ما يزل ملف قضايا موظفي المؤسستين العسكرية والمدنية في جنوباليمن يراوح مكانه لما يزيد عن العقدين من الزمن.. اقصاء وتهميش وابعاد واحالات قسرية للتقاعد المبكر طالت الموظفين والعمال الجنوبين في كافة المؤسسات بعيد وحدة الظلم والالحاق في 22 مايو /آيار 1990م. وكانت المؤسستين العسكرية والأمنية ومنتسبيها الهدف الأول من الحرب التخريبية والتدميرية التي قادها نظام علي صالح ضد الجنوب، وذلك لما كان لهاتين المؤسستين من ميزات وقدرات عسكرية وفكاءات ومؤهلات، جعلها تمثل أنموذجا يشار إليه بالبنان في المنطقة في العتاد العسكري والتأهيل والذي يتجاوز قوامه المائة ألف ضابط وصف وجند. وهيمن طرف الوحدة على السلك العسكر والأمني بمفرده بعد أن تخلص من هذه القوة بصورة حاقدة، منتهجا في ذلك طريقة التدمير مع مصادرة اصولها وكامل املاكها، والمقدرة بمليارات الدولارات. وبذات الإسلوب تم تدمير المؤسسات المدنية والتي يتجاوز عددها ال 20 مؤسسة اقتصادية ومصنع. وما بين تسريح وتقاعد مبكر وتهميش أو الحاق أو بما بات يعرف بعد الحرب في الشارع الجنوبي بجماعة (خليك في البيت)، سقط موفظفوها وعمالها، في حين آلت املاك المؤسسات، وأرصدتها لعلي صالح وزبانيته. وقد طال هذا الاقصاء الجنوبين في الرئاسة وفي الوزارات السيادية كالخارجية والداخلية والمالية، ومن وظف فيها، يجرد من أي صلاحيات، ولا سلطة له. وعزا الكاتب الصحفي المعروف عبدالقوي الأشول" بأن السبب الرئيس لقضاء علي صالح على الجيش الجنوبي، هي العقيدة الوطنية الراسخة التي كان يتمتع بها هذا الجيش، والمتعارضة تماما مع المشروع الذي سعى صالح لتنفيذه في الجنوب، وستقف ضده، وفي المقابل بنى جيش يدين باللواء المطلق للعائلة، تمكنهم من بسط نفوذهم والاستحواذ على الأموال العامة والخاصة. وأشار الأشول بإن النهج الذي اتبعه في تعليقه لعدن برس بأن نظام صنعاء بعد الوحدة والحرب على الجنوب أكد بمالا يدع مجالا للشك بأن الوحدة هدف منها بدرجة رئيسة النهب والسطو على ثروات الدولة الجنوبية النفطية والمعدنية وثرواته السمكية، وكذا عقاراته وأراضيه، والتي سيطر عليها قبل أن يوزيعها كغنائم حرب لبطانته تحت مسميات عدة، أبرزها مسمى الاستثمار، وأثبتت الأيام بأن لا مشروع استثماري انجز على الأرض، بقدر ما كانوا يمارسون تجارية فاضحة، جالبة لهم ملايين الدولارات، ناهيك عن الثروة السمكية والتي كانت تحت تصرف أزلام صالح بشكل كامل، فضلا عن جلبهم لشركات صيد استثمارية أجنبية مارست بكل عبث بهذه الثروة من صيد جائر وجرف عشوائي لمراعيها في مياه البحر العربي المطل على المحيط الهندي وكذا البحر الأحمر، وهذا النهب والسطو طبق أيضا على مؤسسات المدنية وكذا العسكرية وبصورة فاضحة، وما المؤسسة العسكرية الاقتصادية إلا أنموذجا لاطماع صالح واتباعه. فقد احتوت هذه المؤسسة الوهمية العائلة اصول عدة من ممتلكات الدولة الجنوبية منها ممتلكات وزارية وثروات أخرى وكل ما نالته ايدهم من اصول وزارة التجارة الجنوبية ووزارة الصناعة كالمؤسسة العامة للملح والجمعيات الاستهلاكية، والفنادق السياحية والشاليهات وكذا الأرض العقارية التابعة لتلك المؤسسات، كل هذه المؤسسات اصبحت في قبضة ما يسمى ب" المؤسسة الاقتصادية العسكرية، والتي أصبحت جميع عائداتها لا تورد للدولة بل لشخص علي صالح، محولين