المنطقة حبلى بالاحداث. حبلى الى درجة يصعب التساؤل من اين على المرء ان يبدأ؟ من السودان، ام من العراق، ام من فلسطين، ام من لبنان... ام من الخليج الذي يبدو اكثر من اي وقت موضع تجاذبات لم يسبق ان شهد مثلها في الماضي، على الرغم من انه كان دائما محط اهتمام دولي في ضوء الثروات النفطية التي في باطن اراضيه ومياهه. حتى منطقة المغرب العربي، تبدو مقبلة على تطورات في غاية الخطورة في ضوء بقاء قضية الصحراء الغربية، التي هي قضية جزائرية- مغربية قبل اي شيء آخر، معلّقة. يمكن بالطبع توسيع دائرة الكلام عما ينتظر الشرق الاوسط والوصول الى منطقة القرن الافريقي حيث توجد دولة من دون مؤسسات منذ عشرين عاما. اسم هذه الدولة الفاشلة هو الصومال التي انهارت فيها السلطة المركزية في العام 1991 مع سقوط نظام سياد بري وهروبه من العاصمة الى حيث قبيلته. هل سيجد العالم وقتا للتركيز على الصومال في السنة 2011، علما بان اراضيه الشاسعة مرشحة لان تكون قاعدة، بل قواعد، ل"القاعدة"؟ بات متوقّعا ان تبدأ السنة 2011 من السودان الذي سيشغل المنطقة نظرا الى ان ليس في استطاعة اي جهة التكهن بما سيكون عليه الوضع في هذا البلد العربي الشاسع بعد استفتاء التاسع من يناير المقبل. هل يقطع الانفصال الطريق على اي حروب مستقبلية في السودان؟ هل ستكون هناك دولة واحدة في الجنوب... ام يمهد الانفصال المنتظر لقيام مجموعة من الدول؟ يثير الوضع السوداني مخاوف كثيرة، خصوصا ان الرئيس عمر حسن البشير لم يجد ما يقوله في انتظار الاستفتاء في شأن وحدة السودان سوى انه "اذا اختار الجنوب الانفصال، سيعدّل دستور السودان، وعندها لن يكون هناك مجال للحديث عن تنوع عرقي وثقافي وسيكون الاسلام والشريعة هما المصدر الرئيسي للتشريع". هل يمكن تصور السودان، او ما بقي منه، دولة من دون تنوع عرقي وثقافي؟ ما يمكن ان يحمي السودان مستقبلا هو دولة مؤسسات تتيح للسودانيين، وهم شعب مسالم ودمث يمتلك حيوية كبيرة، الانصراف الى بناء دولة ديموقراطية تستوعب الجميع وتكون جاذبة لكل اهل البلد، بما في ذلك اولئك الذين يريدون الانفصال، وذلك بعيدا عن اي نوع من التعصب والتزمت. ليس مطلوبا ان يكون هناك اي تعارض مع الدين الحنيف ولكن ليس مقبولا في الوقت ذاته استخدام الدين لاقامة دولة لا تنوع فيها، دولة تساهم في اثارة الحساسيات في محيطها المباشر وفي العمق الافريقي بدل ان تكون الدولة السودانية التي عاصمتها الخرطوم ملجأ لكل مظلوم او هارب من التطرف الديني، ايا يكن نوعه وطبيعته! من يفكر في مستقبل السودان والنتائج التي يمكن ان تترتب على انسلاخ الجنوب، عليه ان يأخذ في الاعتبار ان الفشل ليس سودانيا فحسب، بل هو ايضا فشل عربي خصوصاً. لم يستطع العرب ولن يستطيعوا عمل شيء للسودان في المستقبل القريب. يبدو ان عليهم التفرج على المنطقة التي يقيمون فيها تتغيّر بشكل جذري ويُعاد رسم خريطتها. لم يعد السؤال هل هناك دول عربية تتقسم واخرى تتفتت واخرى يتطلع بعض اهلها الى الانفصال. السؤال المطروح ما الذي يمكن عمله واين مكمن العلة؟ اجتمع العرب مرتين في مدينة سرت الليبية في السنة 2010، لم تكن النتيجة سوى كلام عام لا علاقة له بالواقع وبما يحصل فعلاً على الارض، السودان ليس سوى بداية. السودان الذي يعبره النيل وبعض روافده من اهمّ الدول العربية ان بسبب مساحته او بسبب موقعه الاستراتيجي. انه احدى البوابات الافريقية للعرب واحدى البوابات العربية لافريقيا. بعد السودان سيأتي دور العراق الذي احتاج الى تسعة اشهر كي يكون هناك اتفاق على تشكيل حكومة جديدة. كان الاتفاق ايرانيا - اميركيا قبل اي شيء آخر. لم يعد هناك اي نفوذ عربي في العراق. كل من يتحدث عن اي نفوذ من هذا القبيل، انما يبيع اوهاما. في نهاية السنة 2011، سينسحب الاميركيون من العراق. من سيفصل عندئذ بين الطوائف والمذاهب والمناطق؟ ما الذي سيحول دون اقدام الاكراد على خطوة اخرى تصب في ممارسة حق تقرير المصير الذي تحدث عنه السيد مسعود بارزاني اخيراً؟ من سيحمي البقية الباقية من مسيحيي العراق في غياب مؤسسات الدولة التي لا تفرق بين مواطن وآخر؟ لم يكن العراق مجرد دولة عربية عادية. كانت حدوده مع ايران أكثر من حدود بين دولتين. كانت نقطة توازن على الصعيد الاقليمي. ما فعله الاميركيون، من خلال اجتياحهم العراق في العام 2003، هو الاخلال بهذا التوازن بشكل جذري. اقلّ ما يمكن قوله الآن، ان السنة 2011 ستكشف مدى خطورة انهيار ركيزتين أساسيتين من ركائز النظام الاقليمي العربي، الذي نشأ بعد انهيار الدولة العثمانية واستُكمل في الخمسينات، ومدى تأثير ذلك على المنطقة ككل. في ظل التحولات التي يشهدها الشرق الاوسط، لم يعد مستغرباً ان تصبح القضية الفلسطينية قضية من قضايا المنطقة لا اكثر وان تعربد اسرائيل بالطريقة التي تعربد بها. مرة اخرى. كانت احداث 2010 سيئة. لكنها ستبدو نزهة مقارنة مع ما ننتظره في 2011م !.