تكلل الاستقلال الذي نشدته الثورة بإنهاء زمن الوصاية اتسم وضع اليمن قبيل ثورة ال21 من سبتمبر المجيدة، بالمتردي في مختلف جوانب الحياة، سياسياً كان التدخل الخارجي في القرار السيادي والسياسي هو العنوان الأبرز خصوصاً مع المبادرة الخليجية التي علقت العمل بالدستور اليمني وعرقلت كل التوجهات لإصلاح الاوضاع والاتفاق بين القوى الوطنية، ناهيكم عن ادخال اليمن تحت البند السابع بما يعنى الانتهاك الكامل للسيادة اليمنية، فكانت السفارة الأمريكية والسعودية والبريطانية (سفراء الدول العشر) هم من يتحكم في القرار اليمني، وهم من أرادوا تقسيم اليمن إلى أقاليم وفرض هيكلة الجيش وتعديل الدستور بما يضمن تجزئة اليمن واضعافه. الانهيار الاقتصادي بالمقابل وصلت الأوضاع الاقتصادية إلى مرحلة الانهيار وعدم قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الأساسية حتى وصلت الى الاعلان عن عدم القدرة على دفع مرتبات الموظفين، رغم تدفق الثروات النفطية والغازية وموارد الموانئ البحرية والبرية، والضرائب والجمارك والثروة السمكية وغيرها من الموارد التي كانت في حقيقة الأمر تذهب للشركات الخارجية والنافذين.. انفلات أمني أما الوضع الأمني فقد وصل إلى مرحلة خطيرة بدأت معها عمليات الاغتيالات والتفجيرات وسقوط مناطق ومحافظات بيد الجماعات التكفيرية الارهابية ومنها محافظاتالبيضاء وأبين وحضرموت ومناطق من شبوة، بل وصل الأمر إلى نشاط تلك الجماعات من خلال التفجيرات في العاصمة صنعاء والاغتيالات التي طالت قيادات عسكرية وسياسية وأمنية. قيادة حكيمة من تلك الاوضاع والمنزلق الخطير الذي أراد الأعداء والعملاء في الداخل ايصال اليمن اليه، انطلقت الثورة الشعبية التحررية ثورة ال21 من سبتمبر، وخرج أحرار اليمن بفئات الشعب ومكوناته السياسية والاجتماعية للمشاركة في أحداث هذه الثورة التي كان من أهم عوامل نجاحها، القيادة الثورية الحكيمة ممثلة بالسيد القائد/عبدالملك بدر الدين الحوثي، والذي بتوجهه القرآني الصادق وقراءته الموفقة للأحداث، استطاع رسم أهداف ومراحل الثورة وتحركات الحشود الشعبية في التوقيت المناسب، وتبني المطالب العادلة والنهج الثوري التسامحي والإنساني، الأمر الذي قطع الطريق أمام أعداء الثورة واعداء الشعب اليمني واجهض مؤامراتهم وفضح مخططاتهم، ليعلوا صوت الحق وصوت الشعب الذي أعلن نجاح ثورته وقطع يد الوصاية والتدخل الخارجي في الشأن اليمني إلى غير رجعه، وأن يمن ما بعد 21 سبتمبر 2014 ليس كما قبله. مشروع تحولي مضامين الأهداف العظيمة التي حملتها ثورة ال21 من سبتمبر، جعلت منها مشروعاً تحولياً في واقع اليمن وتاريخه المعاصر، فكان الهم الوطني الداخلي والمحافظة على وحدة الصف من أولويات الثوار، وهو ما جسده اتجاه الثورة وقيادتها إلى تبني مشروع السلم والشراكة الوطنية الذي يضمن شراكة حقيقية لكل المكونات السياسية، وانبثق من ذلك التوقيع على إتفاق السلم والشراكة وفتح باب الحوار مع كل المكونات بما فيها من وقفت في وجه الثورة.. كما استشعرت القيادة الثورية خطورة تنامي نشاط الجماعات التكفيرية الارهابية التي كانت تحركها وتمولها ايادي خارجية لتنفيذ الجرائم والاغتيالات والنيل من أمن وسكينة المجتمع والنسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية، فتوجه الثوار إلى استئصال تلك النبتة الخبيثة ومعارك البيضاء وقيفة شاهدة على ذلك. مشروع الاستقلال ونستطيع القول أن ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر ورغم ماتعرضت له من مؤامرات وعدوان غاشم لوأدها، فقد حملت مشروع الاستقلال والسيادة والتطوير والتصنيع وبناء قدرات المؤسسة العسكرية والأمنية، حيث نجحت في هذا الجانب بالتطوير المستمر للقدرات العسكرية وظهور الانتاج الحربي اليمني في الصواريخ بالمدايات القريبة والمتوسطة والبعيدة وصولاً إلى صواريخ "فرط صوتي"، التطوير الكبير في القدرات والاسلحة البحرية، الطيران المسيرة الذي حقق المباغتة والاصابة الدقيقة في عمق العدو، وانظمة الدفاعات الجوية التي اسقطت طائرات ال"إم كيو ناين" الأمريكية، وغيرها من الصناعات التي غيرت مفردات المشهد العسكري وغيرت مجرى الأحداث وبروز اليمن كقوة قادرة على تحقيق الانتصارات العظيمة والمواقف الشجاعة من خلال بناء مؤسسة عسكرية قوية متسلحة بالإيمان بالله والولاء للوطن والامة، وكل ذلك عزز من مشروع الاستقلال