في المقابل موظفي وشعب الجنوب ما بين موظف مسرح أو مقصي، أو بلا عمل، مع التعمد في نشر الفقر والبطالة والفوضى والفساد على نطاق واسع". * مطالبة بإصلاحات وأدت عمليات الاقصاء والتهميش المتعمد لموظفي الموسستين العسكرية والمدنية في الجنوب في اعقاب وحدة الظلم والالحاق وما تبعها من حرب في صيف عام أربعة وتسعين، إلى تولد حالة من الغليان والرفض الشعبي، بدءأ بالمطالبة بالاصلاح والمطالبة بمعالجة بعض القضايا المتعلقة بحقوق المبعدين والمسرحين وغيرها، غير أن هذه المطالب قوبلت بالرفض ونعت اصحابها ب"الانفصالين، كما جوبهت تظاهراتهم الحقوقية بالقمع الوحشي والقتل والسجن والتعقب، في ظل غياب تام للحلول لقضاياهم سوى من بعض الترقيعات المنقوصة فقط. وأشعلت اساليب الظلم والصلف والجبروت الذي مارسته عصابات صالح ضد أبناء شعب الجنوب- تحت مسمى الحفاظ على الوحدة- جذوة الثورة الجنوبية، بتشكيل الحراك الجنوبي عام 2007م، للمطالبة باستعادة الدولة الجنوب بفك الارتباط عن الوحدة اليمنية، والتي تمت بين دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية، في 22مايو/آيار 1990م، بعد أن كانت مجرد مطالب حقوقية ليس إلا. وذلك من خلال تنفيذ الفعاليات وتظاهرات المليونية والتي تجاوزت ال13 مليونية، وبرغم النهج السلمي الذي انتهجه الثوار الجنوبيين إلا أنهم جوبهوا من قبل نظام صنعاء بلقتل والقمع، والسجن، سقط خلالها ما يزيد عن الألف شهيد وأضعافه من الجرحى والمعاقين والمعتقلين. * مسكنات ويأمل الموظفون العسكريون والمدنيون الجنوبيون بشكل عام والمبعدين والمحالين للتقاعد المبكر والقسري من المؤسستين بشكل خاص، خيرا في الشرعية ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي بحل قضاياهم وإنهاء معاناتهم والتي تزيد عن عقدين ونصف من الزمن، إلا أنهم تفاجؤوا بحلول ترقيعية وللبعض منهم فقط، ليبقى الوضع برمته كما هو عليه. سعيدة عبدالله عبده موظفة في المؤسسة العامة لتجارة مواد البناء والتي كان مقرها في مدينة القلوعة بالعاصمة عدن تقول كانت مؤسستنا من انجح المؤسسات، ولها فروع كثيرة في عدن الصغرى (البريقة) والمعلا، والمنصورة، وكالتكس، كما كان لها ايضا الكثير من المخاز، وأرضية في منطقة الدرين فضلا عن كونها مؤسسة مستقلة ماليا وإداريا. وتضيف "كنت في هذه المؤسسة وفقا للدرجات الوظيفية رئيسة قسم، وبمرارة تواصل حديثها بالقول:" لقد تم تدمير مؤسستنا بعد الحرب مباشرة بتغيير مديرها بمدير جديد محسوب على نظام علي عبدالله الصالح والذي عمل جاهدا منذ توليه على تدمير المؤسسة بشكل ممنهج وبأكثر من وسيلة، كغيرها من المؤسسات والمصانع الجنوبية، وذلك من خلال احالة الكثير من الموظفين إلى التقاعد المبكر أو بتسريح البعض بعد اعطائهم جزء من حقوقهم حتى اصول وأرصدة المؤسسة لا ندري كيف تم التصرف بها أو أين ذهبت". "احالوني كغيري إلى التقاعد المبكر وبراتب لا يتجاوز ال 35 ألف ريال فقط ولم اجد أي معالجة حتى يومنا، مع مطالباتنا المتكررة وسنستمر بالمتابعة وفي حال لم يتم التواجب معنا واعطائنا الحل العادل سنلجأ إلى التصعيد حتى نيل كافة الحقوق المستحقة". تقول سعيدة. ويرى أحمد سالم فضل رئيس لجنة متابعة قضايا موظفي وعمال القطاع العام المحاليين للتقاعد القسري بأن تشكيل هذه اللجنة جاء بهدف متابعة قضايا