الليغا ... برشلونة يقترب من حسم الوصافة    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    "هل تصبح مصر وجهة صعبة المنال لليمنيين؟ ارتفاع أسعار موافقات الدخول"    "عبدالملك الحوثي هبة آلهية لليمن"..."الحوثيون يثيرون غضب الطلاب في جامعة إب"    شاهد.. أول ظهور للفنان الكويتي عبد الله الرويشد في ألمانيا بعد تماثله للشفاء    خلية حوثية إرهابية في قفص الاتهام في عدن.    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    علي ناصر محمد يفجر مفاجأة مدوية: الحوثيون وافقوا على تسليم السلاح وقطع علاقتهم بإيران وحماية حدود السعودية! (فيديو)    شاهد الصور الأولية من الانفجارات التي هزت مارب.. هجوم بصواريخ باليستية وطيران مسير    مبابي عرض تمثاله الشمعي في باريس    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    عودة الثنائي الذهبي: كانتي ومبابي يقودان فرنسا لحصد لقب يورو 2024    لا صافرة بعد الأذان: أوامر ملكية سعودية تُنظم مباريات كرة القدم وفقاً لأوقات الصلاة    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    انكماش اقتصاد اليابان في الربع الأول من العام الجاري 2024    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    انهيار جنوني .. لريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى منذ سنوات وقفزة خيالية للدولار والريال السعودي    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي ابن أبي طالب:المولود على الفطرة .. السابق إلى الإيمان والهجرة
نشر في 26 سبتمبر يوم 07 - 03 - 2020

من أعظم المدافعين عن الرسالة المحمدية والرسول الأعظم ومن حملوا راية الإسلام عالية للبشرية
الصديق الأكبر وأعلم الصحابة بدين الله وأحكامه
تربى في بيت النبوة وترعرع في رحاب الاخلاق السماوية السامية ونهل من ينابيع المودة والحنان المحمدي
يصادف اليوم الثالث عشر من شهر رجب ذكرى ميلاد الإمام علي عليه السلام أمير المؤمنين الذي قال عن ولادته: «فإنّي ولدتُ على الفطرة وسَبقتُ إلى الإيمان والهجرة» (1).
ولِد الإمام عليّ (ع) بمكّة المشرّفة داخل البيت الحرام وفي جوف الكعبة في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب سنة ثلاثين من عام الفيل قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة(2)، ولم يولد في بيت الله الحرام قبله أحدٌ سواه، وهي فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالاً له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لتكرمته. روي عن يزيد بن قعنب أنّه قال: كنت جالساً مع العباس بن عبدالمطلب وفريق من بني عبدالعزّى بإزاء بيت الله الحرام إذ أقبلت فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين (ع)، وكانت حاملاً به لتسعة أشهر وقد أخذها الطلق،
