أعلن المجلس السياسي الأعلى الأسبوع الماضي مبادرة من طرف واحد حملت الكثير من الرسائل للداخل والخارج، فالمبادرة المعلنة أكدت أن من يملك القرار يملك حق إصدار المبادرات، وعرت الطرف الأخر الذي يتخذ اليوم الورقة الاقتصادية أداة حرب ضد الشعب اليمني ويرفض كافة المساعي الهادفة إلى تحييد الاقتصاد عن الصراع والتوافق على خطوط عريضة تنهي معاناة موظفي الدولة الذين يواجهون عقاب جماعي منذ ثلاث سنوات دون ذنب . فالمبادرة كما أعلنت جاءت استجابة لتدهور الأوضاع الإنسانية لموظفي الدولة وهو ما يعكس الشعور بالمسؤولية تجاه هذه الشريحة التي تعيش أوضاعاً إنسانية واقتصادية في غاية الصعوبة ، يضاف إلى أن المجلس السياسي الأعلى أقام بها الحجة على الطرف الآخر وكشف للرأي العام المحلي والدولي المعرقل الحقيقي لتنفيذ اتفاق السويد، لاسيما وأن المبادرة تزامنت مع خطوة مماثلة أقدم عليها الجيش واللجان الشعبية في الحديدة ممثلة بإعادة الانتشار من طرف واحد في ظل وجود لجنة التنسيق الأممية برئاسة مايكل لوليسجارد وفريق رقابة دولي تواجد في مختلف موانئ مؤسسة البحر الأحمر الثلاثة ، ووفقاً للمادة الرابعة عشر من اتفاق السويد فأن خطوة إعادة الانتشار يليها الشق الاقتصادي المتعلق باتفاق الحديدة والذي ينص (على أن تودع جميع إيرادات موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى لفرع البنك المركزي اليمني في الحديدة للمساهمة في دفع مرتبات موظفي الخدمة المدنية في محافظة الحديدة وجميع أنحاء اليمن)، ورغم وضوح نص الاتفاق الذي أشار إلى استخدام تلك الإيرادات لصرف رواتب كل الموظفين ، يصر الطرف الآخر على مواصلة العقاب الجماعي ضد 850 ألف موظف في المحافظات الشمالية ويرفض تنفيذ ذلك البند الصريح ويشترط أن يتم توريد إيرادات موانئ الحديدة الثلاثة إلى فرع البنك على أن يخضع الفرع لبنك عدن ، وبموجب ذلك سيقوم بنك عدن بصرف رواتب موظفي الحديدة المدنيين فقط من تلك الإيرادات . وعلى مدى الأيام الماضية توالت الكثير من الردود الإيجابية من قبل اتحاد نقابات عمال اليمن واتحاد عام الغرف الصناعية والتجارية اليمني وغرفة صناعة وتجارة أمانة العاصمة وأيدت مبادرة المجلس السياسي وتمنت أن تكون بداية لحلحلة الأوضاع الاقتصادية وإيقاف التدهور المعيشي والتوصل إلى اتفاق ينهي معاناة اليمنيين ، ولكن كان الرد من قبل ما تسمى حكومة الفار هادي سلبي كالعادة ويؤكد تهرب التحالف وتلك الحكومة الفاقدة لأي قرار من أي اتفاقات أو التزامات قد تنهي معاناة موظفي الدولة ، فالرد كان بالرفض غير المبرر من جانب ، وبالتصعيد الاقتصادي الخطير الذي اتجهت آلية ما تسمى بحكومة هادي التي تعد غطاء لتحالف العدوان يمرر من خلالها كافة الأجندة التي يسعى إلى تحقيقها ويخشى ردة فعل دولية كتشديد الحصار على الشعب اليمني وتصعيد الحرب الاقتصادية . فتلك الحكومة الخاضعة تحت رحمة الاحتلال الإماراتي في مدينة عدن ردت على مبادرة المجلس السياسي الأعلى بتدشين مرحلة جديدة من الحرب الاقتصادية المفتوحة، محاولة تحقيق أي انتصارات في الجانب الاقتصادي على حساب البطون الجائعة وما تبقى من مؤسسات عاملة في العاصمة صنعاء غير مكترثة بمعاناة الشعب اليمني التي وصلت حد الكارثة بعد أن استنفد اليمنيين مدخراتهم التي ادخروها خلال السنوات الماضية في مواجهة الأوضاع المعيشية، فأكثر من قرار صدر عن تلك الحكومة المزعومة التي لا تستطيع الخروج من قصر المعاشيق في عدن دون تنسيق مسبق مع المحتل الإماراتي جميعها تضاعف معاناة اليمنيين وتقلص ما تبقى من بيئة أعمال يعمل فيها القطاع الخاص وتسعى لاستلاب ما تبقى من إيرادات ضريبية ونفطية تستخدم لتشغيل المستشفيات والأجهزة الخدمية ، بل أن القرار رقم 49 الصادر عن ما تسمى بحكومة هادي الأسبوع