الصراع البريطاني الفرنسي عند ما نزلت بريطانيا إلى مجال البحار وسعت الى المتاجرة في خيرات الشرق , وسعت للوصول إليها عن طريق البحر الأبيض الشمالي , وطريق الفرات تجنباً للاصطدام بالبرتغاليين والاستفادة أيضأ من تجارة الشرق الأوسط ثم بعد أن انتصر الإنجليز على البرتغاليين والاسبان في سنة 1588م في واقعة الأرمادا اتجهوا إلى استخدام طريق رأس الرجا الصالح ثم اصطدموا مرة أخرى بالبرتغاليين في الخليج العربي وانتصروا عليهم مرة أخرى ولكن ما لبث , ان لاحت لهم في الأفق منافسة أخرى خطيرة تمثلت في الهولنديين أدت الى نشوب الحرب بين الدولتين بين سنتي 1652- 1667م ولكن ما أن ظهرت المنافسة الفرنسية في عهد لويس الرابع عشر حتى اضطرت بريطانيا وهولندا للاتحاد لمجابهة ذلك الخطر ولكن تمكن الفرنسيون من تحطيم قوة الأسطول الهولندي والقضاء عليه 1672م وفرغ مجال الصراع إلا من البريطانيين والفرنسيين ودام النزاع بينهم مدة مائة عام انتهى بفوز الإنجليز الذين خرجوا منه وبقبضتهم سيادة البحار والهند والقسم الأعظم من أراضي العالم الجديد ومن ثم اتسعت الهوة بين بريطانياوفرنسا وأصبح العداء هو السمة المميزة لعلاقتهما وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإنجليز عقب سيطرتهم على كل البحار المؤدية إلى الهند لم تكن لديهم أية رغبة في العودة الى طريق البحر الأبيض طالما أن طريق رأس الرجاء الصالح يفي بالمصالح البريطانية, وبالإضافة إلى انه مغلق في وجه الدول الأوروبية الأخرى منذ أوائل القرن السابع عشر ولكن ما يقلق الإنجليز هو ماذا لو حاولت فرنسا استغلال طريق البحر الأبيض المتوسط وبنهاية النصف الأول من القرن الثامن عشر وإطلالة نصفه الأخير بدأت سلسلة من الأحداث اجتمعت وبسرعة لتؤدي إلى تغيير دائم ومستمر في الأوضاع السياسية والتعقيدات التجارية في منطقة البحر الأحمر والأبيض المتوسط . ففي عام 1769م استطاع علي بيك أحد كبار المماليك في مصر أن يعلن انفصاله عن الباب العالي فارسل الحاكم العثماني إلى القسطنطينية وضرب له عملة خاصة ثم لقب نفسه بسلطان مصر وبقيت مصر حتى الربع الأخير من القرن الثامن عشر في استقلال تام عن الباب العالي ويذكر أن علي بك قد تمكن من فتح الحجاز سنة 1770م وذلك تأكيداً منه لأهمية فتح البحر الأحمر للتجارة العالمية ولكن لم يبق هذا الأمر طويلاً في الحكم فسرعان ما عادت مصر والحجاز الى حظيرة الدولة العثمانية ونتيجة لهذه الأحداث بالإضافة إلى وضع الإمبراطورية العثمانية في اوروبا تولدت لدى بريطانياوفرنسا أفكار بعيدة المدى . ففرنسا كانت ترى ضرورة تقسيم الإمبراطورية العثمانية لتضمن نصيبها من الأسلاب فتعوض بذلك الخسارة التي منيت بها في الهند، وبالطبع فقد كانت انظار فرنسا متجهة نحو مصر لاسيما وأنها تعيش في حالة من الفوضى الداخلية.. أما إنجلترا فقد كانت مستفيدة من الموقف ‘ولكن بطريقة اخرى تختلف عن تلك التي أرادها الفرنسيون. لقد كانت إنجلترا عاجزة عن فتح طريق مواصلات لها عبر البحر الأحمر في فترة زمنية مبكرة ‘وذلك بسبب منع الأتراك العثمانيين للسفن الأوربية من دخول البحر الأحمر. والآن فقد حان الوقت لإنجلترا لتجد البديل العملي الملائم لتحقيق هذا الهدف ‘وذلك بالتفاوض مع حكام مصر من المماليك ولقد اوجدت القوة الاستعمارية وسيلتين لإقامة الاتصال بين الهند واروبا عبر مصر ‘أولهما الاتصال بالباب العالي باعتبار أن مصر تعتبر جزءاً من الإمبراطورية العثمانية وذلك من اجل الحصول على الإجازات التي تسمح لهم بممارسة نشاطهم في المنطقة ‘ ثانيهما اللجوء الى معالجة الأمر مع السلطة المحلية في مصر ولكن فرنسا كانت دائماً تفضل الوسيلة الأولى. أما بريطانيا فقد لجأت إلى الوسيلة الثانية عقب حركة علي بك في