فيما يتصل اجمالاً بمجمل المواقف الأمريكية المُتذبذبة وسياسة واشنطن التي انتهجتها في مراحل عديدة تجاه "منطقة الشرق الأوسط" وأزماتها المتتابعة وقضاياها المُختلفة وشتى مُجريات وتطورات الأحداث فيها، فإن تلك المواقف والسياسة الخارجية الأمريكية عادةً تخضع لمحددات قواعد اللعبة السياسية المعروفة ومُتطلبات الضرورات الملحة الخاصة بكل مرحلة التي تضمن خدمة مصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية في المنطقة والعالم، فضلاً عن حسابات الربح والخسارة التي تنطلق من قاعدة نفعية اسمها "البراغماتية" النفعية وتكون مدفوعة بعوامل الشره والنهم الإمبريالي المعروف في استغلال الشعوب واستعمار وإخضاع البلدان بالقوة لرغبات "العم سام" وإرادته أولاً وأخيرا . ويذهب بعض المحللين السياسيين إلى التأكيد بأن التعاطي والتعامل الأمريكي، مع الأزمات المختلفة في الشرق الأوسط، كان ولا يزال يتسم بنوعٍ من التعقيد والتغير المستمر تبعًا لضرورات خدمة المصالح الأمريكية واستمرارها وحمايتها من أي أخطار قد تهددها هنا أو هناك، حيث تُؤكد واشنطن أنها لا تسكت ولن تسمح بالمساس بمصالحها الحيوية في منطقة الشرق الأوسط والعالم، وتلوح دائمًا باللجوء إلى استخدام القوة وتوجيه الضربات الإستباقية لكل من ترى فيه خطراً وتهديداً مباشراً لمصالحها في الزمان والمكان الذي تختاره وتحدده. وبحسب عدد من المحللين المهتمين بالشأن الأمريكي، فهناك الكثير من العوامل والدوافع التي تتفاعل مع بعضها لتُشكل موقفًا أمريكيًا يكون منسجمًا مع الغايات ومصالح الولاياتالمتحدة من قضايا المنطقة وأزماتها المختلفة، ابتداءً من "المصالح الإستراتيجية الأمريكية السياسية والإقتصادية والعسكرية في هذه المنطقة، مروراً بعلاقات أمريكا مع الدول العربية ودولة الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين المُسماة (إسرائيل)، صولاً إلى مجمل التطورات الإقليمية والدولية الأخرى التي يكون لأمريكا فيها مواقف وحضور لافت وقوي، وتأثير مباشر وغير مباشر يفرض نفسه في كل الأحوال بالطريقة والشكل الذي تُريده وتُقرره واشنطن . وإذا كانت بريطانيا الملعونة ، هي صاحبة البذرة الخبيثة والفكرة الشيطانية المشبوهة لإنشاء "وطن قومي" يجمع شتات اليهود في العالم، قد نجحت فيما خططت وسعت إليه طويلاً، حيث عملت بريطانيا بالتعاون والتنسيق مع "الحركة الصهيونية العالمية" ومع شركائها في الإثم والجريمة من الدول الإستعمارية الأخرى كفرنسا وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال وبلجيكا وألمانيا وغيرها، على تحويل "فكرة إنشاء دولة لليهود في فلسطين" إلى حقيقة وفرضتها كواقع مُعاش على العرب والمنطقة وفي التوقيت المناسب، واتبعت من أجل ادراك غايتها هذه عدداً من الطرق والوسائل التي أتيحت لها حينها، ومن بينها نفوذها الإستعماري العالمي وتأثيرها القوي والمباشر على سير الأحداث الدولية ومساراتها كقوة عظمى وامبراطورية استعمارية غاشمة، فإن أمريكا لاحقًا تبنت تلك الفكرة والواقع الذي فرضته بريطانيا بزرع كيان غريب هجين في قلب المنطقة اسمه "إسرائيل"، واعلنت منذ قيامها في عام 1948م، عن تبنيها والإلتزام بدعمها وحمايتها وعدم السماح بما يقوض وجودها، وقدمت لها بسخاء مساعدات إقتصادية وعسكرية بمليارات الدولارات، ولا زالت تدعمها بكل ما تحتاجه من سلاح وتقنيات وامكانيات مختلفة تضمن تفوقها على العرب والحرص على أن تبقى إسرائيل وتستمر مصدر اقلاق واشغال لدول المنطقة وشعوبها ، وشرطي حامي وحارس لمصالح أمريكا والغرب على المدى الطويل . وليس بخافٍ على أحد أن الدعم الأمريكي اللامحدود لهذا الكيان الإستعماري المُصطنع واللقيط المُسمى (إسرائيل) بدأ منذ وقت مبكر وتزامن مع اللحظات الأولى لإعلان قيامه في فلسطين في مايو 1948م، ويُعد الرئيس الأمريكي "هاري ترومان" أول رئيس في العالم يعترف بدولة الكيان الصهيوني، بعد لحظات فقط من اعلان قيام دولته في فلسطين، ودشن بذلك سلسلة طويلة ومستمرة من المساعدات الأمريكية "لتثبيت أقدام إسرائيل في المنطقة، تضمنت منحها نحو 6' 158 مليار دولار أغلبها لضمان تفوقها العسكري النوعي واستدامة أمنها ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط، حيث تنظر أمريكا لإسرائيل كربيبتها وكحليف استراتيجي لها، وتحرص على دعمها بكل شيء، بل وتتبنى مواقفها ووجهة نظرها وسياستها العدوانية تجاه دول وشعوب المنطقة، وتشرعن جرائمها وتغطي عليها، وتستخدم نفوذها لحمايتها من اي ملاحقات وعقوبات دولية قد تفرض عليها، وتعتبر ما تقوم به من جرائم بحق الفلسطينيين وبقية العرب "دفاع عن النفس"، حتى قيل أنه لولا وقوف أمريكا المستمر خلف إسرائيل ودعمها اللا محدود لها بالمال والسلاح وغير ذلك من المساعدات، لكانت إسرائيل قد سقطت منذ زمن ولما استمرت إلى الآن، وهذه حقيقة دامغة لا مراء فيها ! . ..... يتبع ....