تجمع الكثير من الفعاليات السياسية والفكرية اليمنية والخليجية على أن مدخل الاندماج اليمني في مجلس التعاون الخليجي سيكون اقتصاديا وبالتحديد من باب الاستثمارات المشتركة مع عدم إغفال كافة الأبعاد الأخرى وخصوصا السياسية والتاريخية والثقافية والإجتماعية. هذا ما أكدته دراسة أعدها الدكتور محمد الحاوري وكيل وزارة التخطيط والتعاون الدولي لقطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية حول "العلاقات الاقتصادية اليمنية مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من الشراكة إلى الاندماج" والتي أكدت بالأرقام عمق الشراكة التي يجب أن تحددها خارطة طرق ومسارات للإندماج الكامل مستقبلاً. قالت الدراسة: أن الدول الخليجية أكبر قوة نفطية في العالم سواء من حيث الاحتياطي (46%)أو الإنتاج (24%)أو الصادرات (40%)، وبالتالي تتميز بوفرة في رأس المال المالي والنقدي، وفي المقابل هناك ندرة نسبية في عنصر رأس المال البشري (القوى العاملة)، و اليمن يتميز بوفرة في القوى العاملة ولديه ندرة نسبية في رأس المال النقدي. وأشارت إلى أن الدول الخليجية ترتبط تجاريا بمنطقة تجارة حرة منذ الثمانينيات وباتحاد جمركي منذ العام 2003م ويجري التأسيس للاتحاد النقدي مما يعني زيادة قدراتها الإنتاجية الداخلية بقدرة تنافسية أكبر، مؤكدة أن انضمام اليمن إلى عضوية مجلس التعاون لدول الخليج العربية سيعمل على توسيع حجم هذا السوق وسيمثل فرصة مشتركة للاستفادة من إمكانيات وقدرات هذا السوق. ونوهت الدراسة بالموقع الجغرافي المتميز لليمن وما يمكن أن يلعبه في خدمة اقتصاديات المنطقة في جعل الموانئ اليمنية محطة ترانزيت أساسية لنقل المنتجات الخليجية نحو البلدان الإفريقية، كما أشارت إلى توفير خط آمن لنقل النفط الخليجي إلى بحر العرب والمحيط الهندي مباشرة عن طريق خط أنابيب إلى السواحل الجنوبية لليمن بعيداً عن اختناقات الخليج العربي وأزماته السياسية والأمنية المختلفة. وأكدت الدراسة أن اليمن يزخر بإمكانيات استثمارية كبيرة ومتنوعة وفي مجالات مختلفة، الأمر الذي يعزز من إقامة المشاريع الاستثمارية المشتركة ويقوي إجراءات التعاون والتكامل الاقتصادي، كما تمثل دول مجلس التعاون الخليجي شريكاً تجارياً مهماً بالنسبة لليمن وتعد دول المجلس المصدر الأول بالنسبة لليمن كما تستوعب الجزء الأكبر من صادراته غير النفطية وبالذات الصادرات الزراعية والسمكية، مشيرة إلى أن تعزيز العلاقات الاقتصادية ينعكس إيجابا على معادلة الأمن والاستقرار في شبه الجزيرة العربية و يعزز المكاسب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ورصدت الورقة لأهم المحطات الفارقة في العلاقات الاقتصادية اليمنية الخليجية وهي القمة الثانية والعشرين لقادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، في مسقط في شهر ديسمبر 2001، والموافقة على قبول عضوية اليمن في أربع مؤسسات من مؤسسات المجلس ، وقمة الملك فهد (السادسة والعشرين، في أبو ظبي، في شهر ديسمبر 2005والقرار الاستراتيجي بتأهيل الاقتصاد اليمن وتحديد الاحتياجات التمويلية تغطي الفترة 2006-2015، والاجتماع المشترك لوزراء خارجية دول المجلس ووزير الخارجية والمغتربين في الجمهورية اليمنية بغرض التوصل إلى تصور مشترك لتأهيل اليمن اقتصادياً، ومؤتمر لندن للمانحين بتبني من الأمانة العامة لدول المجلس، ومؤتمر الفرص الاستثمارية. الشريك الأول ولاحظت الدراسة في تطور حجم التبادل التجاري اليمني – الخليجي أن دول المجلس هي الشريك الأول تجاريا حيث وصلت قيمة الصادرات إلى السوق اليمنية خلال عام 2005 إلى 331 مليار ريال وبنسبة 35.6% من واردات اليمن، كما بلغت صادرات اليمن إلى دول مجلس التعاون الخليجي حوالي 90.4 مليار ريال وبنسبة 8.4% من إجمالي صادرات اليمن. ويميل الميزان التجاري لصالح دول المجلس، كما أن الأسواق الخليجية أكثر استيعاباً للصادرات اليمنية غير النفطية. وحققت الصادرات الخليجية معدل نمو سنوي (32%)، في الوقت الذي حققت الصادرات اليمنية نمواً سنوياً متوسطاً بلغ 41.4%. وفي مجال رصدها للأهمية النسبية للشركاء التجاريين من دول المجلس في مجال الواردات أكدت الورقة أن دولة الإمارات العربية المتحدة الشريك التجاري الأول لليمن في مجال الواردات خلال الأعوام 2001 - 2005 وتراوحت نسبة الاستيراد منها ما بين 10% إلى 18.6% من الواردات اليمنية , فيما كانت السعودية الشريك التجاري الثاني لليمن في مجال الواردات خلال الأعوام 2001-2005 والشريك الأول عام 2000م وتراوحت حصتها من إجمالي الواردات اليمنية ما بين 8.8% - 13.8%، واحتلت الكويت المرتبة الثالثة و الرابعة خلال الفترة وتراوحت نسبة الواردات اليمنية منها ما بين 4.7% - 7.11%، كما قفزت عمان من المرتبة التاسعة عشرة عام 1999م إلى المرتبة الثالثة عشرة عام 2000م ثم المرتبة الحادية عشرة للأعوام 2001-2002م وتراوحت حصتها ما بين 1.9% - 3.26% من إجمالي الواردات اليمنية. أما في مجال الصادرات فقد احتلت السعودية المرتبة الحادية عشرة للعام 2000م بالنسبة لأهم عشرين دولة مستقبلة للصادرات اليمنية بمبلغ 7.3 مليار والمرتبة العاشرة عام 2005 بمبلغ 18.8 مليار ريال وبنسبة 1.8% ، وجاءت الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الرابعة عشر عام 2000م بمبلغ 4.9 مليار ريال ونسبة 0.8% وقد حافظت على هذه المرتبة للأعوام الثلاثة التالية وبلغت قيمة الصادرات اليمنية إليها في عام 2005 حوالي 29.7 مليار ريال وبنسبة 2.9% من إجمالي الصادرات، ولم تدخل الكويت ضمن قائمة أهم عشرون دولة مستوردة من اليمن إلا في العام 2001م حيث جاءت في المرتبة الخامسة عشرة بمبلغ 2.6 مليار ريال ونسبة 0.5% وفي عام 2005 تقدمت إلى المرتبة التاسعة بقيمة 22.4 مليار ريال ونسبة 2.15% من حجم الصادرات اليمنية. رؤوس الأموال الخليجية وقالت الدراسة أن رؤوس الأموال الخليجية، في الأسواق الدولية تقدر بحوالي 1.5 تريليون دولار في نهاية سنة 2006، وزادت الاستثمارات المباشرة لدول مجلس التعاون الخليجي في الخارج من 6،559 مليون دولار في عام 2000 إلى 25,279 مليون دولار في عام 2005. وبالنسبة لاستثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في اليمن فقد احتلت الاستثمارات السعودية المرتبة الأولى من حيث التكلفة الاستثمارية للاستثمارات الخليجية وبنسبة 85.6%، وتأتي المشاريع الاستثمارية الإماراتية في المرتبة الثانية وبنسبة 13.9% تقريباً من إجمالي التكلفة الاستثمارية للاستثمارات الخليجية رغم تذبذب حجم الاستثمارات الإماراتية من سنة إلى أخرى، كما جاءت الاستثمارات الكويتية في المرتبة الثالثة بالنسبة للاستثمارات الخليجية في اليمن توزعت على العديد من المشاريع الاستثمارية. وعرضت الدراسة لبعض ملامح خارطة الطريق لانضمام اليمن إلى مجلس التعاون وأولها المسار التمويلي، والمتمثل في حشد الدعم المالي لتمويل البرنامج الاستثماري لخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة للتخفيف من الفقر خلال الفترة 2007 – 2010، حيث تمكنت اليمن من خلال هذا المسار من حشد تعهدات تزيد عن 4.7 مليار دولار في مؤتمر المانحين والذي عقد بالعاصمة البريطانية لندن يومي 15 و16 نوفمبر 2006 ، وثانيا المسار الاستثماري، ويهتم هذا المسار