سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الصمود الإيراني في مفاوضات فيينا النووية يستحق الاحترام بالمقارنة مع تجارب كامب ديفيد وأوسلو العربية المخجلة قد يتضمن الاتفاق آليات أخرى تتعلق بالملف السوري واليمني والعراقي
الكتابة عن إيران، أو أي شيء يتعلق بها، خاصة في ظل تدخلها العسكري لصالح النظام في سورية، و دعمها للتحالف “الحوثي الصالحي” في اليمن، يعتبر من الكبائر في نظر الكثيرين، خاصة أولئك الذين يكرهون أنصار المذهب الشيعي لأسباب طائفية، أو الذين يعادون الفرس من منطلقات قومية، لكن هذا لن يمنعنا من القول أن المفاوض الإيراني الذي صمد طوال السنوات الخمس الماضية في مفاوضات ماراثونية صعبة مع الدول الخمس العظمى، زائد ألمانيا، حول المشروع النووي الإيراني يستحق منا كعرب و مسلمين نظرة مختلفة، لأنه قدم لنا درسا في فن التفاوض نحتاج إلى استيعابه، والتعمق فيه، و استخراج العبر من بين سطوره. الشتم والسباب الذي يسود معظم صحفنا و مواقعنا على وسائط التواصل الاجتماعي من قبل الكثير من العرب، و جيوش سبابهم الالكترونية، لا يفيدنا، و إنما يكشف عن جهل مطبق، و قصور فهم، لان الأمم لا تبني حضارتها و تقدمها، و تؤسس لنهضة معرفية بمثل هذا الأسلوب المغرق في سهولته وسذاجته في الوقت نفسه. المفاوض العربي، سواء المصري أو الفلسطيني، الأول في كامب ديفيد (استغرقت أسبوعين فقط)، و الثاني في أوسلو (استغرقت شهرين)، كشف عن سهولة خديعته، و سرعة نفاذ صبره، و استسلامه للضغوط الأمريكية والإسرائيلية، و تقديم تنازلات إستراتيجية ضخمة تدفع ثمنها الأمتين العربية والإسلامية لاحقا. الاتفاق النووي الايراني مع الدول الست العظمى يواجه صعوبات الربع ساعة الأخيرة في فيينا، حيث يحاول كل طرف لي ذراع الطرف الآخر و الحصول على أكبر قدر ممكن من التنازلات، و لهذا يتم التمديد تلو الآخر، في ظل تمسك الطرفين بمواقفهما حتى اللحظة الأخيرة، والإيراني على وجه الخصوص، الذي من المفترض أن يكون الطرف الأضعف و المحاصر. المشاكل عديدة، و اللقاءات خلف الكواليس بين وزراء الخارجية، سواء وزراء خارجية الدول العظمى مع بعضهم البعض، أو مع الإيراني السيد محمد جواد ظريف، والنقطة الأساسية الأبرز موضع الخلاف، تكمن في رفع الحظر كليا عن إيران، بشقيه العسكري والاقتصادي فورا، وعدم عودته التلقائية إلا بقرار من مجلس الأمن الدولي، مثلما يطالب الجانب الإيراني. الولاياتالمتحدة وحلفاؤها يرون أن ما هو أهم من التوصل إلى اتفاق هو الالتزام الكامل بآليات تطبيقية دون تلكؤ، و يشترطون العودة فورا إلى الحصار في حال حدوث أي عقبات في التطبيق من قبل إيران، لان ثقة الدول الست العظمى، مثلما يقول ممثلوها شبه معدومة بإيران، و تعرضوا للخديعة أكثر من مرة، و لا يريدون أن يتعرضوا للدغ مرة أخرى من الجحر نفسه، و يصحون ذات يوم على امتلاك إيران رؤوس نووية. هناك إيران واحدة على مائدة المفاوضات يمثلها مفاوض واحد هو السيد ظريف، لكن هناك ستة مفاوضين، و ستة وزراء خارجية على الطرف الآخر، بعضهم متشدد، مثل وزير خارجية فرنسا لوران فابيوسن و بعضهم يدعم الطرف الإيراني مثل المفاوضين الروسي و الصيني، و هناك من يحاول أن يكون في الوسط مثل المفاوض الألماني. و بسبب تعدد الممثلين في الجانب الآخر فان هناك خلافات تطفو على السطح حول مسألة تلقائية العقوبات أولا، التي تصر عليها الولاياتالمتحدة و فرنسا، و ضرورة العودة إلى مجلس الأمن في المقابل التي تطالب بها الصين و روسيا اللتان تملكان حق النقض “الفيتو” كشبكة أمان لحليفهما الإيراني. هناك خلافات تقنية أخرى حول تعديلات مفاعلي مجمع فوردو ومفاعل آراك، بما يؤدي إلى عدم تحويلهما إلى إنتاج رؤوس نووية، و لكنها تظل اقل صعوبة من الجوانب السياسية للاتفاق المتعلقة بآليات رفع الحظر، و ربما آليات أخرى تتعلق بالملف السوري واليمنيوالعراقي أيضا. الإيرانيون لا يريدون الوقوع في الأخطاء نفسها التي وقع فيها العراق عندما سمح للأمريكان بالتفتيش المطلق، واللقاء بخبراء وعلماء الذرة العراقيين، وهي متاهة أدت في نهاية الأمر إلى تجريم العراق، و اغتيال علمائه، و غزوه تحت أكذوبة أسلحة الدمار الشامل، ناهيك عن خديعة كامب ديفيد التي كبلت مصر باتفاقات أفقدتها سيادتها على صحراء سيناء، و أخرجتها من الصف العربي، أو خديعة اتفاقات أوسلو التي أعطت الإسرائيليين كل ما يريدونه من اعتراف و أمن، و تركت الفلسطينيين عراة دون ورقة توت. اجتماعات الساعات الأخيرة المقبلة ستكون حاسمة و لكن الشيء الوحيد المؤكد أن جميع الأطراف متفقة على أمر واحد، وهو استمرارها لان البديل الآخر، و هو الحرب، مرفوض لكلفته الباهظة جدا، علاوة على أن نتائجه غير مضمونة. افتتاحية رأي اليوم