المقالح يصف سلطة صنعاء بسلطة الأهل وعيال العم المعزولة عن الشعب    كأس المانيا: ضربات الترجيح تمنح بوروسيا دورتموند بطاقة التأهل على حساب اينتراخت فرانكفورت    قراءة تحليلية لنص "مراهقة" ل"أحمد سيف حاشد"    الاختطاف والتهجير.. الحرب الحوثية الخفية ضد اليمنيين    الإخوان.. خمسون عامًا من الخراب    توتر في منتخب إسبانيا.. ثنائي برشلونة يلغي متابعة كارفاخال بعد أحداث الكلاسيكو    المملكة المغربية تقاضي حمالة الحطب اليمنية توكل كرمان في تركيا    تقرير خاص : تأمين منفذ الوديعة.. مطلب حضرمي من أجل الكرامة والسيادة    المنحة السعودية في طريقها لسداد حساب مكشوف للشرعية في جدة    رئيس انتقالي لحج وضاح الحالمي يعزي بوفاة الأستاذ والتربوي فضل عوض باعوين    تنفيذية انتقالي خنفر تناقش الوضع الأمني والخدمي بالمديرية    انطلاق ملتقى "RT Doc" للأفلام الوثائقية بالقاهرة    "القسام": تأجيل تسليم جثة أسير صهيوني بسبب "خروقات" العدو    صنعاء.. إيقاف التعامل مع منشأة صرافة    واشنطن ستسلم طوكيو أول دفعة من صواريخ مقاتلات «أف-35»    رئيس هيئة الاستثمار يطلع على سير عمل مصنع شفاكو للصناعات الدوائية    مكتب الصحة في البيضاء يتسلم 4 سيارات إسعاف    مدرسة 22 مايو بسيئون تحيي فعالية توعوية بمناسبة الشهر الوردي للتوعية بسرطان الثدي ..    الاتحاد الدولي للصحفيين يدعو إلى إطلاق سراح زايد والارياني    صحيفة دولية: الدين الخارجي لحكومة المرتزقة يبلغ نحو 7 مليارات دولار    مسيرات في مديريات حجة وفاءًا لدماء الشهداء وتأكيداً على الجهوزية    النفط يتراجع مع ترقب زيادة إنتاج (أوبك)    غزة.. استخراج رفات 42 فلسطينيا مجهولي الهوية من مقبرة عشوائية    إجراء قرعة بطولة التنشيطية الثانية لكرة الطائرة لأندية حضرموت الوادي والصحراء ( بطولة البرنامج السعودي )    اتحاد حضرموت يفتتح مشواره بالستة على مدودة في كاس حضرموت للناشئين    هيئة المرأة والطفل بالانتقالي تشدد على ضرورة تعزيز خطط العمل المستقبلية    ميسي يحسم موقفه من مونديال 2026    البيضاء .. تدشين المخيم الطبي المجاني الشامل للأطفال بمدينة رداع    بإيرادات قياسية... باريس سان جيرمان يصعد إلى المركز السابع بين أغلى فرق العالم    نائب وزير الاقتصاد يلتقي المواطنين والقطاع الخاص خلال اليوم المفتوح    عقب اشتباكات مسلحة.. قائد محور الغيضة يؤكد ضبط جميع أفراد عصابة تتاجر بالمخدرات    مجلس القيادة يجدد دعمه الكامل للحكومة والبنك المركزي في مواصلة تنفيذ الإصلاحات    الأرصاد: درجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى ما دون 5 درجات في المرتفعات    الأسعار بين غياب الرقابة وطمع التجار    فلسفة السؤال    الإطاحة بعصابة استغلت العمل الخيري للاحتيال على المواطنين في عدن    مدينة عتق.. عطش يطارد الأهالي ومؤسسة المياه في صمت مريب    أعرافنا القبلية في خطر: إختطاف القبيلة!    