض الاحيان ، وهم بذلك ينأون عن حق من حقوق الحوار والنقد الا وهو " حق عدم استهداف الشخص " والذي يستوجب معه أن يكون انصباب النقد على القول لا على القائل اجمالاً ... كما انها بذلك تمثل خرقاً وتعدياً وتجاوزاً لقانون الصحافة رقم ( 25 ) لسنة 1990 الذي يحضر في المادة ( 5) الترويج والتشهير الشخصي ، وفي المادة ( 10 ) قذف وتشويه سمعة الاشخاص ، وفي المادة ( 12 ) التعرض بالنقد المباشر والشخصي لشخص الرئيس . 3- تتسم تلك الكتابات بالحدة والشدة والعنف والعدوان والألفاظ البذيئة في بعض الاحيان مما يعكس الشحنة الانفعالية العارمة والهائجة التي تصاحب التفكير المتعصب والمتطرف من وجهة نظر علم النفس ، كما انها تنأى بذلك عن حق من حقوق الشخص المحاوَر أو المنتَقَد في الشريعة الاسلامية والذي تتضح معالمه في قوله تعالى" اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى " ( طه – 44 ) ، فبالرغم من أن الأمر الالهي كان بإيصال رسالة حقة وقول حق إلا أن هذا الحق أطلق عليه المولى عز وجل اسم " ً لينا " رغم قوة هذا القول وحجته الدامغة ، ورغم أنه قول حق يقال عند حاكم ظالم وجائر ومستبد وطاغ ينكر وجود الله عز وجل ، نصّب نفسه إلهاً من دون الله ، وعاث في الأرض فساداً حين أذاق بني اسرائيل ألواناً وأصنافاً من العذاب وويلاته ، ومع ذلك أبت رحمة الله عز وجل بهذا الدين القويم وبمن يتلقونه إلا أن يكون اللين نبراساً ومَعلماً في الحواروبثّه ، ومقارعة الظلم وردعه . كما أن المولى عز وجل قال في كتابه الكريم " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة " وهذه الآية نزلت في مكة لا في المدينة ، بمعنى أنها نزلت على المشركين وأهل الكفر الذين طاردوا الرسول صلى الله عليه وسلم وحاربوه هو ومن تبعه ، وعذبوهم أشد العذاب وأذاقوهم صنوف الظلم والقهر والاستبداد ، ورغم ذلك نزلت فيهم هذه الآية توجه أسلوب دعوتهم والتعامل معهم ، وهكذا جاءت أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مجسدة لهذه الآية وذلك المبدأ الاسلامي العريق في كثير من مواقفه منها أنه كان يكني أبا جهل رغم كفره وإيذائه ، وظلمه له ولأصحابه ب" أبا الحكم" ، ونحن نقرأ في بعض الصحف وباسم حرية التعبير والرأي كل تجريد للاسم والكنية ، وتلقيباً بأسماء وصفات ما أنزل الله بها من سلطان فضلاً عن إنكار للأمجاد والأفعال التي حققت فأين نحن من تعاليم ديننا الحنيف ، وأين نحن من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وموسى وهارون عليهما السلام . 4- تفتقر تلك الكتابات الى ما يسمى في الشريعة الاسلامية " بحق الموضوعية في النقد " مما يورث حقاً آخر للمخالَف هو حق العدل ، قال تعالى " وإذا قلتم فاعدلوا " ( الانعام-152) ، وقال " واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " (النساء – 58) ، كم انه قال عز وجل " ولا يجرمنكم شنئآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى " ( المائدة – 8 ) ، والملاحظ على تلك الكتابات الصحفية أنها تفتقد الموضوعية والعدل في الحيادية في أوقات كثيرة حين نجد أصحابها لا ينظرون ولا يعرضون إلا الجانب المظلم فقط من الحياة التي يعيشها الشعب اليمني ، فمهما كان في هذا الواقع