إلى الحد الذي تغلغل فيه موروث الاعتقاد بتأثير بعض الرموز والمواسم والأيام في الأذهان - فاكتسب دلالات خاصة.. لا تقتصر على ما أحيط بها من الاسرار المثيرة، في الأساطير المتداولة التي خلدها التراث الشعبي - الاممي - أو ينحصر على ثقافة المجتمعات المتخلفة والازمنة القديمة - فحسب - بقدر ما يفرض وجوده الفاعل في البيئات المتحضرة - ايضاً - فما زال الناس يحرصون على اختيار المواعيد المناسبة والمواقيت الملائمة.. والانتقاء لاسماء المواليد الجديدة.. ومثلما يتفائلون بهذا الاختيار، فانهم يتشاءمون لرؤية اشياء اعتادوا التطير منها - حتى اختلط «قراءة الكف» بالتنجيم «الكهانة والشعوذة» بالعلوم الفلكية.. فكلها تدور حول تأثير حركة الاجرام السماوية وعلاقتها بالمواسم، وتأثيرها في المتغيرات الكونية، وصناعة الاحداث التاريخية، وانعكاساتها على الكائنات - وخاصة ما يتعلق بالجنس البشري - افراداً وجماعات. ولان هذه العلاقة شائعة ، وغنية عن التعريف والبرهنة.. فحسبي: ان اتوقف مع خصوصية شهر سبتمبر في حياة شعبنا - كحدث تاريخي شهد عيد ميلاد جديد لليمن السعيد - وظل موعداً لمواسم حصاد وفيرة، ومناسبة للتفاؤل بتحولات مبشرة، تتعدى صدفة الاختيار - ليوم قيام الثورة الخالدة، لتكرر المناسبات الدالة على رمزية هذا الموعد، لتعزيز الثقة - بأن هذه الرابطة المناسباتية ليست عشوائية - فالصدفة والعشوائية - لا تدخل في حسابات الزمن لانها نادرة - والنادر لا حكم له - وهو ما لا تنطبق عليه المتغيرات التي يشهدها الانسان اليمني المتحضر، في تاريخه المعاصر - وكأن سبتمبر محور لهذه المتغيرات الوطنية العملاقة - والمؤشرات الرقمية والموضوعية تؤكد هذه الحقيقة الاعجازية - وإلقاء نظرة على العملية الحسابية لشواهد هذه العلاقة المحورية التي لا تقبل التشكيك او الجدل ومن لا يثق بهذه الحتمية الجدلية - باستحضار الاعداد التاريخية ذات العلاقة بالمناسبة.. والتي لا تتطلب اكثر من حسبة بسيطة لمجمل الارقام العددية التي سجلت باحرف من نور حاضر ومستقبل اليمن الواحد، وخياراته الوحدوية.. ف(26 سبتمبر + 14 اكتوبر + 22 مايو =62م) وبهذه المصفوفة الرقمية لهذا التواصل لنقطة الانطلاق - لتلك البداية لدورة حياتية متكاملة.. لحركة ديناميكية مطردة يستحيل توقفها او محاولة احتوائها - لان حركة الحياة المتصلة بلا نهاية فهي متجذرة في اعماق الارض اليمنية.. وتستمد اصالتها من أصالة الإنسان اليمني - وتستند الى ارث حضاري عمرته الدماء الزكية، وشيدته جماجم الشهداء، وصاغته التجارب النضالية التراكمية - ليظل موعدنا مع سبتمبر الثورة رافداً لتجديد العهد، وترشيد المسار الوطني.. وليبق هذا الشهر رمزاً للحرية ومصدراً للحيوية المتجددة - فالثورة ليست مجرد اهداف نظرية النصوص الجامدة - انها اهداف ثورية تترجم الى مسارات سلوكية - وما حدث يوم 20 سبتمبر يمثل ترجمة فعلية للنظام الجمهوري الديمقراطي بالانتقال من (عهد الامامة) البغيض