حظيت مؤشرات “الطلاق الاستراتيجي” بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدةالأمريكية بتعزيز جديد يمكن رصده من خلال الزيارة التي بدأها اليوم الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع إلى باريس لحضور اجتماع اللجنة المشتركة بين البلدين التي يرأس الجانب الفرنسي فيها لوران فابيوس وزير الخارجية، لمناقشة أوجه التعاون الاقتصادي والأمني بين البلدين. الأمير السعودي الشاب، الذي ترشحه أوساط دبلوماسية عربية وغربية بأنه سيكون الملك القادم لما يحظى به من صلاحيات قوية، ودعم غير محدود من والده العاهل السعودي الحالي يصل إلى باريس بعد زيارة أخرى قام بها إلى موسكو قبل أسبوعين، وصفت بأنها أحدثت انقلابا استراتيجيا في العلاقات السعودية الروسية، لما تضمنته من اتفاقات في المجالات النووية والعسكرية والنفطية. السياسة السعودية الجديدة التي يتبعها العهد الجديد تتجه إلى كسر الاحتكار “الانجلوسكسوني” وفتح آفاق تحالف استراتيجي مع قوى عظمى جديدة، مثل فرنساوروسيا، ويبدو أن الأمير محمد بن سلمان هو رأس الحربة في تطبيق هذه السياسة الجديدة. وكان لافتا أن أول ثمار زيارة الأمير السعودي لفرنسا هو توقيع اتفاق ببناء فرنسا مفاعلين نوويين في السعودية، وتوقيع اتفاقات أخرى، تتضمن شراء المملكة 23 طائرة هليكوبتر بقيمة 500 مليون دولار، وتوقيع عقود أخرى بأكثر من 12 مليار دولار، وتوقيع 20 مشروعا للبنى التحتية تشمل بناء خطوط سكك حديد، والطاقة الشمسية، وتحديث الأسطول الجوي المدني السعودي بعشرات الطائرات من صنع فرنسي (ايرباص) من مختلف الأحجام. الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي سيستقبل الضيف السعودي في قصر الاليزيه، استطاع أن يكسب عقل القيادة السعودية وقلبها عندما وقف موقفا “صقوريا” صلبا في الملفين السوري والإيراني، ففي الأولى ما زال متمسكا بحتمية إطاحة النظام السوري، وفي الثاني يصر على ضرورة التأكد من إخضاع المفاعلات والمنشآت النووية الإيرانية العسكرية والمدنية لتفتيش صارم يحول دون إنتاج أي رؤوس نووية عسكرية. حضور الرئيس هولاند للقمة التشاورية الخليجية في أيار (مايو) الماضي التي انعقدت في الرياض كان مؤشرا واضحا على التوجه التحالفي السعودي الخليجي مع فرنسا، وتبع هذا الحضور اللافت شراء قطر طائرات “رافال” الحربية الفرنسية بما قيمته 15 مليار دولار، وحذو دولة الإمارات العربية المتحدة الحذو نفسه. من المؤكد أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ترصد هذه التحركات السعودية وتتفهم الرسالة المقصود إيصالها إليها من خلالها، ويظل السؤال الرئيسي هو حول كيفية رد فعلها؟ هناك تفسيران أساسيان في الولاياتالمتحدة ودول أخرى في الغرب لهذه التحركات السعودية: الأول: يقول إن المملكة العربية السعودية غاضبة من التقارب الأمريكي الإيراني المتمثل في الاتفاق النووي المتوقع توقيعه نهاية هذا الشهر، و قررت التعبير عن غضبها بالانفتاح على فرنساوروسيا، وفك شراكتها الإستراتيجية مع واشنطن. الثاني: يؤكد أن المملكة العربية السعودية ما زالت متمسكة بتحالفها الاستراتيجي مع واشنطن الذي يزيد عمره عن 85 عاما، ووضع أسسه الملك الراحل عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، مؤسس المملكة، أثناء لقائه الشهير مع الرئيس الأمريكي روزفيلت عام 1945 وان هذا الانفتاح مع كل من روسياوفرنسا هو مجرد “المناكفة” والتعبير عن حالة الغضب، أو العتب تجاه “الحبيب الأول”. لا شك إن خطوة الانفتاح السعودي على مصادر أخرى للسلاح بعيدا عن الاحتكار الأمريكي تتسم بالجرأة والشجاعة، ولكنها محفوفة بالمخاطر في الوقت نفسه، إذا كانت تمهد لطلاق بائن مع الحكومة الأمريكية على المديين القريب والمتوسط. سباق التسلح في المنطقة بدأ، وبأسرع من كل التوقعات السابقة خاصة في شقه النووي، وبات واضحا أن التقارب الإيراني الأمريكي ليس مجرد التأكد من سلمية الطموحات النووية الإيرانية، وإنما قيام تحالف ايراني أمريكي سياسي وعسكري وامني، ويمكن استخلاص هذه النتيجة بوضوح من خلال حالة “الهلع″ السعودية المتسارعة والمنعكسة في صفقات الأسلحة والانخراط في تحالفات موازية مع روسياوفرنسا، وربما الصين أيضا. افتتاحية رأي اليوم