اتحاد كرة القدم يعيد تشكيل الجهاز الفني والإداري للمنتخب الأولمبي    سفارات لخدمة العمل اللادبلوماسي    عبدالرحمن شيخ: الانتقالي مشروع وطني والشراكة ضمانة ضد التفرد والفساد    الدكتور الترب ل"سبوتنيك": حالة اللاحرب واللاسلم في اليمن "مقصودة" ولن تستمر طويلا    ضبط 369 كجم حشيش في صعدة    وزير الشباب والرياضة يناقش برامج تأهيل وتدريب شباب الضالع واوضاع نادي عرفان ابين    قراءة تحليلية لنص "ولادة مترعة بالخيبة" ل"احمد سيف حاشد"    صنعاء.. مناقشة دراسة أولية لإنشاء سكة حديد في الحديدة    مزاد "بلاكاس" الفرنسي يعرض تمثال لرجل من آثار اليمن    ثاني حادثة خلال أقل من شهر.. وفاة امرأة نتيجة خطأ طبي في محافظة إب    دراسة حديثة تكشف فظائع للسجائر الإلكترونية بالرئتين    لصوص يسرقون ألفي قطعة نقدية من متحف فرنسي    وداعا أبا اهشم    مرض الفشل الكلوي (25)    عن ظاهرة الكذب الجماعي في وسائل التواصل الاجتماعي    عندما تتحول الأغنية جريمة.. كيف قضى روفلات القومية على أحلام عدن؟    الأوقاف تحدد 30 رجب أخر موعد للتسجيل في موسم الحج للعام 1447ه    فلاحين بسطاء في سجون الحقد الأعمى    الآن حصحص الحق    أبشرك يا سالم .. الحال ماهو بسالم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الملثم الفلسطيني الذي أسقط الرواية الصهيونية..
نشر في 26 سبتمبر يوم 24 - 03 - 2025

في ال 7 من أكتوبر 2023، ضربت عملية "طوفان الأقصى" المباركة كصفّارة إنذار، لكن هذه المرة لم توقظ النائمين فقط، بل كشفت عن "نجوم" الإعلام العربي الذين احترفوا التمثيل في مسرحية "الحياد الموضوعي" هؤلاء الذين كانوا يتقنون عزف مقطوعة "نحن ننقل الحقيقة"،
لكن بأوتار صهيونية وطبول عربية تضفي نكهة محلية على الرواية الاحتلالية لكن لسوء حظهم، كانت عدسات الكاميرا "القسامية" تقوم بعملها بشكل احترافي أكثر مما يستطيعون تخيّله كل فيديو كان كفيلاً بنسف رواياتهم وكشف كواليس أكاذيبهم التي لم تصمد حتى أمام مقاطع ال 30 ثانية .. تفاصيل في السياق التالي:
تقرير - بشير القاز
عندما أطلقت المقاومة الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى" لم تكن مجرد ضربة عسكرية عابرة، بل أشبه بحفل شواء ساخن لمنظومة الاحتلال العسكرية والاستخباراتية، التي لطالما تباهت بقدراتها "الأسطورية" هذه المرة، لم تكن الهزيمة بالصواريخ فقط، بل بالكاميرات واللقطات التي أطاحت بجبروت الاحتلال وأغرقت كيانه في مستنقع الهزائم النفسية والإعلامية ففي الماضي، كانت الصورة النمطية للفلسطيني تُختصر بشاب أعزل يحمل علمًا ومقلاعًا، يواجه دبابة ببرودة أعصاب أما بعد "طوفان الأقصى"، فقد انقلب المشهد رأسًا على عقب وأدرك العالم أن الفلسطينيين ليسوا ضحايا ينتظرون الشفقة، بل مقاومة شرسة ومبدعة في تحويل الميدان إلى ساحة نصر إعلامي وسياسي، يصعب على الاحتلال محوه من ذاكرة الكاميرا، والأهم عند الصهاينه هي ذاكرة الشعوب.