لحاكم طاغية مستبد، اعتبر اليمن ضيعة خاصة به، والشعب رعية واتباعاً لحكمه المطلق، ثم النقلة النوعية الى (الشرعية الثورية) والتي اسست للحياة المدنية المتطورة، وبخطوات متسارعة لبلورة دولة المؤسسات - وصولاً الى التعددية الحزبية - كخيار وطني يكرس «حكم الشعب نفسه بنفسه» وهي الحاكمية التي تجسدت في اكثر من محطة انتخابية - دشنت بصيغتها النموذجية في ال20 من هذا الشهر - ليمثل 20 سبتمبر 2006م (عتبة فارقة) ل(الشرعية الديمقراطية) التي يحتكم فيها الجميع لارادة الجماهير - والقبول بخيارات الشعب، فلا وصاية عليه ولا انتقاص لحريته في الاختيار - فالمفاضلة الواعية المشهودة التي برزت في الانتخابات الرئاسية والمحلية افرزت حقيقة التعاطي الجماهيري الناضج مع الحدث - كخيار ديمقراطي لا رجعة عنه. ف(القيم الديمقراطية) لا تعني الحد من التسلط، واشاعة السلم الاجتماعي، والاستقرار السياسي - الذي يتكامل فيه الادوار بين السلطة والمعارضة - القمة والقاعدة - وهي قبل ذلك وبعده (صمام أمان) الثورة، الوحدة، التنمية - لذا جدد الشعب ثقته بالسلطة، رافضاً البدائل الشمولية، والمشاريع الانفصالية - اذ ان اي نظام سياسي يلغي الرأي الاخر او يفرض ايديولوجية شمولية.. او ينتصر لجماعة على حساب فئات المجتمع - يكون بذلك قد قضى على فرص التعايش السلمي والتوافق الاجتماعي، وشرع للتناقضات والصراعات والاحتمالات المفتوحة للنعرات الفئوية - المدمرة للوحدة الوطنية - وتشرذم المكونات الاجتماعية. الديمقراطية مسؤولية العدد 1285 - الأولى الديمقراطية في معاني مفهومها كحرية رأي وتعبير وتعددية سياسية وحزبية وتداول سلمي للسلطة لاتقبل التفسير الجزئي المبتسر عن سياقها الكلي، ولاتحتمل التفسيرات والتأويلات المتباينة والمتعارضة ولا التناقض في المواقف تجاهها، وهذا المعنى اكثر مايأخذ تعبيره الحقيقي الصحيح ومضمونه المباشر في الاحتكام لصناديق الاقتراع الذي يعني القبول بقواعد اللعبة الديمقراطية وبالتالي التسليم بالنتائج والتعاطي معها بصدر رحب اياً كانت، وهذا ماينبغي ان يكون مع نتائج الانتخابات الرئاسية والمحلية اليمنية التي شهد بنزاهتها وشفافيتها كل من شارك في عملية الرقابة والتغطية الاعلامية لمجرياتها من مراقبين واعلاميين يمثلون منظمات وهيئات ووسائل اعلام جاءوا الى اليمن من مختلف دول العالم للوقوف على المسار الديمقراطي لهذه الانتخابات وخلصوا الى انها تجربة تشكل في معطياتها ونتائجها نموذجاً للديمقراطية التي ينبغي ان تكون في المنطقة ودول العالم الثالث. ويكفي هنا ان نقول لمن يحاولون ان يشوهوا النجاح الكبير الذي حققه شعبنا في الانتخابات الرئاسية والمحلية ان يعيدوا النظر في حساباتهم الضيقة ويمعنوا الفكر في الاهمية التي يمثلها هذا النجاح لهم ولتأصيل الممارسة الديمقراطية التأمل في اسباب مكامن الاخفاق والفشل وفي عوامل الفوز والنجاح عند الآخر بدراسة وتحليل النتائج والاستعداد للمعترك الانتخابي