بتعزيز مناخ الاستثمار في اليمن وبالتالي زيادة حجم تدفق الاستثمارات المباشرة أليها ويمثل هذا المؤتمر الخطوة الأولى والأساسية في هذا المسار، ثم مسار التكامل الاقتصادي عبر العمل على تحقيق انضمام اليمن التدريجي إلى المنظمات والاتفاقيات الاقتصادية لمجلس التعاون الخليجي وذلك من خلال تنشيط مجموعة العمل المشتركة، وأيضا المسار التشريعي، والذي يهتم بتعديل وتطوير وتحديث التشريعات القانونية اليمنية ومواءمتها مع التشريعات القانونية السارية في دول المجلس. وفيما يتعلق محددات الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الوطني وعلاقتها بمسار التكامل والاندماج في مجلس التعاون أكدت الورقة اتساع قاعدة الفرص الاستثمارية حيث يتمتع الاقتصاد اليمني بتنوع في الموارد الطبيعية ورخص في الأيدي العاملة واتساع في حجم السوق وتعدد في مجالات الاستثمار ومن تلك الفرص: زراعة الخضروات والفواكه والمحاصيل النقدية ذات الجودة العالية والتي تتوفر فيها ميزة نسبية وتصديرها إلى الأسواق الإقليمية والدولية الصناعات الإنشائية كالرخام والجرانيت والجبس والأسمنت وصناعة النفط والغاز والصناعات المعدنية والصناعات الكهربائية وصناعة وتجميع السيارات فضلا عن صناعة الملابس والصناعات الجلدية الاستثمار السياحي في بناء الفنادق والقرى السياحية وتنمية وتطوير الحمامات الطبيعية وبناء مراكز الغوص وتنمية المناطق السياحية التاريخية والصحراوية الاستثمار في بناء المستشفيات التخصصية والمراكز الطبية وفي مجال التعليم الفني والمهني والتعليم الأساسي والجامعي. ولفتت الدراسة أنه في مجال تطوير البيئة الاستثمارية تركزت الجهود نحو إزالة المعوقات التي تعيق نشاط الاستثمار، وتحسين المناخ الاستثماري وتوفير متطلبات البيئة الاستثمارية الجاذبة والمحفزة للاستثمار، وإجراء إصلاحات هيكلية واسعة في الجوانب التشريعية والإدارية والضريبية وفي منظومة القوانين المتعلقة بالاستثمار، وإجراء الإصلاحات الكلية في الجوانب النقدية والمالية وسعر الصرف، وتحرير التجارة الخارجية ، وإزالة كافة القيود على انتقال رؤوس الأموال، وتزايد نشاط القطاع الخاص حيث أدت التطورات الاقتصادية والسياسية على المستوى العالمي والمحلي في العقدين الأخيرين من القرن الماضي إلى تزايد دور القطاع الخاص وتعاظم دوره الاقتصادي وتمكينه من لعب دور أكبر في النشاط الاقتصادي وفي هذا السياق فقد تم إجراء إصلاحات هيكلية واسعة في منظومة التشريعات والقوانين المالية والضريبية وفي قوانين النظام المصرفي وقوانين الاستثمار، واستكمال الأطر المؤسسية التي تساهم في رفع أداء القطاع الخاص والأشراف عليه وتنمية العديد من القطاعات الاقتصادية. ورصدت الورقة لخطوات إتخذتها الحكومة لتحفيز الإستثمار الأجنبي ومن بينها إنشاء المنطقة الحرة بعدن والتي تحتل موقع إستراتيجي هام على الممر البحري بين جنوب غرب آسيا وشرق أفريقيا وشمال أوربا مما جعلها تحتل أولوية في الخطة الخمسية الثالثة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية 2006-2010 وفي هذا الجانب تم الترتيب لتوقيع اتفاقية التطوير الاستراتيجي للمنطقة مع شركة موانئ دبي العالمية عام 2005. وتشمل تلك الاتفاقية تطوير محطة الحاويات وفقاً للمعايير الدولية ورفع طاقتها إلى 1.5 مليون حاوية سنوياً، وإنشاء قرية البضائع والشحن الجوي لتلبية احتياجات التجارة المحلية وإعادة التصدير وإقامة البنية التحتية للمنطقة الصناعية والتخزينية ومنطقة الصناعات الثقيلة والبتروكيماوية، وتطوير منشآت أحواض جافة في ميناء عدن بهدف تعزيز القدرة التنافسية للميناء في مجال الشحن البحري.