كاميرا القسام صورة بعيدة عن هوليوود
لم تكتفِ كاميرات مقاتلي القسام بتوثيق اقتحامهم حصون الاحتلال، بل رصدت مشاهد مرعبة كشفت حقيقة الجنود الصهاينة الذين لطالما أظهرهم إعلامهم ك "سوبرمانات" لا تقهر حيث ظهرت فجأة وجوههم المذعورة، وجثثهم المسحوبة كالخرق البالية من دباباتهم المشتعلة، في مشاهد صدمت الاحتلال وأدخلته في أزمة نفسية أشبه بلعنة تطاردهم كلما شاهدوا تلك الصور والتي لم تكن مجرد توثيق لحظات انتصار، بل أشبه بإعلان انهيار تدريجي للكيان الصهيوني، حتى ربط كثيرون بين "طوفان الأقصى" واقتراب لعنة "العقد الثامن"، التي تتنبأ بزوال "الكيان اللقيط " قبل أن تصل إلى عامها ال80 (وهي الآن في عامها ال74) وما زاد الطين بلة بالنسبة للاحتلال أن عملية اقتحام حصونه لم تتم عبر دبابات متطورة أو طائرات حربية، بل عبر طائرات شراعية بسيطة، وزوارق خشبية، ودراجات نارية، وبعض العربات المدنية، في مشهد بدا كأنه سخرية قدر جعلت الجيش الذي يتفاخر بغرور شيطاني بامتلاكه أقوى ترسانة في الشرق الأوسط، يتلقى صفعة مدوية بأسلحة بدائية.
انقلاب الصورة على رأس المحتل
في البداية، سعى الاحتلال إلى كسب حرب الصورة بتقديم نفسه ك "الضحية" التي تعرضت لهجوم "إرهابي"، وسارع إلى شيطنة مقاتلي المقاومة وتصويرهم ك "دواعش" وكان هدفه واضحًا وهو حشد التعاطف الغربي وتبرير المجازر والدمار الهمجي الذي شنه على غزة، لدرجة أن بعض الأصوات في "دولة الاحتلال المزعومة" طالبت علنًا بإبادة القطاع كما حدث في هيروشيما لكن ما حدث كان العكس تمامًا.. فبينما كانت آلة الإعلام الصهيونية تحاول ترويج الأكاذيب، كانت صور وفيديوهات جرائم الاحتلال ضد المدنيين تملأ الشاشات، لتقلب الرأي العام العالمي رأسًا على عقب ولم تعد الاحتجاجات تكتفي بالمطالبة بوقف إطلاق النار، بل بدأت ترفع شعارات مثل "من النهر إلى البحر"، وهو كابوس وجودي بالنسبة للاحتلال وفي وقت كان الاحتلال يفكر في قنبلة نووية لحسم المعركة، كانت الكاميرات "القسامية" البسيطة في غزة تسجل انتصارًا إعلاميًا وسياسيًا حقيقيًا لصالح المقاومة، التي لم تهزم فقط دباباتهم، بل حطمت أيضًا أكاذيبهم وأسقطت آخر أوراق التوت عن "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".
صوت الحق وطبول الزيف الإعلامي
على وقع اشتعال الضربات الصاروخية التي أشعل فتيلها أبطال المقاومة على مواقع الاحتلال، في غلاف غزة وعمق الكيان الصهيوني كانت السردية الفلسطينية تمطر الحقائق على رؤوس أولئك الذين راهنوا على قلب المشهد الإعلامي لصالح الاحتلال لتسقط حينها الأقنعة عن وجوه اعتادت التنكر، حتى أصبح تلوّنها أكثر وضوحًا من شاشاتها المضيئة ف بينما كانت المقاومة تثبت حضورها في الميدان، كانت الرواية الفلسطينية تحقق انتصارًا آخر على شاشات تعودت على الإملاء، لكنها لم تستطع أن تصمد طويلًا أمام "طوفان" الحقائق الذي أغرق كل محاولات التضليل وجعل المشاهد العربي يميز ببساطة بين صوت الحق وطبول الزيف الإعلامي ، وتجاوزت عملية طوفان الأقصى المباركة البعد العسكري لتكون أشبه بحرب إعلامية صاخبة، دارت فيها الكاميرات حول محور الرواية الفلسطينية، وتزامن معها تهاوي محاولات الاحتلال لتسويق نفسه ك"الضحية" لتتجلى الحقيقة التي كشفت وأكدت أن ما حدث لم يكن مجرد سقوط قناع، بل كان انهيارًا جماعيًا لأقنعة تعوّدت على التلون بألوان الممولين.
