فرانك جاردنر : خبير في شئون الأمن الدولي ويعمل في فريق قناة بي بي سي الإنجليزية ترجمة/ أمين عبدالله يبدو أن تنظيم القاعدة في اليمن وشبه جزيرة العرب لا يزال يرصد حضوراً لافتاً كأحد أكبر الشبكات الإرهابية المنتشرة للقاعدة حول العالم. وفي ظل التحولات الديمقراطية الأخيرة التي يحاول أن يشهدها البلد كخطوة مهمة نحو الانتقال من النظام الديكتاتوري -الاستبدادي- إلى النظام الديمقراطي والمواطنة المتساوية الذي يأمله الملايين من أنصار الثورة, إلا أن هذا التنظيم -القاعدة- المستعصي لا يزال يمارس تقوية نفوذه ووضع يده على مفاتيح القوة والتمدد السريع, والسبب يعود إلى الشلل الكبير الذي تشهده السلطة والحكومة المركزية في اليمن. الواقع يتحدث عن ذلك قلق العالم في مجموعة من التطورات التي تجري على الأرض في الفترة الأخيرة- كما يبدو أن النظام العالمي الجديد أيضاً قد بات فاقداً للقوة, وفي بعض الحالات فقد أهميته أيضاَ. هذا النظام -والدولة أيضاً- يواجه التحدي الآتي من الأعلى من قبل التحالفات والمنظمات الإقليمية والدولية.. ومن أسفل من قبل الميليشيات المتمردة والجماعات الإرهابية, أي أن السلطة اليوم أصبحت موجودة بين أيد عديدة وفي أماكن عديدة. الصورة الواضحة التي تنقلها التطورات في الآونة الأخيرة تقول إن عالم اليوم هو عالم ذو قوة موزعة أكثر مما هي مركزة بشكل متزايد في يد دولة عظمى بحجم الولاياتالمتحدة. لقد وضحت أحداث الحادي عشر من سبتمبر كيف أن استثماراً (صغيراً) من إرهابيين يمكن أن يسبب مستويات غير عادية من الدمار المادي والإنساني, فالكثير من الأسلحة الحديثة تكلفه ليس مفيداً بصفة خاصة في الصراعات الحديثة. القاعدة التمدد في الجغرافيا من جديد يثبت تنظيم القاعدة في اليمن وجزيرة العرب قدرته على الحركة والتوسع واكتساح الأرض والجغرافيا. ميدانياً في الأيام القليلة الماضية كانت ميليشيات إسلامية متطرفة مرتبطة بهذا التنظيم قد عصفت بمدينة (رداع) اليمنية التي لا تبعد عن جنوب العاصمة صنعاء سوى أقل من 100 ميل (160 كيلومتر). الأسوأ من ذلك, وما يؤكد خطورة ميليشيات هذا التنظيم, قيامها باختطاف عدد من الجنود اليمنيين, كما استولت ودمرت الكثير من الأسلحة والمعدات العسكرية ودفعت بالمئات من السجناء الذين صدرت في حقهم أحكام الأعدام خارج سجون المدينة. بعد ذلك قامت عناصر هذه الميليشيات برفع العلم الأسود الذي يمثل حركتهم في أعلى قمة لقلعة تاريخية موجودة في مدينة رداع التابعة لمحافظة البيضاء. هذه النتائج المذهلة في تاريخ القاعدة في اليمن وشبه الجزيرة العربية جاءت على خلفية توسع أنشطتها المتصاعدة في الجزء الجنوبي من محافظة أبين, والتي مازالت معظم أجزاء عاصمتها -مدينة زنجبار- تطمرها المعارك الطاحنة التي تجري أحداثها بين ميليشيات هذا التنظيم وبين قوات الجيش اليمني. حكومة التحول الديمقراطي في المواجهة لاشك أن الحكومة اليمنية الجديدة تواجه سلسلة طويلة من المشاكل والأزمات التي تقف عائقاً أمام التحول الآمن لمجتمعها نحو الديمقراطية وبناء الدولة المدنية وهي من المهام الأولى الملقاة على عاتق هذه الحكومة, حيث منع إنجاز وتحقيق هذه المهمة - الدولة المدنية- ومنذ وقت طويل أتون الصراعات والشد والجذب بين مناصريها وأعدائها, وتجلى ذلك في نزاعات أهلية وطائفية وضعف كبير في صعيد عمل مؤسسات البلد الشرعية والدستورية. احتجاجات عام كامل مطالبة برحيل النظام القائم في البلاد والذي استأثر بالسلطة لأكثر من 33عاماً سبب في شلل للقوة والسلطة المركزية ترافق مع تأهب صالح لمغادرة البلد بعد أن أسند كامل صلاحياته الرئاسية إلى نائبه, واقتراب الموعد الزمني للانتخابات الرئاسية التي جاءت بها بنود المبادرة الخليجية التي مثلث للأطراف المنازعة -كما هي للمحتجين- الطريق الآمن لنقل السلطة السلمي. أحزاب المعارضة والمحتجون لا يزالون يطالبون برحيل أقارب صالح من السلطة والذين يسيطرون على المناصب العليا في الجيش والأمن والمؤسسات الحكومية والمدنية. كما لا يزالون يطالبون بضرورة خضوعهم كاملاً للمحاكمة العادلة. من الصعوبات والإشكاليات البالغة في التعقيد التي تقف في وجه الحكومة الجديدة أيضاً نضرب الموارد الطبيعية للنفط -مصادر الطاقة- وكذلك الماء وهي بشقيها تمثل تحدياً أكبر لتحديد مستقبل البلد. كيانات وحركات شاذة لا يقف مسلسل الصعوبات والأزمات لمستقبل البلد عند هذا الحد, فهناك حركة التمرد الشيعية -الحوثيين في الشمال, ودعوات قوية تطالب بالانفصال في الجنوب, إضافة إلى كل هذا هنالك ركض شديد واستماته قوية لعدد من الفرق والكيانات التي تطيح في الوصول إلى السلطة واعتلاء سدة الحكم في بلد هو الأكثر إنهاكاً وتأزماً في لحظة تاريخية فاصلة سيكتب فيها رحيل الرجل القوي بعد تفرد كامل بالسلطة والتصرف في ثورة البلد في فترة دامت ثلاثة عقود كاملة. القاعدة من جديد يقول سفير اليمن في لندن السيد وليد الرويشان "تواجه الدولة في اليمن عددا كبيرا من المشاكل, إلا أن أكبر هذه المشاكل وأهمها هي: تنظيم القاعدة, ومسألة توسع نفوذه الجغرافي الذي يحاول الآن أن يطمر ويهدد المحافظة الواقعة في الشمال يضاً". عدد من المختصين بشؤون الإرهاب -باحثين ومحللين سياسيين- ينتابهم قلق كبير بخصوص القاعدة في اليمن وشبه جزيرة العرب وما ترافق في الأحداث والمستجدات الأخيرة من التوسع الملحوظ في رقعهم الجغرافي التي أثبتتها الأنشطة المتصاعدة لهذا التنظيم, واستغلاله تردي الأوضاع والفوضى التي يشهدها اليمن. بلا شك هي مؤهلات وجواز مرور تمنح المزيد من الحركة والتوسع أكثر على الأرض, إضافة إلى ذلك سهولة تمكنهم من الاستيلاء على عدد هائل من الأسلحة والمعدات العسكرية التابعة للجيش, ولن يتوانى عناصر هذا التنظيم في تجنيد الكثير من الشباب الذين سيكونون فيظل الوضع القائم لقمة صائغة لهذا التطرف الذي يضرب بجذوره عميقاً في تربة البلد. بين العولقي وإبراهيم عسيري إبراهيم عسيري, اسم لمع في عالم التطرف والإرهاب, وشكل جدلاً واسعاً وتساؤلات عديدة تحاول كشف حقيقة شخصية هذا الاسم. عسيري خبير ماهر يتقن فنيات تصنيع المتفجرات الخاصة بتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية, وحتى اللحظة لا يزال يشكل تهديداً مخوفاً في المنطقة. كما إنه أحد رموز قيادات وعناصر القاعدة المتطرفة ويجيد إلى حد بالغ, وحذر شديد مهمة التزحلق والتسلل في اتجاه الحدود اليمنية. إبراهيم عسيري يجعل الجنسية السعودية, وهو معروف بتصميم وصناعة متفجرات قوية ذكية وخطيرة, يتم استخدامها كحزم ناسف يوضع حول الحوض أو تحت السترة. يجمع الكثيرون أنه هو المصمم للحزام الناسف الذي كان يرتديه ويخفيه النيجيري الجنسية عمر فاروق عبدالمطلب على متن رحلة طيران مدنية متجهة صوب مدينة ديترويت والتي تزامنت مع إحياء احتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة في عام 2009م. كما أنه هو المتهم بتصنيع وتصميم دوائر متفجرات قوية وضعت داخل فيلم ملفوف مخفي في ماكينة طباعة كانت قد شحنت كطرد جوي بريدي متجه إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية. عناصر القاعدة الأخرى التي تقدر ما بين المئات والمنتشرة في منطقة الجزيرة العربية لا يوجد بينها شخصية أو عنصر بحجم وخطورة هذا الشخص. يبقى هناك جزء آخر من عناصر القاعدة والذي يشكل النواة والمركز الرئيسي في مزاولة الأنشطة الخطيرة. هذا الجزء من التنظيم هو من يقوم ويتبنى مهمة التخطيط والتواصل والارتباط بالعمليات الإرهابية الدولية ضمن شبكة التنظيم العالمي. أهم الشخصيات التي ارتبطت بهذا الجناح ومارست أنشطتها المتطرفة على الصعيد الدولي اليمني الذي يحمل الجنسية الأمريكية -أنور العولقي- رجل دين بارز والذي لقي مصرعه على إثر ضربة جوية نفذها طيران أمريكي بدون طيار العام الماضي بالتعاون مع جهاز المخابرات المركزية الأمريكية ال (سي . آي . إيه) . العولقي الذي يطلق عليه الكثيرون في الغرب ب"أسامة بن لادن الجديد" من العناصر الجهادية البارزة, وهو شخصية نشيطة جداً وضف الإعلام: الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي الأخر), إضافة إلى لغته الانجليزية المؤثرة في نشر أفكاره المتطرفة بين فئة الشباب حول العالم حيث حرضهم على القيام بمهاجمة أهداف حيوية في المدن الغربية. الشبكة تتوسع يقول سيحان كوهل وهو عضو في إحدى المنظمات العالمية العاملة في آسيا: إن تنظيم القاعدة في اليمن والجزيرة العربية قد ظهر سريعاً كأحد أكبر الشبكات الإرهابية المنتشرة في العلم". هذا التنظيم يمتلك البنية الاستراتيجية القوية والمصادر التي تؤهله للتجاوز والعبور خارج اليمن. يبدو أن عناصر هذا التنظيم لا تزال تمارس مهمة تقوية نفوذها ووضع أيديها على مفاتيح القوة والتمدد مستغلة غياب الحكومة وشلل السلطة في اليمن. إنها جماعة لازالت تثبت قدرتها في الحركة واكتساح الأرض والجغرافيا. المصدر صحيفة "الناس"