ليس هناك دولة أو حكومة في العالم يمكن لها تأمين فرص الرخاء ومقومات الحياة العصرية لجميع مواطنيها من مدارس ومعاهد وجامعات ومستشفيات ومراكز صحية وشبكات طرق ومشاريع كهرباء ومياه وصرف صحي وغيرها من المشاريع الخدماتية والتحديثية وأن تتكفل في ذات الوقت بتوفير فرص العمل لكل القادمين من شبابها زرافات ومجموعات إلى سوق العمل وأن تلبي طموحات وتطلعات الجميع في حين يبقى المجتمع متفرجاً ومتكلاً على ما ستقدم له الحكومة من المشاريع على طبق من ذهب، حيث وأن مسألة كهذه تندرج في إطار المستحيلات، فأية حكومة ومهما امتلكت من الإمكانيات والموارد لا يمكن لها القيام بذلك ما لم يصبح الجهد الشعبي رديفاً للجهد الرسمي والحكومي في تكاملية بناءة، تمتزج فيها كل الطاقات والقدرات الوطنية في مشروع البناء التطويري والنهضوي. وفي مضمون هذه الحقيقة ما يدلنا على أننا جميعاً في الوطن اليمني شركاء في عملية البناء والتحديث وشركاء في التطلعات وشركاء في كل نجاح يحققه اليمن، أكان ذلك على الصعيد التنموي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي أو الديمقراطي والسياسي أو على نطاق المسارات ذات الصلة ببناء الدولة اليمنية الحديثة. وحتى تكتسب هذه الشراكة الوطنية الجامعة مدلولها العملي فلا بد وأن تأتي الممارسات متسقة مع مفهوم الانتماء والولاء الوطني، باعتبار أنه ومتى ما ترسخ هذا المفهوم في ثقافة الفرد والمجتمع، فإن كل الولاءات الأخرى ستذوب في إطاره ولن يصبح بإمكان أحد - بقصد أو بغير قصد - الاحتماء بأي ولاء آخر، أكان حزبياً أو جهوياً أو مناطقياً أو طائفياً أو غيره من الولاءات البالية والمتخلفة التي تتصادم مع الرابطة الفطرية والمصيرية بالوطن الذي نستمد منه عزتنا وكرامتنا ومقومات وجودنا. بيد أن تكريس مثل تلك الشراكة من العمل الجماعي والتحرك بروح الفريق الواحد، يقتضي في المقام الأول أن يتخلى كل منا عن أنانيته الذاتية وأن يدرك بأن الوطن بحاجة الى طاقة وجهود كل أبنائه، أكانوا في السلطة أو في المعارضة، حزبيين أو مستقلين، سياسيين أو مواطنين عاديين، فالكل أبناء وطن واحد وموجبات المواطنة تفرض عليهم تغليب مصلحة هذا الوطن على الذات والتداعي من أجل بنائه بصدق وإخلاص وإيثار. ومن الأهمية أن ندرك هنا أن التفوق لا يمكن أن يتحقق عن طريق المتاجرة بالشعارات أو إطلاق التصريحات الإعلامية الجوفاء أو عبر التنظيرات التي تحركها النوازع الموروثة من الماضي أو الهوس الحزبي وأوهام الاستقواء بالخارج أو من خلال الدعوات العصبية التي تثير الفتنة والفرقة بين أبناء الوطن الواحد بل إن هذا التفوق لن يصبح حقيقة معاشة إلا من خلال العمل الدؤوب والجهد الصادق وتسخير كل الطاقات من أجل رفعة وعزة الوطن. ولكي يتسنى لنا احراز هذا التفوق، فلا بد أن نبتعد عن الاتكالية وأن نعيد النظر في ذلك التفكير الذي يكرس ثقافة الخمول والجمود التي تدفع البعض منا الى استبدال لغة العمل بلغة التنظير فيتجه الى مطالبة وزارة التربية والتعليم بتخريج جيل واع ومتعلم ومثقف، فيما ينسى أن التربية تبدأ من البيت وأن الدور الأول يقع على الأسرة، وأن المعلم لا يستطيع أن يقوم وحده بمهمة تقويم النشء دون اسهام ايجابي من الأسرة والمجتمع. ومن هذه القاعدة يمكن الوقوف على قصور تفكير البعض الذين لا يسألون أنفسهم عما قدموا لوطنهم ومجتمعهم قبل تصويب سهام النقد للحكومة وأجهزتها ومؤسساتها المختلفة والتي تصبح الشماعة التي يعلقون عليها سلبياتهم وتهربهم من القيام بمسؤولياتهم تجاه وطنهم الذي يزرعون في طريقه الأشواك، ولا يترددون عن اختلاق المصاعب والعثرات، التي تعيق خطواته وتنفيذ برامجه الإنمائية والتحديثية. ونعتقد أنه قد حان الوقت لكي نتخلص من هذه السلوكيات والممارسات السيئة، وإحلال - بدلاً عنها - مبدأ الشراكة الوطنية التي نكون فيها بمجموعنا وتلاوين طيفنا السياسي والحزبي، قوة تسند بعضها البعض في مواجهة تحديات البناء ومتطلبات النهضة الشاملة لليمن الجديد وصولاً الى تحقيق النقلة المنشودة التي تتهيأ فيها عوامل الرخاء والنماء والازدهار لكل اليمنيين.