الملثم الذي أسقط الرواية الصهيونية
تحول أبو عبيدة، الرجل الذي لا يرى منه الناس سوى عينين تلمعان خلف لثام أحمر، إلى رمز استثنائي في زمن امتلأت فيه الساحة بأشباه النجوم وملوّني الشاشات وبلا حسابات على انستغرام، ولا صور استعراضية، ولا مؤتمرات صحفية صاخبة، تفوّق أبو عبيدة على هؤلاء جميعًا ليصبح أحد أكثر الشخصيات إلهامًا وتأثيرًا في العالم العربي وبينما تضخ "إسرائيل" مليارات الدولارات في ماكينة إعلامية عملاقة لترويج رواياتها المضللة، اختار أبو عبيدة سلاحًا مختلفًا (صوتًا هادئًا، وكلمات حاسمة) لا تخرج إلا لتضرب كقذائف معنوية تمزق أوهام العدو وتربك حساباته ، ولم تكن نجومية أبو عبيدة مجرد ومضة عابرة في لحظة احتدام، بل ظاهرة إعلامية وثقافية تجاوزت الحدود منذ ظهوره اللافت في معركة "طوفان الأقصى" كناطق عسكري باسم كتائب القسام بل أصبح الرجل أيقونة للمقاومة والبسالة في أذهان الشعوب العربية والإسلامية ، ففي اليمن يُنظر إليه كرمز للبطولة العربية المتأصلة، وفي لبنان، تزين صوره جدران بيروت تحت شعار "الناطق باسم الأمة"، بينما تتحوّل تصريحاته إلى مواد تُدرّس في أسئلة الامتحانات وكأنها جزءا من المنهاج الوطني وفي زمن يضج فيه العالم بأصوات منصات إعلامية مدفوعة وأضواء زائفة، وهكذا كان أبو عبيدة نموذجًا للصمت المدروس والرسائل الدقيقة، التي جعلت كلماته القليلة أقوى من كل المنصات الممولة وأكاذيب الدعاية المُعلبة.
الصدق سلاح لا يُهزم
تميّز أبو عبيدة بسلاح نادر وهي المصداقية ففي مقابلة سابقة مع قناة الجزيرة، عندما سأله الصحفي عن عدد المقاتلين الذين شاركوا في عملية معينة، لم يلجأ إلى الأرقام الفلكية أو الاستعراض المعتاد عند خصومه الصهاينة بل توقف لبرهة وقال ببساطة: "عشرات" هذا الصدق الصادم كان كافيًا ليجعل الجماهير تصدقه أكثر مما تصدق كثيرًا من المتحدثين الرسميين الذين ينفخون أرقامهم كما تُنفخ البالونات في حفلات الأطفال ومن الأدلة الدامغة التي تكشف جانباً من النجاح الساحق الذي حققه الإعلام القسامي الذي هو إحدى ثمار المصداقية تدفق التقارير الصحفية لعدد من الوسائل الإعلامية الدولية والتي من أبرزها التقرير المطول الذي نشره موقع "يورونيوز" الشهير بعنوان: "أبو عبيدة: غزة ستصبح مقبرة للجيش الإسرائيلي"، فيما اعتمدت صحيفة "وول ستريت جورنال" على إحصائيات أبو عبيدة في تقرير يتحدث عن تزايد قتلى جيش العدو الصهيوني مقارنة بحرب 2014 وحتى الإعلام الأمريكي لم يستطع تجاهل الرجل، حيث نشر موقع "الحرة" تقريرًا بعنوان: "أدرعي يكشف هوية أبو عبيدة.. " .. المفارقة العجيبة أنه كلما حاول الاحتلال كشف هويته، زاد الاهتمام به، وكأن القناع نفسه بات رمزًا أقوى من أي وجه قد يكشفه وبينما يستمر الاحتلال في قصف غزة بالصواريخ، يستمر هو في قصف روايات العدو بالأدلة والكلمات، وكأنه يقول لهم وللعالم: "قد يختبئ الوجه خلف قناع، لكن الحقيقة لا تحتاج إلى وجه" وهكذا، وجد الإعلام الصهيوني ومَن سار في ركبه أنفسهم في مأزق لم ينفع معه أي "مونتاج دعائي"، بينما كان صوت المقاومة، حتى وهو قادم من خلف اللثام، يمزّق الشاشات ويعيد رسم المشهد الإعلامي برمّته، ليؤكد أن الحقيقة، مهما حوصرت، أقوى من كل "التقارير المفبركة" والأبواق المأجورة.
