مايجري حاليا من صراع على السلطة في دولتي تشاد وكينيا من القارة الافريقية ذهب ضحيته آلاف المواطنين بالاضافة الى ما يتعرض له الشعبان في البلدين من خراب ودمار انما يعكس في حد ذاته ثقافة العنف والتخلف وحب السلطة التي ابتلي بها السياسيون في اغلب دول العالم الثالث. فليس من المعقول ان يتسبب الزعيم او الحاكم في تدمير شعب بأكمله من اجل بقائه في الحكم والاستئثار به حتى لا يغادره الا الى السجن أو القبر.. ولا ندري لماذا لا يتعظ هؤلاء الحكام بنظرائهم في الدول المتحضرة الذين لا يقبلون على انفسهم ان يبقوا في كراسي الحكم، وهم غير مقبولين من قبل شعوبهم او لمجرد انهم يتعرضوا للانتقاد.. والشواهد على ذلك كثيرة ولكننا سنكتفي بالنموذجين التاليين: ما حدث مؤخراً في ايطاليا حينما حجب البرلمان الايطالي ثقته عن الحكومة انصاع رئيس الوزراء لارادة الشعب ممثلة في البرلمان وقدم استقالته.. وكذلك حينما انسحب «توني بلير» رئيس وزراء بريطانيا السابق من الحكم وولايته لم تنته بعد.. لانه آثر الانسحاب على ان تبقى سياسته محل انتقاد من المعارضة، وحتى من بعض الاعضاء في مجلس العموم المحسوبين على حزبه الحاكم.. بل ان الشعب البريطاني استكثر عليه ان يترشح اكثر من ولايتين رغم ما تحقق له من ازدهار اقتصادي في عهده لم يسبق لرئيس وزراء بريطاني قبله ان حققه.. ومع ذلك مل الشعب البريطاني منه وطالبه بالانسحاب متيحاً الفرصة لوجه جديد.. وهناك امثلة اخرى على هذا السلوك الحضاري يستحق اصحابها ان يضرب المثل بهم كقدوة للآخرين بغض النظر عن اختلافنا معهم سياسياً ووقوفهم ضد قضايا الشعوب المستضعفة.. لكن سلوكهم الحضاري واحترام رغبات شعوبهم تجعلهم يستحقون تعظيم سلام من كل شعوب العالم.. اذا كان هؤلاء الحكام الواعون الذين وصلوا الى كراسي الحكم في بلدانهم عبر انتخابات شفافة ونزيهة ولا امكانية فيها لمجرد الشك في صحتها يسارعون الى تقديم استقالتهم طوعيا لا لشيء إلا لانهم يستشعرون في انفسهم انهم اصبحوا محل نقد لسياستهم او ان وعودهم لشعوبهم في برامجهم الانتخابية لم تتحقق، وهو ما لم يقبلوه على انفسهم ان يتهموا بالكذب.. وهنا يجدون التضحية بالمنصب خيراً من البقاء فيه وهم عاجزون عن تلبية مطالب شعوبهم. ربما قد يكون ما يقوم به هؤلاء من عمل عظيم يحفظ لهم مكانتهم حتى لا تهتز، هو سلوك حضاري تعودوا عليه في بلدانهم منذ الصغر ونشأوا عليه كتربية.. لكنه بالنسبة للسياسيين في دول العالم الثالث سواء كانوا حكاماً او معارضة شيء صعب للغاية لا يمكن لهم ان يتقبلوه ابداً لان مثل هذا السلوك لو اعتمدوه كنهج للتبادل السلمي للسلطة سيحرمهم من تحقيق الهدف الذي وصلوا الى الكرسي من اجله وهو التحكم في رقاب الشعوب وتحقيق الاثراء غير المشروع لهم ولمن حولهم.. ولتذهب المصلحة العامة الى الجحيم. يقال والعهدة على الراوي ان الرئيس الموريتاني «علي ولد فال» عندما وفىّ بوعده وسلم السلطة للمدنيين عبر انتخابات حرة شهد بنزاهتها كل من تابعها صادف ان عقدت قمة عربية قبل تخليه عن الحكم بأيام في احدى العواصم العربية. وعندما حضر لتمثيل بلاده في هذه القمة قبل ان يسلم الرئاسة لخلفه المنتخب كان الزعماء العرب يتجنبون لقائه معاقبة له على فعله خشية من ان تنتقل العدوى الى شعوبهم ويصبح الشعب الموريتاني الفقير قدوة لهم، ومن كان يلتقيه من الزعماء العرب لايجد منه الا العتاب بدل الشكر والتقدير على عمله العظيم.. هكذا هم السياسيون في دول العالم الثالث لا يهمهم مصلحة شعوبهم بقدر ما ينصب اهتمامهم حول وصولهم الى الكرسي بأية طريقة كانت والبقاء فيه الى ما لا نهاية حتى ولو كان الثمن لهذا البقاء الاجباري في السلطة هو القضاء على الشعب بأكمله كما يحدث اليوم في كينيا وتشاد والصومال ولبنان والعديد من الشعوب التي يتقاتل قادتها فيما بينهم من اجل السلطة. لقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول للناس في المسجد وهو يخطب على المنبر: «اذا وجدتم في اعوجاجاً فقوموني» فرد عليه احد الحاضرين قائلاً: «لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناك بسيوفنا..» فهل يسمح احد حكام العالم الثالث اليوم ان يسمع مثل هذه الجملة، وهو يعلم تماماً انها لو قيلت فانها تنطبق على سلوكه تماماً لان الاعوجاج «راكبه» من رأسه حتى اخمص قدميه.. بل لاندري كيف يرضى البعض ان يفرض نفسه حاكماً على شعب لا يريد له البقاء في الحكم، ويحرض انصاره لقتل معارضيه من اجل بقائه.. كما هو حادث اليوم في كينيا حيث الآلاف قتلوا برصاص الشرطة الحكومية دفاعاً عن رئيس غير مرغوب فيه ومشكوك في نزاهة انتخابه بطريقة سليمة.. وايضاً مايحدث في تشاد حيث وصل المتمردون الى العاصمة ومحاصرة القصر الرئاسي دون مقاومة تمنعهم من الوصول الى داخل «إنجامينا» وهو ما يؤكد ان هناك تململاً وعدم رضا على الرئيس سواء كان ذلك من قبل الشعب او من قبل القوات المسلحة الحكومية والاً لكانوا دافعوا عنه.. فليس من المعقول ان المتمردين الذين اتوا من على بعد مئات الكيلو مترات باسلحة تقليدية هم اقوى من القوات الحكومية. بقي ان نقول: ان ما حدث في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين على ايدي الامريكيين وحلفائهم يجب ان يكون عبرة للشعوب والقيادات في دول العالم الثالث.. وقد شاهد العالم كله على شاشات الفضائيات كيف ان الشعب العراقي ترك رئيسه يلاقي مصيره، وكيف عومل من قبل المحتل لان حبه كان مفروضاً على شعبه بالقوة، ولهذا لم يهب للدفاع عنه.. وهكذا هومصير كل حاكم يغتصب السلطة ويفرض نفسه على شعبه بالقوة.. وما اكثرهم في دول العالم الثالث!! وان كنا نعتبر ما يحدث في هذه الدول لا يخرج عن كونه صراعات نفوذ العولمة بواسطة من يحكموها.. ولكن الضحايا اولاً واخيراً لهذه الصراعات هم الشعوب، وما أسهل التضحية بهم في سبيل البقاء في الحكم.