مصر ‘فقامت بفتح المجال الدبلوماسي في مصر على مصراعيه. هذا ولقد أستمرت الدولة العثمانية في إصرارها على منع الدول الأوربية من ارتياد البحر الأحمر ‘ ويقول بلارد في كتابه " بريطانيا والشرق الأوسط " إن إصرار الدولة العثمانية على هذه السياسة هو خوفها من تدهور الطريق البري عبر العراق وسوريا . بالإضافة إلى أن ثراء الدويلات الواقعة على البحر الأحمر من ازدهار التجارة قد يقوي من شوكتها فتتمرد على الحكم العثماني وأعتقد إن هذا التبرير غير منطقي لأن الدولة العثمانية تستفيد كل الفائدة من ازدهار التجارة في المنطقة كما أن ذلك يخفف العبء عن الخزينة العثمانية ومسئولياتها تجاه الولايات العثمانية. إلا أن الخطر السياسي يتمثل في وصول الدول الأوربية للمتاجرة في المنطقة يعني تغلغل نفوذها فيها ‘والمعروف أن المصالح التجارية هي المقدمة التمهيدية للاستعمار في أغلب الأحيان. وعلى كل حال فإن فرنساوبريطانيا لم تالو جهدا في تحقيق أغراضهما وبسط نفوذهما في مصر باعتبارها مفتاح السيطرة على المنطقة بحكم موقعها الذي يتحكم في جزء هام من هذا الطريق البحري المؤدي للشرق ولهذا فقد تمكن جيمس بروس أثناء رحلة قام بها للمنطقة في عام 1775م تمكن من عقد اتفاقية مع ابي الذهب في مصر تنص على أن تصل البضائع الهندية إلى السويس فتدفع ضرائب تبلغ 8% فقط بدلاً من دفع 14% لحاكم جدة وارن هاستنجس الحاكم البريطاني للبنغال الذي عقد اتفاقية أخرى مع ابي الذهب نصت على تخفيض الضرائب على بعض الواردات إلى 6,5% فقط وإمكانية دفعها عيناً وعزمت كل من السلطات الإنجليزية في الهند والمماليك في مصر على تنفيذ هذه الاتفاقية الشخصية بين هاستنجس وأبي الذهب . أما الدولة العثمانية فقد قابلت هذه الاتفاقية بالرفض الشديد وأصرت على استمرار الملاحة شمال جدة على أيدي الرعايا العثمانيين أما إنجلترا فقد التزمت جانب الصمت خوفاً من إغضاب الباب العالي. واما فرنسا فقد نجحت في عقد اتفاقية مع مراد بك في أوائل سنة 1785م تسمح للسفن الفرنسية الآتية من الهند بالوصول حتى السويس واتفقت كذلك مع كبير ملتزمي الجمارك ‘ومع بعض مشايخ العربان لنقل هذه التجارة بين السويس و القاهرة. والجدير بالذكر هنا أنه في سنة 1785م ظهر منافس جديد للبريطانيين في منطقة البحر الأحمر وخصوصاً في السواحل اليمنية , الا وهم الامريكان الذين اصبحوا بحلول عام 1800م المسيطرين الأوائل على تجارة البن ليس فقط في تصديره الى أمريكا فحسب بل اصبحوا يتاجرون في نقل بضائع الجزيرة العربية إلى اوروبا منافسين بذلك شركة الهند الشرقية البريطانية حيث كانوا يبيعون بأسعار أقل من تلك التي تبيع بها الشركة . كما أنهم افتتحوا طريق أخر جديداً ولأول مرة يربط بين البحر الأحمر وشرق أفريقيا متفادين بذلك محطات الشحن والتفريغ في بومباي والموانئ البريطانية الأخرى , هذا ولم يستخدم البريطانيون هذا الطريق إلا في عام 1872م . غير انه عقب الاتفاقية الفرنسية مع المماليك في مصر عام 1785م تجدد النشاط البريطاني من مصر ضمن استمرارية جهود بريطانيا في السيطرة على البحر الأحمر وذلك بتعيين جور بولد وين على أمر القنصلية البريطانية في القاهرة ‘ فسعى بولد وين بدوره لدى القبطان حسن باشا الذي جاء إلى مصر من قبل الباب العالي للقضاء على تمرد المماليك وعلى راسهم إبراهيم ومراد لمحاولة إخضاعهم وذلك ليسمح للتجارة البريطانية بالمرور عبر البحر الأحمر غير أن هذه المساعي باءت بالفشل وعند عودة إبراهيم ومراد الى مصر توصل بولد وين إلى عقد معاهدة معهما بذلك الخصوص في سنة 1794م غير أن الباب العالي رفض هذا المشروع مما أضطر الحكومة الإنجليزية إلى رفضه ايضاً خوفاً من إثارة حفيظة الباب العالي ضدها ,وبالتالي يتم التقارب بينه وبين فرنسا .