القادم.. بدلاً من السلوك السياسي الانفعالي غير المسؤول الذي يكشف فهمهم القاصر للديمقراطية بإعادة اسقاط المفاهيم الشمولية على مواقفهم منها واصدار الاحكام بمنطق من ليس معي فهو ضدي، والنظر الى الاشياء برؤية الثنائية اللونية (الابيض والاسود) فإذا كانت الانتخابات في صالحهم في انتخابات ديمقراطية حرة وشفافة وان كانت في غير صالحهم فهي مزورة والنتائج يجري التلاعب بها.. و الى ماهناك من الافتراءات التي لاتخدمهم وتسيء الى الوطن وتجربته الديمقراطية.. ومع ان كل مسارات العملية الانتخابية في كل مراحلها لاسيما مرحلة الاقتراع والفرز التي وجودهم في لجانها يصل الى مايقارب النصف موزعين على كل اللجان الانتخابية للدوائر والمراكز. ناهيك عن وجودهم في اللجان الاشرافية والاصلية، وهذا كافٍ لاثبات فشل محاولتهم التشكيك في نزاهة نتائج هذه الانتخابات، ومثل هذه المحاولات بكل تأكيد لن تغير في حقيقة ان الانتخابات الرئاسية والمحلية اليمنية جرت امام انظار العالم كله وان التنافس بين المرشحين والاحزاب وكذلك ممارسة الناخبين لحقهم في الاختيار الحر لقائد سفينتهم في المرحلة القادمة ولممثليهم في السلطة المحلية دون تأثير او تدخل من احد والتشكك بها يندرج في اطار غياب القناعة بالديمقراطية من قبل هؤلاء المشككين بها هو موقف عجيب ويثير التساؤل والاستغراب تجاه مصداقية قبولهم بالخيار الديمقراطي وبناء الدولة اليمنية المؤسسية الحديثة على اساس هذا النهج الذي اكد شعبنا في هذه الانتخابات انه اصبح خياراً راسخاً في وعيه السياسي لايمكن التراجع عنه ومجسداً ذلك في حرص ابنائه على التعبير عن ارادتهم الحرة من خلال الاقبال المنقطع النظير رجالاً ونساء شيباً وشباب على صناديق الاقتراع للادلاء بأصواتهم مقدمين الصورة المثلى للسلوك الحضاري الديمقراطي المدرك لمضامين ودلالات وأبعاد هذه المشاركة في حاضر ومستقبل بناء اليمن الجديد معطياً لبعض القوى السياسية درساً في الديمقراطية وكيفية ممارستها قولاً وفعلاً، في هذا المنحنى فإن المساس بها يعد تصرفاً غير مسؤول يعكس عدم احترامهم لارادة الشعب ويضع علامة استفهام كبرى امام حقيقة توجهات هؤلاء الذين بمواقفهم من نتائج الاستحقاق الانتخابي يبينون مدى استخفافهم وعدم احترامهم لإرادة الشعب، ويضعهم في موقع ماكنا نريده لهم. وإزاء ذلك عليهم ان يكفوا عن لغة التهديد بالعودة مجدداً الى اشعال الحرائق وإقلاق السكينة العامة التي لن تجدي لهم نفعاً، لأن مثل هذا الخطاب لعب بالنار التي سوف يحترقون بها سياسياً اكثر ممّا هم الآن، ومراجعة الذات ومعرفة الاخطاء والاختلالات وتصحيحها ربما تكون هي الاجدر والاصوب لهم ولمستقبلهم السياسي وماداموا قد قبلوا بقواعد اللعبة الديمقراطية عليهم ان يقتنعوا بأن هناك ربحاً وخسارة فيها لكنه للافراد والاحزاب مؤقتة وآنية وهذه هي الديمقراطية وعليهم ان يستوعبوا حقيقة ان المنتصر في هذه الانتخابات الديمقراطية الوطن والشعب.