في البدء كانت التربية هي الأساس في أي مجتمع من المجتمعات، بل هي العلامة الفارقة فيما وصلت إليه البشرية من تقدم ورقي وحضارة، وازدهار فكري ومادي، وتقني وعمراني شمل مختلف مناحي الحياة.. قال أحد خبراء التربية: "مستقبل أية أمة من الأمم مرهون بالحاضر، وأي انفصام بين الحاضر والمستقبل يترك آثاراً سلبية في سيكولوجية الفرد، لأنه هو محور الارتكاز في المنظومة التربوية".. لذا علينا أن ندرك أن التربية للمستقبل، ولست أعني مستقبل الفرد بقدر ما أعني مستقبل الأمة، لأن مستقبل الأمة مرهون مستقبل أفرادها التربوي، فالتربية هي المحرك الأساس للفعل الإنساني، فمقياس تحضر ورقي وتقدم الأمم والمجتمعات مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتقدمها ورقيها وسلوكها التربوي والإنساني، وهذا ما نشاهده في عالمنا اليوم، فالمدنية المعاصرة، والأمم المتقدمة الراقية هي التي استطاعت أن تأخذ بتلابيب التربية القويمة، والمنهاج التربوي المرتبط بالهوية الثقافية والإيمانية، وفي شتى جوانبها الإنسانية والعلمية والفكرية.. فالتربية كما عرفها خبراء التربية المعاصرون: "بأنها عملية حفظ التراث ونقله من جيل الى آخر".. وبهذا المفهوم هي عبارة عن همزة وصل لنقل الثقافة، والتراث الحضاري من الجيل القديم الى الجيل الجديد، ضماناً لحفظه، ومنعاً من اندثاره.. من هنا ندرك أهمية التربية بأنها هي المعبر الحقيقي عن شخصية وهوية وحضارة وتراث أي أمة من الأمم، ومن هنا لابد أن تنمي لدى الفرد مهارة كيف يقرأ، ويكتب.. وكيف يبحث.. وكيف يطبق.. دون ذلك لا فائدة في تعلم وتراث وثقافة لا تطبق في الحياة اليومية.. لذا فالتربية عملية تطبيع مع الجماعة، وتعايش مع الثقافة، وبهذا يتميز المجتمع البشري، بأنه مجتمع له ثقافة خاصة به، تكيفه في معيشته واستمراره في الحياة.. وهناك ملاحظة هامة لابد من إيرادها ألا وهي أن الأهداف نوعان عامة وخاصة، كما تكون قريبة وبعيدة، ولهذا فالتربية عامة أن تعد أجيالنا الحاضرة للتقدم العلمي والاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي، ولذلك لا تستطيع أمة من الأمم أن تتقدم اقتصادياً إلا بالتربية والعلم والثقافة.. من هنا ندرك أهمية التقدم الذي يهدف الى الارتقاء بالفرد والأمة علمياً وثقافياً وتكنولوجياً وتقنياً ليشمل كافة مناحي الحياة، وميادينها المختلفة.. كما ندرك أن عصرنا الحالي، هو عصر علم وتكنولوجيا ورقي حضاري، وأن كل تقدم ورقي مرتبط بركيزتين أساسيتين هما التربية الشاملة والتكنولوجيا، وبدونهما يصبح التقدم العلمي والحضاري مبتوراً لا يواكب متطلبات الحياة المعاصرة، ولا يتماشى مع روح العصر الحديث.. صفوة القول: فالتقدم العلمي والحضاري ليس تمسكاً أو تقليداً بقشور الحضارة الغربية كماً ونوعاً، وإنما مرهون بما يتوافق مع قيمنا وتقاليدنا وأخلاقنا المستمدة من عقيدتنا القويمة، وتراثنا العربي الإسلامي الأًصيل الذي ورثناه عن الآباء والأجداد عبر العقود الماضية.. مازال الطريق طويلاً أمامنا، ولدينا الكثير لننجزه ولكن لابد أن نتسلح بالثقافة القرآنية والهوية الإيمانية التي تمكن الأجيال من كتابة فصل جديد وفريد في تاريخنا الإنساني المعاصر.. أو التجهم والاستهزاء لكل ما هو ديني أو تراثي، وإنما التقدمية من التقدم والتحسن في كل ميدان من ميادين الحياة وأهمها ميدان الأخلاق والرقي الإنساني والتعامل الراقي والحسن.. أما التربية التي تستطيع بها الأمة أن ترتقي بها الى مصاف التقدم الثقافي والحضاري والأخلاقي هو التمسك بالمثل الأعلى، ولله المثل الأعلى، والإيمان بالعلم لأنه هو طريق التقدم والرقي والازدهار.. وبدون عمل وأخلاق وتربية لا يكون هناك تقدم.. ولا رقي.. ولو تسامت الأمنيات وتعالت الأهداف.. كلمات مضيئة: من هنا ندرك أن التربية عملية ضرورية للفرد والمجتمعات والشعوب، للانشغال بها من طور الفردية البيولوجية الى طور الشخصية السيكولوجية والاجتماعية، فالفرد يرث عن والديه بعض الخصائص البيولوجية، أما المكونات النفسية والاجتماعية والفكرية فليست ميراثاً بيولوجياً بل اجتماعياً، والتربية ضرورية للإنسان، لتوجيه غرائزه وسلوكياته، وتنظيم عواطفه وتنمية ميوله، بما يتوافق وثقافة المجتمع الذي يعيش فيه.. من وحي الشعر: يا يمن الإيمان..!! جئتك عاشقاً مستهاماً.. على جبيني وردة بيضاء وعلى كتفي بقايا أحزان وأشلاء ما أجمل ألوان طيفك عند الغروب..!ّ! فأنت الروح والريحان وشاطئ التحنان قسماً سأزرع أعماقي.. شوقاً وحباً وتحنان.. مهما جار الزمن..