فقالت: ياربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإنّي مصدّقة بكلام جديّ إبراهيم الخليل (ع) وإنّه بنى البيت العتيق، فبحقّ الّذي بنى هذا البيت، وبحقّ المولود الّذي في بطني إلاّ ما يسّرت عليَّ ولادتي. قال يزيد: فرأيت البيت قد انشق عن ظهره، ودخلت فاطمة فيه، وغابت عن أبصارنا وعاد إلى حاله والتزق الحائط، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر الله عزّ وجلّ، ثمّ خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع)(3). وأسرع البشير إلى أبي طالب وأهل بيته فأقبلوا مسرعين والبِشر يعلو وجوههم، وتقدّم من بينهم محمّد المصطفى (ص) فضمّه إلى صدره، وحمله إلى بيت أبي طالب حيث كان الرسول في تلك الفترة يعيش مع خديجة في دار عمه منذ زواجه وانقدح في ذهن أبي طالب أن يسمّي وليده «عليّاً» وهكذا سمّاه، وأقام أبو طالب وليمةً على شرف الوليد المبارك، ونحر الكثير من الأنعام(4). كناه وألقابه : إن لأمير المؤمنين عليّ (ع) ألقاباً وكنىً ونعوتاً يصعب حصرها والإلمام بها، وكلّها صادرة من رسول الله (ص) في شتى المواقف والمناسبات العديدة التي وقفها (ع) لنشر الإسلام والدفاع عنه وعن الرسول. فمن ألقابه (ع): أمير المؤمنين، ويعسوب(5) الدين والمسلمين، ومبير الشرك والمشركين(6)، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، ومولى المؤمنين، وشبيه هارون، والمرتضى، ونفس الرسول، وأخوه، وزوج البتول، وسيف الله المسلول، وأمير البررة، وقاتل الفجرة، وقسيم الجنّة والنار، وصاحب اللواء، وسيّد العرب، وخاصف النعل، وكشّاف الكرب، والصدّيق الأكبر، وذو القرنين، والهادي، والفاروق، والداعي، والشاهد، وباب المدينة، والوالي، والوصيّ، وقاضي دين رسول الله، ومنجز وعده، والنبأ العظيم، والصراط المستقيم، والأنزع البطين(7). وأمّا كناه فمنها: أبو الحسن، أبو الحسين، أبوالسبطين، أبو الريحانتين، أبو تراب. الإعداد النبويّ للإمام عليّ (ع) : كان النبيّ (ص) يتردّد كثيراً على دار عمّه أبي طالب بالرغم من زواجه من خديجة وعيشه معها في دار منفردة، وكان يشمل عليّاً (ع)بعواطفه، ويحوطه بعنايته، ويحمله على صدره، ويحرّك مهده عند نومه إلى غير ذلك من مظاهر العناية والرعاية(8). وكان من نِعَم الله عزّ وجلّ على عليّ بن أبي طالب (ع) وما صنع الله له وأراده به من الخير أنّ قريشاً أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول الله (ص) للعبّاس وكان من أيسر بني هاشم : «يا عبّاس، إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد ترى ما أصاب الناس من هذه الأزمة، فانطلق بنا، فلنخفّف عنه من عياله، آخذُ من بيته واحداً، وتأخذ واحداً، فنكفيهما عنه»، قال العباس: نعم. فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له: إنّا نريد أن نخفّف عنك من عيالك حتّى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلاً فاصنعا ماشئتما، فأخذ رسول الله (ص) عليّاً (ع) فضمّه إليه وكان عمره يومئذ ستة أعوام، وأخذ العبّاس جعفراً، فلم يزل عليّ بن أبي طالب مع رسول الله (ص) حتى بعثه الله نبيّاً، فاتّبعه عليّ(ع) فآمن به وصدّقه، ولم يزل جعفر عند العبّاس حتّى أسلم واستغنى عنه(9). وقد قال رسول الله (ص) بعد أن اختار عليّاً (ع): «قد اخترت من اختاره الله لي عليكم عليّاً»(10). وهكذا آن لعليّ (ع) أن يعيش منذ نعومة أظفاره في كنف محمّد رسول الله (ص) حيث نشأ وترعرع في ظل أخلاقه السماويّة السامية، ونهل من ينابيع مودّته وحنانه، وربّاه (ص) وفقاً لما علّمه ربّه تعالى، ولم يفارقه منذ ذلك التأريخ. وقد أشار الإمام عليّ (ع) إلى أبعاد التربية التي حظي بها من لدن اُستاذه ومربّيه النبيّ الأكرم (ص) ومداها وعمق أثرها، وذلك في خطبته المعروفة بالقاصعة: «وقد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة(11)، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسّني جَسده، ويشمّني عَرْفه(12)، وكان يمضع الشيء ثمّ يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولاخطلة(13) في فعل». إلى أن قال: «ولقد كنت أتّبعه اتباع الفصيل(14) أثر اُمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً(15)، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء(16)، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله(ص) وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوّة، ولقد سمعت رنّة الشيطان(17) حين نزل الوحي عليه(ص) فقلت: يارسول الله، ما هذه الرنّة؟ فقال: هذا الشيطان آيس من عبادته، إنّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلاّ أ نّك لست بنبيّ، ولكنّك وزير، وأ نّك لعلى خير»(18). أُسرة الإمام عليّ (ع) نسبه الوضّاء : هو الإِمام أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين عليّ بن أبي طالب بن عبدالمطلب ابن هاشم بن عبدمناف بن قصيّ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إياس بن مضر بن نزار ابن معد بن عدنان. جدّه الكريم : عبدالمطّلب شيبة الحمد، وكنيته أبو الحرث، وعنده يجتمع نسبه بنسب النبيّ (ص)وكان مؤمناً بالله تعالى، كما كان يعلم بأنّ محمداً سيكون نبيّاً(19). ولمّا حضرت عبدالمطلب الوفاة دعا ابنه أبا طالب، فقال له: يا بني! قد علمت شدّة حبّي لمحمّد(ص) ووجدي به أُنظُر كيف تحفظني فيه؟.. قال أبو طالب: يا أبه! لا توصني بمحمّد فإنّه ابني وابن أخي(20). والده (مؤمن قريش) : اسمه عبد مناف، وقيل: عمران(21)، وقيل: شيبة، وكنيته أبو طالب، وهو أخو عبدالله والد النبيّ (ص) لاُ مّه وأبيه. ولد أبو طالب بمكّة قبل ولادة النبيّ (ص) بخمس وثلاثين سنة، وانتهت إليه بعد أبيه عبدالمطلب الزعامة المطلقة لقريش ، وكان يروي الماء لوفود مكّة كافّة لأنّ السقاية كانت له، ورفض عبادة الأصنام فوحّد الله سبحانه، ومنع نكاح المحارم وقتل الموؤدة والزنا وشرب الخمر وطواف العراة في بيت الله الحرام. ولمّا توفّي عبدالمطلب; تكفّل أبو طالب رعاية رسول الله(ص) فكان أبو طالب يحبّه حبّاً شديداً لا يحبّه ولده، وكان لا ينام إلاّ إلى جنبه، ويخرج فيخرج معه، وكان يخصّه بالطعام دون أولاده(22). وروي أنّ أبا طالب دعا بني عبدالمطلب فقال: لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمّد(ص) وما اتّبعتم أمره، فاتّبعوه وأعينوه ترشدوا. وما زالت قريش كافّة عن رسول الله (ص) حتى مات أبو طالب(ع)(23). توفّي أبو طالب(ع) قبل الهجرة بثلاث سنين وبعد خروج بني هاشم مع النبيّ (ص) من الشِعب وعمره بضع وثمانون سنة(24)، وكان للنبي (ص) تعلّق شديد بأبي طالب(ع)، فقد عاش في كنفه 43 عاماً منذ الثامنة من عمره الشريف حينما توفّي جدّه عبدالمطلب.. وقد ثبت أنّ أبا طالب كان موحّداً مؤمناً بالله ومعتقداً بالإسلام أرسخ الاعتقاد، وبقي على حاله هذه حتى وافاه الأجل، وإنّما أخفى إيمانه ليتمكّن من حماية رسول الله(ص) أن يكون له شأن واتّصال مع كفّار مكّة، ليطّلع على مكائدهم ومؤامراتهم، فكان يعيش حالة التقيّة، وكان مثله كأصحاب الكهف في قومهم، وهو ممّن آتاهم الله أجرهم مرّتين لإيمانه وتقيّته(25). أُمّه : فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمناف، تجتمع