كاميرات المقاومة تُسقط جبروت الاحتلال
قديماً، كان يُقال: "التاريخ يكتبه المنتصر" لكن في عصر مواقع التواصل الاجتماعي، باتت الكاميرا هي من تكتب التاريخ، وتفضح القتلة مهما حاولوا فطوال عقود، اعتاد "العدو الصهيوني" أن يرتكب المجازر بعيدًا عن الكاميرات، لكن مع ظهور "المواطن والمقاوم الصحفي"، بات من الصعب إخفاء الحقائق وبصورة مباغتة وجدت قوات الاحتلال نفسها في مرمى كاميرات الفلسطينيين والنشطاء والصحفيين، التي توثق كل جريمة، وتحطم الأكاذيب التي يبثها الإعلام الصهيوني فلم يكن وضع جنود القسام كاميرات على رؤوسهم مجرد مصادفة، بل جزءًا من خطة استراتيجية مدروسة لهزيمة الاحتلال نفسيًا وإعلاميًا، وتصوير لحظات اقتحام المستوطنات وقتل الجنود، ليصبح جيش الاحتلال تحت ضغط مزدوج: نيران المقاومة في الميدان، وفضح جبنهم وهزيمتهم بالصورة أمام العالم وهذا ما أوجع الاحتلال بصورة مؤلمة حيث أن الصورة الفلسطينية تحوّلت من طفل يبكي أمام منزل مهدّم، إلى مقاتل يتقدّم بشجاعة في أرض المعركة، يحرر الأسرى، ويهز أسطورة الأمن الصهيوني وهكذا، أغرق الفلسطينيون الاحتلال في بحر من الهزائم المرئية التي لن ينساها حتى لو حاول محوها بأكاذيبه المعتادة.
الاحتلال يفشل في ترويج دعاية "الضحية"
بين أكتوبر 2023 وسبتمبر 2024، وبينما كان جيش الاحتلال الإسرائيلي يواصل حملة إبادة جماعية على قطاع غزة، يمطرها بالصواريخ والدمار، محوّلًا حياة مليوني إنسان إلى جحيم يومي، كانت وزارة خارجية العدو الصهيوني تخوض حربًا من نوع آخر، لكنها على جبهة الإعلام العالمي حيث، قررت تلك الوزارة إضافة نيران دعائية إلى المشهد الدموي، عبر شن حملة علاقات عامة دولية تهدف إلى شيطنة المقاومة الفلسطينية وتجميل صورة الاحتلال، الذي بالكاد يستطيع إخفاء وجهه الحقيقي وسط ركام البيوت وأشلاء الضحايا.. وفي أوج هذه الحملة، نظمت الخارجية الإسرائيلية جولة ميدانية لعشرات الصحافيين الأجانب، حرصت خلالها على استعراض ما وصفته ب"آثار الهجوم" على المستوطنات المحيطة بغزة في 7 أكتوبر، متجاهلة في الوقت نفسه قصف طائراتها الحربية الذي لم يتوقف عن استهداف الأحياء السكنية والمدنيين في القطاع المحاصر.
كان المشهد أشبه بمسرحية دعائية مدروسة، تهدف إلى تقديم الاحتلال كضحية "مغلوبة على أمرها"، بينما تتصاعد أعمدة الدخان من غزة جراء القصف المتواصل ولأن الدعاية تحتاج إلى غطاء دبلوماسي، كان وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين يجوب العالم، يلتقي نحو 250 صحافيًا أجنبيًا، ويتواصل مع عشرات وزراء الخارجية، في محاولة لإقناعهم برواية الاحتلال البائسة التي تصوّر جيشه كضحية بينما تتحول غزة إلى مقبرة جماعية تحت وطأة الغارات وعلى جبهة أخرى، كان الدبلوماسيون الإسرائيليون في الخارج يخوضون سباقًا محمومًا مع الزمن، حيث قدموا أكثر من 420 مقابلة صحافية لمختلف وسائل الإعلام الدولية، وكأن عدد الشهداء الفلسطينيين يحتاج إلى مقابلات دعائية تعادلهم في الظهور الإعلامي.
