أثارت الاتفاقيات الأخيرة بين محافظ عدن ووزير الداخلية والتي تم بموجبها مصادرة صلاحية القادة الأمنيين في المحافظة وإضافتها إلى سلطات المحافظ المركزية استياء واسعا في أوساط منتسبي الوحدات الأمنية مما ينذر بتمرد داخل تلك الوحدات مستقبلا. تلك الصلاحيات والتي بموجبها سوف يتولى المحافظ مهام مدير الأمن باتت تقلق أنصار الحراك الجنوبي ذات الأغلبية السكانية في المحافظة، خصوصا وأن المحافظ ينسل من تيار "الإخوان" الذي سبق لأنصاره الدخول في مصادمات دامية مع الحراك الجنوبي أثناء مشاركة الأخير في مظاهرات سلمية. لكن ما يثير اهتمام القادة الأمنيين في المحافظة هو تصاعد الهجمات الأخيرة على أقسام الشرطة والمراكز الأمنية والتي كما تبدو هدفت لتقويض سلطاتهم في المحافظة. اتفاق سري خلال اجتماعاته المتتالية في عدن بنائب وزير الداخلية وقادة أمنيين آخرين أقنع المحافظ قادة الداخلية بضرورة نقل صلاحيات الأمن إليه باعتباره رئيس اللجنة الأمنية بالمحافظة.. برر المحافظ ضرورة نقل الصلاحيات الأمنية بما شهدته عدن خلال الفترة الأخيرة من أعمال عنف وهجمات على مقرات الأمن والشرطة، لكنه وكما يقول مصدر في السلطة المحلية لم يفكر بتداعيات مثل تلك القرارات التي من شأنها تقويض العملية الأمنية في المحافظة وتعزيز النشاط الإرهابي فيها سيما في ظل الهجمات المتزايدة لتنظيم القاعدة في المدينة الاقتصادية. أصدر وزير الداخلية توجيها للمحافظ يقضي بتوليه مهام الأمن وأن تمنح له مباشرة كافة سلطات مدراء الأمن في المحافظة إلى مدراء المديريات، لكنه لم يدرك بأن المحافظة التي تنشط فيها الصراعات السياسية كفوهة بركان قابلة للانفجار في أية لحظة. كان من المقرر أن يتولى المحافظ مهامه في توزيع مرتبات الجنود والضباط من أكتوبر المنصرم لكن عامل الوقت أجل نقل الصلاحيات إلى ديسمبر القادم.
وثيقة الداخلية لمهام قادة الأمن ينازع مدير أمن عدن من أجل الحيلولة دون انتزاع تلك الصلاحيات التي قد تتسبب بكارثة حقيقية في حال أسندت مهام الأمن لمسئولين مدنيين وقد أرسل خلال اليومين الماضيين كما يقول ل"اليمن اليوم" الوثيقة الخاصة بوزارة الداخلية والتي تحدد مهام كافة المسئولين الأمنيين وتحول دون تدخل الصلاحيات بين السلطة المحلية والأمن "أرسلت الوثيقة إلى مستشار وزير الداخلية عبده ثابت ولا نزال بانتظار الرد". الوثيقة تحوي مواد قانونية محددة وأرسلت نسخة منها أيضا لمستشار الوزير للشئون القانونية. وعبر صادق حيد عن رفضه لأي توجهات من شأنها الإخلال بالأمن أو انتقاص صلاحيات القادة الأمنيين. يضيف اللواء حيد "لم نصادف أي اعتراض أو تدخل حتى اللحظة وأية جهة تطلب المساعدة نحن على أهب الاستعداد لما من شأنه حفظ الأمن".
