كنت قبل مجزرة أسطول الحرية في اعالي المتوسط قد كتبت تعليقاً عن المعتدلين العرب إلى ان فاجاتني المجزرة كما فاجأت الجميع في حجمها وغباء مقترفيها وهمجيتهم ولأن الوقت لا يسمح بالوقوف ملياً عندها فساكتفي بما صغته من قبل وهو يلي اجزاء من رسالة غير منشورة كتبها الفرنسي "توماس سومر هودفيل" على متن احدى قطع اسطول الحرية ساعات قبل المجزرة وهاكم ترجمة شبه حرفية لبعض فقرات هذه الرسالة الهامة. ".. عملت الحكومة الاسرائيلية على تخويفنا. ونحن نخاف بصورة ما . نحن نخاف من بوارجهم الحربية ومن مروحياتهم الاباشي ومن رجالهم الكوماندوس السود.نحن نخاف من ان يصادروا حمولة السفن من الأدوية ومواد البناء والمنازل المعدة للسكن والأدوات المدرسية. نخاف ان يدمروها وهي حصيلة تضامن عابر لبلدان عديدة جمعناها بصبر وحب خلال اكثر من عام. نخاف ان يدمروا موجة الجهد العارم والتضامن والحب والأمل الذي ارسله اناس عاديون ومواطنون متواضعون من اليونان والسويد وتركيا وايرلندا وفرنسا وايطاليا والجزائر وماليزيا الى اهالي غزة. كل هذا يصادر كطريدة من دولة تتصرف كقرصان تافه .من لايخاف ولا يشعر بالمسؤولية لأنه لم يكن قادراً على الاضطلاع بمهمة إيصال هذه الحمولة الانسانية الى شعب غزة المحاصر.؟!! ولكننا بالمقابل نعرف انهم هم يخافون ايضا. منذ البداية حاولوا منعنا من الانطلاق وحاولوا تمديرنا. وكان السيناريو النموذجي لديهم هو تقسيمنا بين الايرلنديين من جهة واليونانيين والسويديين من جهة اخرى والأمريكيين والاتراك من جهة ثالثة. كانوا يعرفون انهم لا يستطيعون الضغط على تركيا لذا ركز هجومهم على الايرلنديين واليونانيين ففجروا الباخرة الايرلندية ما حملنا على تأخير الانطلاق لمدة أسبوع ولكن الايرلنديين أصلحوا باخرتهم بسرعة وهم اليوم وراءنا ليوم او يومين ومن ثم ضغطوا على اليونان معتقدين ان الضغط يمكن ان يؤثر عليها بسبب ازمتها الاقتصادية وذلك من اجل تعطيل انطلاق الباخرة اليونانية والباخرة السويدية اليونانية لكنهم فشلوا. بالطبع يمكنهم عملياً ايقافنا بسهولة قبل الدخول الى غزة بيد ان الثمن السياسي الذي سيدفعوه سيكون ضخماً.انه ضخم الى حد ان كل الحيل والافخاخ التي حاولوا نصبها على طريقنا لم تؤدي إلا إلى نتيجة واحدة وهي لفت انظار المزيد من الناس نحونا ونحو مأساة غزة ومن كل ذلك نتعلم شيئا واحدا: هو ان الخوف ليس في صفنا وانما في اسرائيل. انهم يخافون منا لأننا نعبر عن غضب العالم جراء ما تفعله دولتهم المجرمة بحق الفلسطينيين. ان يخافون منا لانهم يعرفون بانه في مستقبل قريب سيكون هناك المزيد من البواخر المتجهة نحو غزة كما انه يوجد كل يوم المزيد من الناس المصممين على مقاطعة اسرائيل." والكلام دائما للمتضامن الفرنسي مع غزة وقد نشر رسالته على مدونته الشخصية قبل المجزرة بساعات. معتدلون في غير موضعهم في غمرة الحرب التي شنها الرئيس السابق جورج على الشرق الاوسط ساد تعبير الدول المعتدلة اوالبلدان ذات السياسة الخارجية المعتدلة تمييزا لها عن البلدان الممانعة التي استهدفتها الحملة الامريكية والتي صنفت بالدول المارقة. و لم يخرج هذا التصنيف من التداول منذ ذلك الحين على الرغم من فشل الحملة الامريكية اذ مازالت تطلق صفة "المعتدلة" على البلدان التي لا تنخرط في نزاع مسلح مع اسرائيل او لا تؤيد استراتيجية المقاومة والممانعة ضد الاحتلال الامريكي والصهيوني وتتمسك بمبادرة السلام العربية غير عابئة بتجاهل اسرائيل لهذه المبادرة بل الاستخفاف على غرار موقف رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق ارييل شارون. والحق ان وصف سياسة القسم الأكبر من دول الجامعة العربية ب"الاعتدال" ينطوي على ظلم مبين " للصفة" ذلك ان الموصوف لا يستحق الوصف في اية حال وهذا الحكم ليس منا وانما من المعنى الوارد في "لسان العرب" للعلامة ابن منظور اذ يقول:" .. العدل ما قام في النفوس...