إعلام عربي بنكهة عبرية
من قال إن الانحياز للرواية الصهيونية يقتصر على إعلام تل أبيب.. فبعض الأنظمة العربية قررت ايضاً بصورة فاضحة عقب انطلاق عملية "طوفان الاقصى" أن تخوض التجربة بنفسها وتنتج نسختها من "الإعلام المتصهين"، ولكن بلمسة محلية، تنضح بنفاق التطبيع وخطاب العار فمنذ أن ألقى التطبيع أشرعته على شواطئ بعض الدول العربية أصبح إعلام هذه الدول أشبه بفرع محلي ل"القناة 14" الصهيونية، لا تفوته فرصة لتشويه المقاومة الفلسطينية وتسويق روايات الاحتلال بحماسة تفوق حماسة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي قناة "MBC" السعودية، التي لا تكف عن التبشير برسائل "التسامح"، فجّرت قنبلة من العيار الثقيل حين بثت تقريرًا بعنوان "ألفية الخلاص من الإرهابيين"، وصف فيه الشهيد البطل يحيى السنوار، قائد حركة حماس، ب"مصاص الدماء" الذي "تخلص العالم من شره" كأن كاتب التقرير جلس على مكتب الناطق باسم جيش العدو الإسرائيلي واقتبس خطابه حرفيًا، مع إضافة بعض "البهارات" الإعلامية لجذب المشاهدين المفاجأة أن هذا التقرير أثار موجة غضب لم تكن القناة تتوقعها، ما اضطرها لحذفه والإعلان عن "تحقيق داخلي" أما قناة "العربية"، فهي منذ زمن طويل تقدم أداءً احترافيًا في مهمة قلب الحقائق فمع بدء معركة "طوفان الأقصى"، تحولت إلى منصة لترويج مصطلحات الاحتلال مثل "العنف المتبادل" و"الإرهابيين الفلسطينيين"، وكأنهم يعيدون بث بيانات جيش الاحتلال الإسرائيلي مع ترجمة عربية ركيكة حيث بلغت جرأة القناة حد التشكيك في مجزرة المستشفى المعمداني بغزة، التي استشهد فيها أكثر من 500 فلسطيني وبينما كانت الصور والفيديوهات توثق بشاعة الجريمة، خرجت "العربية" لتطالب "بانتظار نتائج التحقيق"، قبل أن تتبنى الرواية الصهيونية بأن صاروخًا فلسطينيًا هو من أصاب المستشفى.
الإمارات رأس الحربة التطبيعية
الإعلام الإماراتي لا يكتفي بالترويج للتطبيع، بل يتفنن في شيطنة الفلسطينيين من خلال مقالات وتصريحات تساوي بين الجلاد والضحية، لا يتورع كتّاب وصحفيون إماراتيون عن تصوير الاحتلال ك"دولة مسالمة تدافع عن نفسها" والمقاومة ك"إرهابيين يختبئون خلف الأطفال" فقد جاءت عملية طوفان الاقصى وحدث استشهاد القائد البطل المجاهد يحيى السنوار في غزة ليكشف عن حقد متأصل لدى الإعلام الإماراتي على المقاومة ورموزها، وكأن مقاومة الاحتلال أصبحت جريمة يعاقب عليها هذا الإعلام أكثر من الاحتلال نفسه وفي هذا المناخ المتصهين، تتوالى الرسائل الإعلامية التي تساوي بين الجلاد والضحية،فعلى سبيل المثال، خرجت صحيفة "الاتحاد" بمقال عنوانه "شعب غزة.. وثالوث الظلم"، حيث يرثي الكاتب حال الفلسطينيين، محمّلاً المقاومة نفس مسؤولية الاحتلال الصهيوني عن معاناتهم.. يقول الكاتب بوقار مصطنع: "إسرائيل تحرق الشعب، والمقاومة تحرقه بالأيديولوجيا" ولا يكتفي الإعلام الرسمي بهذا، بل يجد من يتطوع لدعم الرواية الصهيونية، مثل ضاحي خلفان، الذي أصبح خبيراً استراتيجياً في نقد المقاومة ففي تغريداته على منصة "X"، يهاجم "حماس" لأنها "قلبت القضية لصالح العدو الصهيوني".