قبل الماضي الذي قضى بحصر استيراد المشتقات النفطية على شركة مصافي عدن المتوقفة منذ سنوات والتي تعاني من أزمة مالية خانقة ، كشف عن صفقة فساد كبري لمرتزقة العدوان طرفها الأول تاجر النفط الفاسد أحمد العيسي والأطراف الأخرى هادي ونجله جلال ومعياد ومعين عبدالملك وآخرون فتلك الصفقة تمنح العيسي حق احتكار الأسواق اليمنية باستيراد وتسويق النفط فيها من جانب ، ويطمح من خلالها حافظ معياد إلى فرض المزيد من الإجراءات الاقتصادية ضد التجار ومسوقي النفط في المحافظات الشمالية منها على سبيل المثال “اشتراط شراء النفط من مصافي العيسي بالريال اليمني وهو ما يؤكد أن المرتزق معياد يعمل على ربط الشراء بالعملة المطبوعة دون غطاء وهو قد يؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار وانخفاض الريال اليمني من جانب وكذلك تداعيات ذلك على استقرار أسعار المواد الغذائية والكمالية في السوق المحلي . ومن خلال مساعي محافظ بنك عدن وإجراءاته التي اتخذت خلال الفترة الماضية ضد قطاع الصرافة والبنوك فأنه يسعى خلال الفترة القادمة إلى التسبب بأزمة سيولة في العملة الأجنبية وهو هدف حاول تحالف العدوان تنفيذه منذ صدور قرار تعطيل وظائف البنك المركزي بصنعاء في سبتمبر 2016م والممثل بإحداث أزمة مدفوعات في البلد من جانب بهدف تجويع الشعب اليمني وكذلك إحداث إنهيار متسارع لسعر صرف العملة الوطنية وهذه الأهداف تعد من صلب الأهداف التي تخدم العدوان على حساب الشعب اليمني في الجنوب قبل الشمال وتستهدف الحياة المعيشية لكل اليمنين ، فمعياد من خلال ربط شراء المشتقات النفطية من مصافي عدن بالريال اليمني يسعى إلى إيجاد ذريعة تمكنه من اتخاذ قرار يمنع تسليم أي تحويلات نقدية أجنبية بالعملة الأجنبية وفرض تسليمها بالريال اليمني ، ليس لإعادة الاعتبار للعملة الوطنية وإنما لتجفيف كافة مصادر الدخل من النقد الأجنبي على المحافظات الشمالية وخلق أزمة سيولة في العملات الصعبة، تلك الحرب الاقتصادية المفتوحة التي صعدها العدو مؤخراً تعد حرباً سعودية بامتياز، وتؤكد بأن تدشين القوى الصاروخية وسلاح الجو المسير للخيارات الاقتصادية لعدد من الأهداف كانت فاعلة ومؤلمة وأن الهجمات التي يقوم بها سلاح الجو المسير ضد أهداف عسكرية في مطارات جيزان ونجران وآبها كانت موجهة للعدو السعودي ولها تداعيات اقتصادية كبيرة، ولذلك فإن الرياض التي تبين وقوفها وراء التصعيد الاقتصادي الأخير الذي يقوم به المرتزقة من عدن، فقدت فرصة كبيرة كانت ستخفف هجمات سلاح الجو المسير على مصالحها الاقتصادية برفض أدواتها مبادرة المجلس السياسي التي أقام فيها المجلس الحجة على تحالف العدوان كون الجميع يعلم بأن ما تسمى بحكومة هادي ليست سوى حكومة فاقدة لأي قرار تنفذ ما تؤمر من قبل التحالف ، ولذلك لا نستبعد أن يتم تفعيل الخيارات الاقتصادية وتوجيه ضربات موجعة في إطار حق الرد والردع المشروع ضد المصالح الاقتصادية لدول العدوان قد تعيد الرياض وأبو ظبي إلى صوابهما وستدفعهما لمراجعة حسابات الربح والخسارة في الحرب الاقتصادية خصوصاً وأن كافة منشآتها الاقتصادية التي تمثل مصدر ثرائها وتجبرها تحت نيران القوة الصاروخية اليمنية وسلاح الجو المسير وأضرار تلك الهجمات وتداعياتها على اقتصاديات دول العدوان ستكون فادحة ولن تتجاوزها بسهولة ، وبسبب التعنت السعودي ورفض كافة المبادرات الإنسانية الهادفة إلى تخفيف معاناة الشعب اليمني منها مبادرة المجلس السياسي الأعلى الأخيرة ، فأن كافة المصالح والمنشآت الاقتصادية الإستراتيجية ستكون خلال المرحلة القادمة أهداف مشروعة لسلاح الجو المسير اليمني والقوة الصاروخية كرد فعل طبيعي ، فكافة المؤشرات تؤكد أن ما بعد المبادرة لن يكون كما كان قبلها بل اشد إيلاماً ,, والبادئ أظلم .