انه مستقيم وهو ضد الجور... والعدل هو الحكم بالحق... وهو حكم عادل ومنه الاعتدال الذي يعني توسط حال بين حالين في كم او كيف كقولهم جسم معتدل بين الكم والطول. وماء معتدل بين الحار والبارد. ويوم معتدل أي طيب الهواء. وكل ما تناسب فقد اعتدل.... وزعموا ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : ..الحمدلله الذي جعلني في قوم اذا ملت عدلوني كما يعدل السهم في الثقاف , اي قوموني... ويقال اعتدل الشعر أي اتزن واستقام" والكلام دائما لابن منظور. وفي تفصيل هذا الحكم نرى ان الاعتدال هو نقيض الجور والظلم ما يعني الوقوف الى جانب المظلومين المحاصرين في غزة وفك الحصار عنهم وهو ما نفتقد اثره في سياسة العرب "المعتدلين " في حين نلمسه في سياسة تركيا "المعتدلة" في التصنيف الامريكي نفسه. فقد وبخ رئيس وزرائها رجب طيب اردوغان زعيم الصهاينة شيمون بيريز في مؤتمر دافوس الشهير ونهر قادة الكيان على حصارغزة وترعى بلاده المعتدلة "دام فضلكم" هذه الايام اسطولا بحريا مدنيا لفك الحصار عن الفلسطينيين ومساعدة المشردين منهم وايواء بعض الذين فقدوا منازلهم واعانة المعاقين الذين خلفتهم الحرب. واذا كان الاعتدال يعني الحكم بالحق فهو يستدعي فتح معبررفح طالماان الحكومة الصهيونية تقفل ارض وسماء غزة وبحرهاعلى الضد من القوانين والاعراف الدولية. واذا كان االاعتدال يعني "الاتزان والاستقامة" على نحو " اتزان " الشعر فان جامعة الدول العربية ما انفكت تسقط المرة تلو الاخرى في انعدام الوزن اذ تمنح الفرصة تلو الفرصة للولايات المتحدةالامريكية ومن خلفها لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في عملية تفاوضية يريدها الصهاينة من اجل التفاوض وهدر الوقت.واذ تخرق الجامعة سقوفا زمنية رفعتها وتتعدى شروطا وضعتها بنفسها وتواصل حديث السلام متجاهلة استعداد العدو للحرب فانها تلحق اذى ما بعده اذى ليس بمبادرة السلام المزعومة فحسب وانما بزمام المبادرة في المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية واذ تفعل تبدو كطائرة فقدت توازنها وصارت معرضة لكارثة ماحقةلاتبقي ولا تذر. واذا كان الخليفة عمر بن الخطاب يحمد الله على رجاحة قومه الذين عدلوه ان مال " كما يعدل السهم في الثقاف " فمن الاولى بالدول العربية المعتدلة ان تسير على خطى الفاروق فتجنح نحو التقويم وبالتالي لا تكبح المطالبين بنصرة غزة ولا تمتعض من الداعين الى استخدام الوسائل العربية الفعالة من اجل ردع الدولة العبرية وحملها على الاقرار بحق الفلسطينيين والعرب في استعادة اراضيهم المحتلة ونيل حقوقهم المهدورة. قصارى القول إن معظم الدول الأعضاء في الجامعة العربية تنتهج سياسة خارجية في الصراع مع اسرائيل لا تستحق صفة "الاعتدال" وانما "الاختلال" ولأن سياستها مختلة فان دولا اقليمية مجاورة للعرب باتت اليوم تضطلع بالدور الأكبر في قضيتهم المركزية سلماً ام حرباً. ففي السلم والتفاوض السلمي تضطلع تركيا بالدور الاكبر وفي الحرب والاستعداد لها تضطلع ايران بالدور الابرز وبين الحرب والسلم تحتل الجامعة العربية هامشا لاقيمة له لا في العير و لا في النفير ومن هذا الهامش البائس نراها تتظلم اذ تندلع الحرب و تغيب عن المسرح ان حضر السلام تماما كالبهلوان الذي سقط في انعدام الوزن .. يا للفاجعة!!