ومع خلفان، ينضم وسيم يوسف إلى المعزوفة بتغريداته التي لا تكتفي بمهاجمة المقاومة بل تبرر استهداف المدنيين في غزة، وتلقي اللوم على الفلسطينيين لأنهم "أطلقوا الصواريخ من المناطق السكنية"، وكأنهم يملكون رفاهية الحروب النظيفة التي تنطلق من ملاعب الغولف أما الصحافة الإماراتية، فقد خصصت مساحات واسعة لكتاب متصهينين ينافسون الإعلام الإسرائيلي ذاته في تبرير العدوان.. هاني مسهور..حسين الحنشي..وسعيد بكران، وغيرهم ممن اعتنقوا الصهيونية الفكرية بحماسة تثير الدهشة، حتى أنك قد تجد في مقالاتهم تحليلات تفوق في تعقيدها ما تقوله قنوات الاحتلال حيث لا تتوقف الحملة عند الإعلام التقليدي، بل تنتقل بسلاسة إلى مواقع التواصل، حيث نشطت حسابات تروج للرواية الصهيونية وتهاجم الفلسطينيين بلا هوادة،والأمر ليس جديداً؛ ففي ذروة معركة "سيف القدس" عام 2021، بينما كان المجاهد الشهيد إسماعيل هنية يلقي خطاباً حول صمود المقاومة، اختارت "سكاي نيوز عربية" بث خطاب نتنياهو وتهديداته، ثم أضافت بثاً مفتوحاً لقيادات جيش الاحتلال، وكأنها قناة رسمية للناطق العسكري الصهيوني أما المواجهات في القدس والعدوان على غزة، فقد كان لها حظ وافر من التجاهل في صحف ومواقع مثل "العين" و"الإمارات اليوم"، التي فضّلت التركيز على حملات إلكترونية تهاجم الفلسطينيين وتتعامل مع العدوان وكأنه خبر طقس عابر ليتضح للمتلقي العربي بأن الإعلام الإماراتي لا يكتفي بمصافحة الاحتلال على الملأ، بل يحرص على طمأنة تل أبيب بأنه متطوع جاهز لخدمة الدعاية الصهيونية.
دراما "الخيانة على الهواء"
إذا كان بعض الإعلام الخليجي حديث عهد بالتطبيع، فإن بعض القنوات الفضائية المصرية تعيش "شهر عسل طويل" مع الرواية الصهيونية وفي معركة "طوفان الأقصى"، تحول بعض الإعلاميين المصريين إلى أبواق صهيونية بامتياز، يتسابقون في تحميل المقاومة مسؤولية الجرائم التي يرتكبها الاحتلال دون خجل أو تورية، ولأن السيرك الإعلامي يحتاج إلى نجوم، فقد تصدر المشهد إبراهيم عيسى، هالة سرحان، داليا زيادة، وخالد منتصر، برفقة مجموعة من "نشطاء السوشيال ميديا"، يتقدمهم وائل غنيم، الذي يبدو أنه قرر العودة إلى دائرة الأضواء عبر بوابة الهجوم على المقاومة في برنامجه "حديث القاهرة" على قناة "القاهرة والناس"، تفنن إبراهيم عيسى في تحريضه العلني ضد المقاومة، ووصل به الحماس إلى وصف حركة حماس بأنها "أكبر خائن للقضية الفلسطينية" وبدلاً من الحديث عن الاحتلال أو المجازر اليومية، اعتبر عيسى أن "حماس أحرجت العدو الصهيوني أمنيًا، لكنها مقاومة غير عاقلة وغير رشيدة"، ولم يكتفِ عيسى بذلك، بل واصل حفله النقدي بالقول إن "حكومة حماس رخصت موت شعبها"، واصفًا قادة الحركة بأنهم "عصابة وشيوخ منسر"، مضيفًا بسخرية لاذعة أن ما تفعله حماس هو "تصفية للقضية الفلسطينية" أما داليا زيادة، مديرة ما يُسمى "المركز المصري للدراسات الديمقراطية الحرة"، فقد قررت أن ترفع شعار "السلام للجميع" – باستثناء الفلسطينيين