هي وأبو طالب في هاشم. أسلمت وهاجرت مع النبيّ(ص) وكانت من السابقات إلى الإيمان وبمنزلة الاُمّ للنبيّ (ص)(26) ربّته في حجرها، ولمّا ماتت فاطمة بنت أسد; دخل إليها رسول الله (ص) فجلس عند رأسها وقال: «رحمك الله يا اُمّي، كنت اُمّي بعد اُمّي، تجوعين وتشبعيني، وتعرين وتكسيني، وتمنعين نفسك طيب الطعام وتطعميني، تريدين بذلك وجه الله والآخرة». وغمّضها، ثمّ أمر أن تغسل بالماء ثلاثاً، فلمّا بلغ الماء الّذي فيه الكافور سكبه رسول الله (ص) بيده، ثمّ خلع قميصه فألبسه إيّاها وكفّنت فوقه ودعا لها اُسامة بن زيد مولى رسول الله (ص) وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطّاب وغلاماً أسود فحفروا لها قبرها، فلمّا بلغوا اللّحد حفره رسول الله (ص) بيده، وأخرج ترابه ودخل رسول الله (ص) قبرها فاضطجع فيه، ثمّ قال: «الله الّذي يحيي ويميت، وهو حيّ لا يموت، اللّهمّ اغفر لاُمّي فاطمة بنت أسد بن هاشم، ولقّنها حجتها، ووسّع عليها مدخلها بحقّ نبيّك والأنبياء من قبلي، فإنّك أرحم الراحمين» وأدخلها رسول الله (ص) اللحد والعباسُ وأبو بكر(27). فقيل: يارسول الله رأيناك وضعت شيئاً لم تكن وضعته بأحد من قبل: فقال (ص): «ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنّة، واضطجعت في قبرها ليخفّف عنها من ضغطة القبر، إنّها كانت من أحسن خلق الله صُنعاً إليّ بعد أبي طالب رضي اللّه عنهما ورحمهما»(28). انطباعات عن شخصيّة الإمام عليّ(ع) لقد عاصر الإمام عليّ (ع) حركة الوحي الرسالي منذ بدايتها حتى انقطاع الوحي برحيل رسول الله(ص)، وكانت له مواقفه المشرّفة التي يغبط عليها سواء في دفاعه عن الرسول أو دفاعه عن الرسالة طيلة ثلاثة وعشرين عاماً من الجهاد المتواصل والدفاع المستميت عن قيم الإسلام الحنيف، وقد انعكست مواقفه وإنجازاته وفضائله في آيات الذكر الحكيم ونصوص الحديث النبويّ الشريف. قال ابن عباس: قد نزلت ثلاثمائة آية في عليّ (ع)(29). وما نزلت: (يا أيّها الذين آمنوا) إلاّ وعليّ أميرها وشريفها. ولقد عاتب الله أصحاب محمّد في آي من القرآن وما ذكر عليّاً إلاّ بخير(30). ولكثرة ما نزل في علي (ع) من الآيات المباركة; خصّص جمع من المتقدّمين والمتأخرين كتباً جمعت ما نزل فيه (ع). ونشير إلى بعض الآيات التي صرّح المحدّثون بنزولها في حقّه: 1 جاء عن ابن عباس: أنه كان مع عليّ بن أبي طالب أربعة دراهم لا يملك غيرها، فتصدّق بدرهم ليلاً وبدرهم نهاراً وبدرهم سرّاً وبدرهم علانيةً، فأنزل الله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالَّليْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَهُمْ يَحْزَنُونَ} (31)(32). 2 وعن ابن عباس أيضاً: أنّ عليّاً (ع) تصدّق بخاتمه وهو راكع، فقال النبيّ(ص) للسائل: من أعطاك هذا الخاتم؟ قال: ذاك الراكع، فأنزل الله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (33)(34). 3 و 4 وقد اعتبرت آية التطهير(35) عليّاً (ع) من أهل بيت الوحي المطهَّرين من كلّ رجس، واعتبرته آية المباهلة(36) نفس النبي (ص). 5