الذي نشدته ثورة ال21 من سبتمبر وتم بحمد الله إنهاء زمن الوصاية وحكم السفراء ووكلاء السعودية في اليمن. النجاحات الأمنية عانى اليمن قبل ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر بشكل كبير من الاختراقات الأمنية والاعمال التجسسية التي كانت تنهش في مؤسسات الدولة والنسيج الاجتماعي والثقافي والتعليمي، لصالح دولٍ وانظمة خارجية على رأسها أمريكا واسرائيل، فنفذ عملاء السفارة الامريكية والموساد الاسرائيلي مخططاتهم التدميرية في مختلف القطاعات الاقتصادية والزراعية والتعليمية، واستهدفوا اخلاق وعادات المجتمع اليمني ونسيجه الاجتماعي والدفع بالشباب نحو الانحلال تحت مسميات الريادة وحرية المرأة ونحوه، ووصل الامر إلى جعل اليمن مرتعاً للجماعات الارهابية المرتبطة بأدوات خارجية وداخلية تعيث في الارض فساداً.. فكان من ثمار ثورة 21 سبتمبر التحرك الجاد لإيجاد اجهزة أمنية قادرة ومتمكنة من مواجهة كل المهددات والتحديات خصوصاً ما سمي بالحرب الناعمة التي استهدفت قيم المجتمع اليمني وهويته وتماسك الجبهة الداخلية، فحققت الاجهزة الامنية بفضل الله والمتابعة والتوجيهات المستمرة من القيادة الثورية والسياسية العديد من الانتصارات والنجاحات وأفشلت مخططات العدو، وتمكنت من كشف العديد من الخلايا والعملاء ومنها الخلايا التجسسية المرتبطة بأمريكا واسرائيل، بالإضافة إلى النجاحات الامنية والحد من الجرائم واليقظة الامنية التي مثلت رديفاً للإنتصارات العسكرية. وعي شعبي لقد شكلت التحديات والمؤامرات التي رافقت الثورة حافزا لأبناء الشعب في تعزيز التلاحم والاصطفاف الوطني والتصدي لمجمل المخططات التي حاولت إعاقة هذا المشروع وسط وعي شعبي اتسم بالنظرة الثاقبة إزاء تلك التحديات باعتبارها مخاضاً حتمياً للاعتماد على الذات في بناء وطن عاش عقوداً من الزمن مسلوب القرار والإرادة، فكان من نتاج ذلك الوعي الثبات والصمود في وجه العدوان وتقاطر الاحرار من كل المناطق والمحافظات لرفد الجبهات وتقديم قوافل الشهداء دفاعاً عن الارض والعرض في سبيل استقلال وعزة وكرامة اليمن. وعلى مسار آخر اتجه ابناء اليمن إلى استثمار المقومات المتوافرة لتحقيق التنمية ورسم معالم ثورة الاكتفاء الذاتي من خلال الاهتمام بالزراعة ورفع الانتاجية من مختلف المحاصيل الزراعية خصوصاً القمح والحبوب الاخرى التي شهدت زراعتها توسعاً كبيراً وواعداً، إلى جانب تشجيع المبادرات المجتمعية والتنموية في مجالات الطرق والتعليم والصحة والمياه. بناء اليمن على ذات المسار حملت ثورة ال21 من سبتمبر عام 2014م مشروعا وطنيا نهضويا لوضع مداميك قوية لبناء اليمن الموحد الحر والقوي, وإعادة الاعتبار للشعب اليمني بما يملكه من إرث تاريخي وإسلامي وحضاري، كما مثلت هذه الثورة المعبرة عن تطلعات الشعب اليمني ثورة تصحيح لمسار ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر التي عملت قوى الرجعية والاستعمار على إفراغها من أهدافها الوطنية ومن مضامينها الحقيقية, وتحويلها إلى مجرد شعارات مستهلكة في وسائل الإعلام والمناسبات دون أي توجه حقيقي لتطبيق أهداف الثورتين على أرض الواقع، ولهذا مثلت ثورة 21 سبتمبر امتدادا لمشروع النضال الوطني الذي قدم في سبيله شعبنا الأرواح والدماء رخيصة في سبيل اليمن الموحد والقوي القائم على أسس العدالة والمساوة , وإعادة الاعتبار لليمن الأرض والإنسان والتاريخ والهوية والثقافة والإيمان. اليمن قوة هامة ونتاجاً للفكر التحرري النابع من قيم الاسلام وتعليم القرآن الكريم الذي انطلقت منه ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، فقد وجدت القضية الفلسطينية الاهتمام الحقيقي بها والوقوف الصادق معها من خلال هذه الثورة التي رفعت شعار الموت لإسرائيل وجسدته في موقف وتحرك عملي من خلال الدعم والمساندة للمقاومة في غزة والمشاركة الفعلية في معركة طوفان الاقصى من خلال المعركة البحرية واستهداف عمق العدو الصهيوني في ايلات وصولاً إلى يافا المحتلة، واستمرار معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس بمراحلها المفتوحة حتى انهاء الاحتلال الصهيوني ورفع الحصار.. فثورة ال21 من سبتمبر جعلت من اليمن قوة هامة تناصر غزة ورفعت من شأن اليمنيين بين الأمم وفي العالم، وهذه هي بركة من بركات هذه الثورة المباركة، ولولاها لكان موقف شعبنا لا يختلف عن بقية الشعوب والأنظمة.