موظفي القطاع العام من هذا الشريحة الاجتماعية التي تعرضت ومازالت تتعرض لسلب حقوقها المشروعة بالعيش الكريم لها ولأ سرها، وهضم ومصادرة حقوقهم بشكل مستمر منذ اعلان مايسمى ب"مشروع الوحدة اليمنية، مرورا بحرب 1994م وما تلتها من احداث مأساوية. وأشار رئيس لجنة المتابعة وهي لجنة شكلت في الإسبوع الأخير من الشهر الماضي بأن كل هذه المعاناة التي يواجهها الألآف من العمال ناتج عن التدمير الممنهج الذي تعرضت له وسائل ومنظومة اقتصادية شاملة كانت تمثل إحدى الركائز الرئيسة التي يستند اليها النظام السابق في اليمن الديمقرطية،"مضيفا" لقد كشر نظام المخلوع صالح أنيابه مبكرا على هذا القطاع واطاح به .. والمؤسف حقا أن شريك مشروع الوحدة (الحزب الإشتراكي ) آنذاك قد تخلى عن هذه المنظومة الاقتصادية، وكان في موقف المتفرج حتى تمت الاطاحة به لاحقا. وتابع بالقول:" إن موظفي وعمال القطاع العام مورست عليهم سياسة التجويع ليس لذنب ارتكبوه ولكن لكونهم كانوا موظفين وعمال ضمن الدولة الاشتراكية السابقه في الجنوب واللذين صدرت بحقهم كثير من الفتاوي من قبل المنظومة الدينة اليمنية، منها هذا الاسلوب الموت البطي عبر التجويع، ولهذا فإن هذه الشريحة تناشد كافة القوى السياسية والشرائح الاجتماعية الجنوبية الأخرى بالوقوف مع أبنائهم؛ لاستعادة حقوقهم وانتشال كثير من الأسر التي تعاني من هذا الظلم والذي يتمركز وجودها في المدن الرئيسة للجنوب وفي مقدمتها العاصمة عدن. ويواصل فضل حديثه لعدن برس مستعرضا دور لجنته قائلا بأن لجنة المتابعة "قد اعدت برنامج للخطوات اللاحقة وسيتركز بملفين اثنين اساسيين هما: الأول: تنفيذ الفقرة الرابعة من النقاط الإحدى عشرة الخاصة بمعالجة القضية الجنوبية من مخرجات الحاور، والأخرى تتمثل بتجهيز ملفات الأراضي والعقارات التي تم التصرف بها من قبل النظام السابق؛ وذلك لرفع هذه القضايا في المحاكم عند استنئاف اعمالها". وكان عمال وموظفو مؤسسات القطاع العام المحالون للتقاعد الاجباري، قد عقدوا مؤخرا بالعاصمة عدن، اجتماع خاص للوقوف أمام عدد من القضايا المتعلقة بموظفي وعمال المؤسسات والمصانع وشركات القطاع العام والتعاونيات التي تم تصفيتها واحالة موظفيها وعمالها للتقاعد القسري، أو إنهاء خدماتهم بموجب تشريعات النظام السابق المبنية والقائمة على الانتقام السياسي من الجنوب ومؤسساته. وتنص الفقرة الرابعة من مصفوفة النقاط الأحدى عشرة بشأن معالجة القضية الجنوبية من مخرجات الحوار اليمني التي على " التأكيد على سرعة إنجاز اللجنتين المشكلتين للنظر في قضايا الموظفين المدنيين والعسكريين والامنيين المبعدين قسريا من وظائفهم عقب حرب 94م وتعويضهم التعويض المادي العادل واطلاع الرأي العام أولا بأول لكافة الخطوات و الاجراءات المنجزة". وخلص المجتعون على اختيار لجنة بالتوافق لمتابعة القضايا الخاصة. وتكونت اللجنة من: سبعة أعضاء برئاسة أحمد سالم فضل. وأكد المجتمعون في ختام الاجتماع على ضرورة الاستمرار في اللقاءات والاجتماعات والبدء بالخطوات العملية ومنها توجيه عدد من الرسائل إلى الجهات المعنية بهذا الشأن. ويبقى السؤال هل ستشهد هذه الملفات الشائكة حلولا ناجعة في قادم الأيام من قبل رئيسي الدولة والحكومة، أم سيواصلان معاقبتهم لهذه الفئة المقصية من الموظفين بصخرة "سيزيف".