وشهدت سورة الإنسان بإخلاص عليّ وأهل بيته وخشيتهم من الله، وتضمّنت الشهادة الربّانية لهم بأنّهم من أهل الجنّة(37). وعقد أرباب الصحاح وغيرهم من المحدّثين فصولاً خاصّة بفضائل عليّ(ع) في أحاديث رسول الله(ص)، ولم تعرف الإنسانية في تأريخها الطويل رجلاً أفضل من عليّ (ع) بعد رسول الله (ص)، ولم يسجّل لأحد من الفضائل ما سجّل لعليّ بن أبي طالب بالرغم من كلّ ما اُكيل له من سبّ وشتم على المنابر طوال حكم بني اُميّة وما تداوله مبغضوه. وهم جادّون في انتقاصه حتى لم يجدوا للعيب موضعاً فيه، حتّى قال عمر بن الخطّاب أنّ رسول الله (ص) قال: «ما اكتسب مكتسب مثل فضل عليّ، يهدي صاحبه إلى الهدى ويردّه عن الردّى»(38). وقيل لعليّ (ع): ما لك أكثر أصحاب رسول الله (ص) حديثاً؟ فقال: «إنّي كنت إذا سألته أنبأني، وإذا سكتّ ابتدأني»(39). وعن ابن عمر: أنّ النبيّ (ص) يوم آخى بين أصحابه جاء عليّ وعيناه تدمعان فقال النبيّ(ص) لعليّ(ع): «أنت أخي في الدنيا والآخرة»(40). وعن أبي ليلى الغفاري أنّه قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: «سيكون من بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب فإنّه أول من آمن بي، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الاُمّة، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين»(41). واعترف الخلفاء الذين نافسوه على الخلافة جميعاً بأنّ عليّاً أعلم الصحابة وأقضاهم، وأنّه لولا عليّ; لهلكوا حتى صارت مقولة عمر مضرب الأمثال: لولا عليّ لَهَلَك عمر(42). وعن جابر بن عبدالله الأنصاري أنّه قال: ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ ببغض عليّ بن أبي طالب(43). ولمّا بلغ معاوية مقتل عليّ(ع) قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب(44). وقال الشعبي: كان عليّ بن أبي طالب في هذه الاُمّة مثل المسيح بن مريم في بني اسرائيل، أحبّه قوم فكفروا في حبّه، وأبغضه قوم فكفروا في بغضه(45). وكان أسخى الناس، وكان على الخلُق الذي يحبّه الله: السخاء والجود، ماقال: «لا» لسائل قطّ(46). وقال صعصعة بن صوحان لعليّ بن أبي طالب (ع) يوم بويع: والله يا أمير المؤمنين لقد زيّنت الخلافة وما زانتك ورفعتها وما رفعتك، ولَهي إليك أحوج منك إليها(47). وعن ابن شبرمة: أنّه ليس لأحد من الناس أن يقول على المنبر: «سلوني» غير علي بن أبي طالب(48). وقام القعقاع بن زرارة على قبره فقال: رضوان الله عليك يا أمير المؤمنين، فوالله لقد كانت حياتك مفتاح الخير، ولو أنّ الناس قبلوك; لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكنّهم غمطوا النعمة وآثروا الدنيا(49). وقال «المسيحي» جورج جرداق في كتابه «الإمام عليّ صوت العدالة الإنسانية»: إنّ عليّ بن أبي طالب من الأفذاذ النادرين، إذا عرفتهم على حقيقتهم بعيداً عن الصعيد التقليدي عرفت أنّ محور عظمتهم إنّما هو الإيمان المطلق بكرامة الإنسان وحقّه المقدّس في الحياة الحرّة الشريفة، وبأنّ هذا الإنسان منظور أبداً، وبأن الجمود والتقهقر والتوقّف عند حال من أحوال الماضي أو الحاضر ليست إلاّ نذير الموت ودليل الفناء(50). وقال شبلي شميل: الإمام عليّ بن ابي طالب، عظيم العظماء، نسخة مفردةٌ لم يرَ لها الشرق ولا الغرب صورةً طبق الأصل لاقديماً ولا حديثاً(51). وبقدر ما بقي عليّ رمزاً وقيادةً عمليةً معاً، ملتزماً مع جيل الصحابة الكبار بالمفهوم الأوّل للإسلام كهداية وتضحية من أجل إصلاح العالم ودفعه إلى طريق الحقّ والعدل، أي بمفهوم الدين كثورة دائمة ومستمرّة. كان