الذي نعيشه من سوء وأخطاء ومفاسد وآلام وأوجاع فهناك في نفس الوقت تصحيحات وانجازات وخيرات عمّت واستمرت في تطورها ونمائها إلى هذا اليوم إلا أنها لم تجد لها مكاناً في تلك الكتابات والتي تعد بكل ما تحمله من عنف وشراسة وهمجية شاهدة عليهم سواء علموا أم جهلوا ، قبلوا أم لم يقبلوا ، اعترفوا أم أنكروا أنها ثمرة هذا الحق الذي أعطاهم لهم سيادة الرئيس علي عبد الله صالح من حرية للصحافة والرأي والتي تمثل أحد أعظم منجزاته وإلا لما تجرأوا على أن يكتبوا كلمة مما كتبوه ، ولكان مكانهم " خلف الشمس " ، ولما وجدنا في القرية الواحدة والبيت الواحد في اليمن في ظل هذا الحكم تعدداً للأحزاب والآراء والتوجهات المتنوعة ولو لم يكن له منجز غير هذا المنجز لكان كاف ، ومن حقه أن يُنصف وتذاع جميع ايجابياته كما أذيعت مساوئه بنفس القوة والتكرار كالوحدة ، وحرية الرأي ، وحرية الصحافة ، والديموقراطية ، والمشاركة السياسية للمرأة ، ومنجزاته في رسم الحدود ، وحمايتنا من الوقوع في الحروب ، وربط اليمن بعلاقات إيجابية عربية وعالمية وذكرٍ محمود . 5- تعكس تلك الكتابات في افكارها رؤى احزابها ومنطلقاتهم الفكرية لا ما ينفع الناس ويلبي طموحاتهم المستقبلية ويشبع احتياجاتهم المعرفية ، فلم نجد لديها اهتماماً ومناقشة موضوعية لواقعنا وهمومنا وقضايانا وانما أصبح شغلها الشاغل هو القدح في سيادة الرئيس ولذا قال عنها الاختصاصيين بأنها " اصبحت للأسف صحافة قولية تميل الى الخطاب السياسي المباشر والى الجملة الفارغة ولا تهتم بالتحقيقات الصحفية ولا بالموضوعات التي تؤدي دوراً في التنمية " سواء الاقتصادية منها أوالاجتماعية أوالثقافية ، وأنها " إعلام موجه سياسياً و " لا تأخذ قضايا تنمية المجتمع وهمومه الحيز المطلوب حيث " اصبحت مساحتة محاربة كلامية " فقط . " ثقافة الاختلاف " ان الوضع الذي تعيشه بعض الكتابات الصحفية يستوجب التأكيد على ضرورة أن يُغرس فينا أولاً " ثقافة الاختلاف " وآدابه وطرق إدارته قبل أن نُمنح حق حرية الرأي وحرية التعبير ف " بالاستيعاب النفسي والفكري لثقافة الاختلاف يهون علينا تقبل اختلافاتنا ، وإدارتها بشكل مثمر ، ويعود الاختلاف أداة بناء ورحمة لا أداة هدم وعذاب ، ونضمن بذلك الانتاجية الثقافية المثمرة " – كتاب ادارة الاختلاف في الرؤية القرآنية - لا تحول الاختلاف الى خلاف ونزاع وفرقة وضعف . سؤال يفرض نفسه.. ألا يجدر بنا جميعاً أن نحرك المؤشر الذي عهدناه دوماً موجهاً الى سيادة الرئيس ومحاسبته في كل شاردة وواردة ليصبح ذلك المؤشر متجهاً نحونا نحن فنحاسب أنفسنا عما قدمناه وما قمنا به من واجب ودور تجاه شعبنا ووطننا ، وأوجِّه هذا الكلام ايضا الى اولئك الكُتاب والصحفيون ليحاسبوا انفسهم وأحزابهم والجهات التي ينتمون اليها بنفس قوة تلك المحاسبة التي ينالونه بها و يحاكمون انفسهم أولاً وتلك الجهات لأنهم سيجدون في حياتهم الشخصية والمهنية والحزبية مئات الضحايا التي سقطت بسبب تخاذلهم وتخليهم عن تحمل مسؤوليتهم تجاههم ، وسيجدون أصنافاً وألواناً شتى من أنظمة " الفساد " والحكم " الجائر " و" الخالد " تماثل إن لم تكن أشد ضراوة وتخفياً من تلك الأنظمة التي انتقدوها وادّعوا انها شملت جميع أركان حياتنا .