طبعًا وفي تصريحات متلفزة، وصفت المقاومة الفلسطينية ب"الإرهاب"، وأعلنت بفخر أن "إسرائيل" في نظرها جار وصديق وشريك مهم جدًا لمصر وأضافت، وكأنها تقدم درسًا في نسيان التاريخ: "نعم، كان بيننا حرب في يوم من الأيام، لكن بينا سلام عمره أكثر من 40 سنة"، متجاهلة تمامًا أن هذا "السلام" لم يُنهِ الاحتلال أو يمنع المجازر.. فيما لم يتأخر أحمد موسى عن الانضمام إلى الجوقة في برنامجه "على مسؤوليتي"، خصّص حلقة كاملة للهجوم على يحيى السنوار بعد استشهاده، واصفًا إياه بأنه "إرهابي قاد ميليشيات قتلت شهداءنا الأبطال"أما أحمد الطاهري، رئيس قطاع الأخبار في الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، فقد اختار أن يعبر عن موقفه بطريقة أقل صخبًا وأكثر غموضًا، حيث كتب على "فيسبوك" بعد استشهاد السنوار: "رحم الله شهداء هذا الوطن في سيناء، قالوا نموت ولا يدخل مصر خسيس وجبان".
مليارديرات في مهمة إنقاذ صورة مهترئة
بعد خسارتها المدوية في "حرب الصورة" وغرقها في مستنقع الفضائح المرئية التي كشفت جبن جنودها وجرائمها في غزة، هرولت "إسرائيل" نحو آخر أوراقها: مليارديرات يهود من أمريكا وأوروبا، في محاولة يائسة لترقيع سمعتها المهشّمة ظهر رجل العقارات الثري باري ستيرنليخت ليقود حملة إعلامية فخمة تهدف إلى "تلميع" صورة الاحتلال وشيطنة المقاومة الفلسطينية، أو بالأحرى، لإنقاذ بقايا ما يمكن إنقاذه بعد أن امتلأت شوارع العالم بمظاهرات صاخبة تهتف ضد العدوان الصهيوني وفي مشهد يليق بفيلم درامي بائس، أطلق ستيرنليخت على الحملة اسمًا مضحكًا بقدر ما هو زائف: "حقائق من أجل السلام"، وكأن الحقيقة ليست واضحة في صور المستشفيات المدمرة والأطفال الذين تنتشلهم المقاومة من تحت الأنقاض. الهدف من الحملة؟ جمع ملايين الدولارات من كبار أثرياء الإعلام والتكنولوجيا والبنوك، لترويج روايات مختلقة تحاول تصوير الاحتلال ك"ضحية" والمقاومة ك"الشر المطلق".
وطبقًا لموقع "سيمافور"، اجتمع أكثر من 50 ملياردير بثروات تتجاوز 500 مليار دولار، في مشهد أشبه بمؤتمر لتبييض الأكاذيب. من بينهم إريك شميدت، الرئيس السابق لشركة غوغل، ومايكل ديل، رئيس شركة "ديل"، وآخرون قرروا أن الاستثمار في صناعة الأكاذيب قد يكون أكثر ربحية من الاستثمار في التكنولوجيا لكن رغم الأموال الطائلة، والقصص الملفقة، واللوبي الإعلامي الضخم، اصطدمت هذه الحملة بحائط اسمه "حرب الصورة" فقد استطاع إعلام المقاومة، وعلى رأسه "ح.ماس" أن يدير معركة إعلامية محكمة سحقت فيها الماكينة الدعائية الصهيونية ومعها فريق المنابر العربية المتصهينة، التي كانت تردد ببغائية خطاب الاحتلال لتكون خاتمة الشمهد الكيان الصهيونى عاري من أي مظلومية، بينما الفلسطينيون يقاتلون ببسالة لتحرير أرضهم، وصورة باتت أشد وقعًا من الرصاص لأنهم يعرفون أن الحقيقة أقوى من الدبابات، وأن شجاعة المقاوم في الميدان تعجز كل الأكاذيب عن طمسها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.