معاوية يبرز من خلال صراعه مع عليّ ... ممثلاً لجيل المسلمين الجديد الذي وضعته الفتوحات في قمّة السلطة من جهة، وفرضت عليه أن يرى الاُمور أيضاً من وجهة نظر الحفاظ على المكتسبات المادية... وفي مثل هذه المواجهة العنيدة القاسية الممزّقة المدمّرة فقد كان معاوية يستطيع أن يولّد المشاعر الدنيويّة القويّة ويمزّق وحدة المسلمين ويشقّ وعيهم، وينتزع للسياسة السلطانية والدولة في مواجهة الروح الرسالية والثورية أرضاً جديدة من أملاك الدين الشامل(52). وكتب الأُستاذ هاشم معروف: لقد كان الإمام عليّ بن أبي طالب حدثاً تأريخياً غريباً عن طباع الناس وعاداتهم منذ ولادته وحتى النفس الأخير من حياته، فقد أطلّ على هذه الدنيا من الكعبة... فكانت ولادته في ذلك المكان حدثاً تأريخياً لم يكن لأحد قبله ولم يحدث لأحد بعده، وكما دخل هذه الدنيا من بيت الله فقد خرج منها حين أقبل عليه الموت من بيت الله... وقال: ولم يحدث لإنسان غيره ما حدث له، فقد وضعه من لا يؤمنون به إيمان شيعته ومحبّيه في طليعة قادة الفكر وعباقرة العصور، ووصفه المعتدلون من محبّيه إلى جانب الأنبياء والمرسلين، والمغالون منهم في مستوى الآلهة(53). مظاهر من شخصية الإمام عليّ (ع) إجتمع للإمام عليّ بن أبي طالب (ع) من صفات الكمال، ومحمود الشمائل والخِلال ، وسناء الحسب وعظيم الشرف، مع الفطرة النقيّة والنفس المرضيّة ما لم يتهيّأ لغيره من أفذاذ الرجال. تحدّر من أكرم المناسب وانتمى إلى أطيب الأعراق، فأبوه أبو طالب عظيم المشيخة من قريش، وجدّه عبدالمطّلب أمير مكّة وسيّد البطحاء، ثمّ هو قبل ذلك من هامات بني هاشم وأعيانهم(54). واختصّ بقرابته القريبة من الرسول (ص)، فكان ابن عمّه وزوج ابنته وأحبّ عترته إليه، كما كان كاتب وحيه، وأقرب الناس إلى فصاحته وبلاغته، وأحفظهم لقوله وجوامع كلمه. أسلم على يديه قبل أن تمسّ قلبه عقيدة سابقة، أو يخالط عقله شوبٌ من شرك ، ولازمه فتىً يافعاً في غدوّه ورواحه وسلمه وحربه حتى تخلّق بأخلاقه واتّسم بصفاته، وفقه عنه الدين وتفقّه ما نزل به الروح الأمين، فكان من أفقه أصحابه وأقضاهم وأحفظهم وأدعاهم وأدقّهم في الفتيا وأقربهم إلى الصواب، حتى قال فيه عمر: لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن(55). فكان العالم المجرّب الحكيم والناقد الخبير، وكان لطيف الحسّ، نقيّ الجوهر، وضّاء النفس، سليم الذوق، مستقيم الرأي، حسن الطريقة، سريع البديهة، حاضر الخاطر، عارفاً بمهمّات الاُمور(56). عبادته وتقواه(ع): اشتهر عليّ بن أبي طالب بتقواه التي كانت علّة الكثير من تصرّفاته مع نفسه وذويه والناس... وفيما ترى العبادة لدى المعظم رَجْع أصداء الضعف في نفوسهم أحياناً، ومعنىً من معاني التهرّب من مواجهة الحياة والأحياء أحياناً اُخرى، وهوساً موروثاً ثمّ مدعوماً بهوس جديد مصدره تقديس الناس والمجتمع لكلّ موروث في أكثر الأحيان... تراها تشتهر عند الإمام أخْذاً من كلّ قوّة ووصلاً لأطراف الحلقة الخلقية التي تشتدّ وتمتدّ حتى تجمع الأرض والسماء، ومعنىً من معاني الجهاد في سبيل ما يربط الأحياء بكلّ خير، وهي على كلّ حال شيء من روح التمرّد على الفساد يريد محاربته من كلّ صوب، ثمّ على النفاق وروح الاستغلال والاقتتال من أجل المنافع الخاصّة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.