تذمر أمني.. ومخاوف من تمرد مستقبلا عكست التوجيهات الأخيرة موجة من الاستياء في أوساط منتسبي الوحدات الأمنية في عدن. وعبر بعض الضباط خلال اتصالات بالصحيفة عن رفضهم لأية إجراءات من شأنها إخضاع رجال الأمن للقادة السياسيين في المحافظة، مشيرين إلى أن مثل تلك الإجراءات من شأنها شق صف الوحدات الأمنية وتسهيل مهمة اختراقها من قبل الجماعات المسلحة خصوصا القاعدة. وأضاف الضباط: "من المستبعد أن نذهب إلى مكتب مدير عام المديرية أو المحافظ من أجل توقيع حضور وإقامة طابور الصباح بدلا عن المراكز الأمنية في المديريات". تقول مصادر أمنية إن ثمة تذمرا كبيرا في أوساط رجال الأمن وهذا التذمر انعكس خلال الفترة الأخيرة من اكتشاف مساعي المحافظ للانقضاض على الأمن في عدن وظهر جليا في تراجع الوضع المعنوي للجنود والذين صاروا كأنهم في حالة دفاع عن النفس خلال الهجمات التي شنها مسلحون على مراكز الشرطة مؤخرا. تضيف المصادر: "ثمة احتقان داخل الوحدات الأمنية ذاتها وليست بحاجة لمفجر". قبل نحو شهرين من التطورات الجديدة التي تعطي المحافظ الإخواني صلاحيات أمنية مباشرة تنبئ عن توجه نحو قمع الحراك السياسي في المحافظة والتخلي عن سياسة ضبط النفس التي اتسمت بها إلى حد المهلة السابقة، "كانت الحملات الأمنية تجابه بإطلاق نار من قبل مجهولين أثناء وجود مسيرات في الشوارع لكنها تتحلى بقدر كبير من ضبط النفس" كما تقول المصادر. تتساءل المصادر ذاتها عن مستقبل عدن وكل قوة أمنية تخضع لطرف سياسي في مديرية ما.. أليس ذلك يعني نقل الاقتتال إلى داخل الوحدات الأمنية "تخيل أن مدير عام هذه المديرية يتبع طرفا سياسيا معينا وذاك يتبع آخر وتنازعوا على حدود المديريات مثلا ماذا يعني ذلك كل مدير عام مديرية يوجه القوة الأمنية الخاضعة له إلى الاعتداء على الآخر". وتحذر المصادر من خطورة الاستحواذ الجهوي على الوحدات الأمنية وإخضاعها للجماعات المسلحة، معتبرة قلة خبرة المسئولين المدنيين بشئون الأمن في المحافظة وحساسية التعامل مع القضايا المختلفة قد يفجر الوضع وينشئ تكتلات حزبية داخل الوحدات الأمنية الأمر الذي يبعدها عن مهمتها الوطنية ويحولها من قوة محايدة هدفها صون الأمن والاستقرار وحماية الممتلكات العامة والخاصة إلى أداة حزبية قد تفاقم الوضع وتدفع نحو الهاوية. هجمات متكررة على مقرات الشرطة خلال الفترة الأخيرة التي سبقت توجيهات الداخلية بنقل صلاحيات الأمن إلى المحافظ تعرضت عدد من مقرات الشرطة لهجمات أمنية من قبل جماعات مسلحة كان آخرها الهجوم على مقر الأمن القومي ومحاولة تفجيره وهجوم مماثل على مقر شرطة دار سعد. تلك المقرات تقع في أماكن تعد محصنة أمنيا، لكن السؤال يظل من كان يقف وراء تلك الهجمات؟ وهل هدفت لتقويض صلاحية الأمن لصالح مصادرة صلاحياته؟ يكتفي مسئول أمني رفض الكشف عن اسمه بالإشارة إلى أن كل الاحتمالات تظل واردة في الوقت الراهن لكن القيادي في الحراك الجنوبي حسن اليزيدي يرى بأن تلك الهجمات كانت مدروسة من قبل "حزب الإصلاح" من أجل إضعاف الأمن وسحب صلاحياته.
قبضة "إخوانية" في كل مرة كانت تندلع فيه مواجهات بين أنصار الإخوان والحراك الجنوبي في عدن يقف الأمن محايدا حتى عندما مزق ناشطو الحراك الجنوبي لافتة عملاقة للراحل عبدالله بن حسين الأحمر ورغم الضغوط العليا على قادة الأمن في عدن ظل الأمن متمسكا بمبدأ الحياد رغم اندفاع بعض عناصره المحسوبين على أحزاب. فكان على وزارة الداخلية أن تعزز القوى الأمنية في عدن بعدد من المجندين الجدد للسيطرة على الوضع والتي كان آخرها إيفاد 420 مجندا بعد أيام على تدريبهم في ذمار. لكن وكما يبدو فإن ذلك لم يعزز من قبضة "الإخوان" على مفاصل الأمن في المحافظة التي تعد عاصمة اقتصادية وثاني مدينة يمنية بعد صنعاء.
الحراك الجنوبي يحذر حذر أمين عام مجلس ما يسمى ب"الثورة الجنوبية" حسن اليزيدي من خطورة الإقدام على مثل تلك الخطوات، معتبرا إياها محاولة جديدة لخلط الأوراق وضرب أبناء الجنوب بالمحافظ " الإخواني المعروف بحقده على المحافظة وأبنائها". وأشار اليزيدي خلال اتصال ب"اليمن اليوم" إلى أن هناك تخبطا في النظام السياسي، "ولن نقبل بأن يتسلم محافظ إصلاحي مهام الأمن في المحافظة وهذا سوف يتسبب بالقضاء على ما تبقى من مظاهر للأمن في المحافظة والهجمات المتكررة على أقسام الشرطة هدفت لحلحلة الأمن وإضعافه بغية سحب صلاحيته كما يستعد الإخوان لذلك".