أيُّ حضارةٍ من الحضارات إن لم تُقم على التربية والثقافة والتراث، سرعان ما تتلاشى وتندثر؛ فالثقافة هي العامل الحقيقي فيما وصلت إليه البشرية من رقيٍّ فكري ومهني وثقافي، وعمراني واجتماعي وتقني شمل شتّى مناحي الحياة. فالثقافة – كما عرّفها بعض الفلاسفة – هي كل ما صنعته يد الإنسان وعقله وفكره من أشياء، ومن مظاهر في البيئة الاجتماعية، وكان لها دور فاعل في العملية الاجتماعية. فالثقافة هي المحرّك الأساسي للفعل الإنساني، بل هي مقياس تحضّر ورقيّ وتقدّم الأمم والشعوب. فالأمم الراقية تربويًا وثقافيًا هي التي استطاعت أن تأخذ بتلابيب الثقافة في شتّى جوانبها الإنسانية والعلمية والفكرية. ومن هنا نُدرك خطورة عولمة الثقافة؛ فالهيمنة العالمية المعاصرة على واقع الشعوب والأمم ليست هيمنة عسكرية أو اقتصادية فقط، بل هي نسيج من الهيمنة الثقافية وتحويرها لصالح العولمة المعاصرة. كما أن التربية هي عملية حفظ التراث ونقله من جيل إلى جيل آخر، وهي واسطة نقل الثقافة والتراث الحضاري من الجيل القديم إلى الجيل الجديد، ضمانًا لصونه ومنعًا من اندثاره. وكما للتربية أهدافها، يجب أن تُشبع حاجات ورغبات الفرد، وتعمل على تعديل سلوكياته واتجاهاته نحو الرقي والسمو الأخلاقي والإنساني؛ لأن التربية قبل التعليم، فإن لم يستجب الفرد فلن يتعلّم، ولن يرتقي. ومن هنا لا بد أن تُنمّى لديه مهارات القراءة والكتابة والبحث والتطبيق؛ إذ لا فائدة من تعلّم وتراث وثقافة لا تُطبَّق في الحياة اليومية. فالتربية، إذًا، هي عملية تطبيع مع الجماعة وتعايش مع الثقافة، وبهذا يتميّز المجتمع بالرقي والحضارة، وهي في نهاية المطاف النتاج الذي نُشكّل به أنفسنا وعلاقاتنا الاجتماعية، ومن ثم أجيالنا الصاعدة. ومن هنا نُدرك أهمية التربية؛ لأنها البوابة التي تلج الثقافة من خلالها إلى الفرد. فالتربية وثيقة الصلة بالثقافة، ويؤثّر كلٌّ منهما ويتأثّر بالآخر. فالتربية هي الميدان الذي تتم من خلاله صياغة الشخصية الإنسانية بكل مقوماتها العقائدية والأخلاقية والسلوكية. ومن هنا نُدرك أهمية التربية في انتقال الفرد من طور الفردية البيولوجية إلى طور الشخصية السيكولوجية والاجتماعية والفكرية، وبهذا نصل إلى توجيه غرائزه وتنظيم عواطفه وتنمية ميوله بما يتوافق مع ثقافة وعادات وتقاليد المجتمع الذي يعيش فيه. صفوة القول: التربية فن، والفن – كما هو معروف – التعبير الجمالي عن المدركات والعواطف، ونقل المشاعر والأحاسيس والمعاني للآخرين بأسلوب رائع ومتميّز. وخلاصة الخلاصة: إن التربية عملية شاملة تستخدم كل الحقائق العلمية والنفسية والأدبية والمهارات الفنية لإنشاء شخصية إنسانية متّصفة بجميع الصفات والعوامل اللازمة لتكوينها. نافذة شعرية: تمرّغي أيتها الكلاب في الوحل، وقبّلي أحذية الملوك.. أيتها الأشباح، أرى بعين الغيب بلادًا تحوم حول رأسها النسور، يُسلخ جلدها وتُشوى حيّةً في النار.. أرى الثعابين على الأسوار، والملك الحمار يُباع في الأسواق.. البشر الفانون يولدون من وجع الأرض، تعوي كلابهم على الأطلال، مقطوعة اليدين، يعلو وجهها التراب، والخزي والعار.. فلتمطري أيتها السحابة أيّان شئت، فخراجك يأتي إلينا أنّى شئت..!! بتصرّف: