• مأساة، مجزرة، مذبحة، فلنسمها ما نشاء من تسميات، ولكن الحقيقة أن هناك أرواح أزهقت بدون ذنب على ملعب بور سعيد في لقاء المصري بضيفه الأهلي، ليلقى ما يناهز 75 شخصاً مصرعهم، في ما يعتقد أنها مباراة يتقاذف فيها المتواجدون كرة القدم، وإذا بالرؤوس هي من يتم قذف بعضها بالبعض الآخر، معيدا للذاكرة مسابقات الرومان في الاولمبياد القديمة. • هذه ليست كرة القدم، وانما هي كرة الموت، وهذا ليس ملعباً بل ساحة حرب، وهؤلاء ليسوا مشجعين، بل أناس لديهم استعداد مسبق لإحداث ما حدث تحت وطأة ما يشاهدونه من فوضى عارمة في الشارع. • إن ما حصل ليس أمراً عادياً بل هي مصيبة هزت العالم الممارس للعبة كرة القدم، وصدمته في آن واحد، فليس في مخيلة احد تصور أن ملعباً لا تتجاوز مساحته 120 مترا طولاً أو 90 عرضاً على أكثر التقديرات، أن يشهد هذا الكم الكبير من القتلى. • الأمر ليس متعلقاً بكرة القدم، فقد كان الأهلي والزمالك يلتقيان في أصعب من هذه المباراة، ولا يحدث ما حدث، ولكنه انعكاس لما يجري خلف أسوار الملاعب، فالساحات المصرية ومنذ عام وهي تشتعل، في ظل انفلات امني بغض النظر متعمد أو غير متعمد، إلا انه وجد تجاوباً لدى بعض الفوضويين أو المندسين في كل مكان يحوي تجمعاً بشرياً، لإشعال فتيل أزمة تجعل الصراع في الشارع مستمراً إلى ما لا نهاية. • استغرب أن يحصر بعض العلماء في مصر زاوية ما جرى في كون الموتى شهداء أم لا، فقد ذهب بعضهم إلى عكس ذلك وبأنهم في أماكن لهوٍ محرم وكأنه يريد أن يدخلهم النار، إن الصراع في الملاعب المصرية قد تكون القشة التي ستهدم النسيج الاجتماعي لا قدر الله ما لم يتم تدارك الأمر. • لا ادري لماذا يصر البعض في الاتحاد المصري على إقامة المباريات في أوضاع غير مستقرة، ولما لا تقام بدون جمهور ويتم نقلها تلفزيونياً ليشاهدها الجميع، من غير خسائر في الأرواح، إلا إذا كان القائمون على الكرة المصرية لا يقدرون الدماء المحتمل إراقتها في الملاعب. • القضية لا تعالجها الوقوف دقيقة صمت على أرواح من فقدوا أرواحهم، ولكن يعالجها الوقوف عند مستوى المسؤولية فأرواح المشجعين أمانة في أعناق المنظمين للبطولة، فهم فقط من بأيديهم تفادي ما حدث بتحكيم العقل، ونزع فتيل الاقتتال داخل الملاعب، ولو استدعى الحال إيقاف الدوري برمته. • نسأل الله تعالى أن يتغمد من لقي حتفه في ملعب بور سعيد بواسع رحمته، وان يلهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان، وان يجنب مصر العزيزة، كل مكروه وان يعيد لها أمنها الذي سُلب منها، لتعود كما كانت قبلة لزائريها من كل مكان.