من يتأمل في جوهر العلاقة بين الحكومة والشعب في اليمن سيقف على حقيقة أن هناك اتفاقاً ضمنياً وغير مكتوب، لكنه نافذ وينص على ما يلي: . يقوم المواطن بقطع الطريق وتفجير أنبوب النفط وإخراج محطة مأرب الغازية عن العمل دونما تعرض للمساءلة مقابل قيام الحكومة بممارسة الفساد المالي والإداري وقطع أرزاق الناس ومصادرة حقهم في الحصول على مرتب يكفي أو وظيفة توفر عليه بعض البلاء وليس كله. . تتولى الحكومة مهمة تغطية بعض بنود ميزانيتها من القروض والمساعدات الخارجية خصماً من أحلام الأجيال القادمة، مقابل ممارسة شريحة واسعة من المواطنين لحق التسول في شوارع المدن اليمنية.. ولا بأس من رعاية الهجرة غير القانونية أو حتى التحول إلى متسول في مدن الجيران.. على أن يتحمل كامل المسؤولية في ما يمكن أن يتعرض له من ذل الإهانة والترحيل، بما في ذلك نفقات حركته من المنافذ الحدودية إلى أحياء الصفيح وهوامش الحياة داخل وطنه المأزوم. . تسمح الحكومة للمواطن باستيراد كل ما هو محرم من المبيدات ورشها على إنتاجه الزراعي من القات إلى الفاكهة.. ولا بأس أن تكون السموم المستوردة مسمومة ومنتهية الصلاحية، شريطة أن يقبر فائض هذه المواد المحرمة القاتلة في أحد أحواش شمال العاصمة باعتباره ملتقى مخلفات جنوبها من فائض العبث وخليط سيول الأمطار والصرف ومخلفات المستشفيات. . يتحمل المواطن مسؤولية أضرار ما يستهلكه من القات المسموم، ولا تلتزم الحكومة بأي تبعات تجاه ما يسفر عن ذلك من إصابات في أعضاء الجسم الحيوية.. وتعتبر الحكومة القات شجرة مقدسة تقوم بأدوار اقتصادية وسياسية، تبدأ بتوزيع الثروة وتنتهي بفرض دوخة القات على أي "ثورة". . للحكومة الحق في الجمع بين رعاية الفساد وإهدار الثروة النفطية والغازية، بما ينفخ جيوب الفاسدين، وعلى المواطنين النضال المقدس في التكاثر والتناسل لتفادي الانقراض، مع التغاضي عن جريمة التفريط في هدر حصص الأجيال القادمة من النفط والمياه المستنزفة. . من حق الحكومة أن تمارس حريتها في العبث بالمال العام، واعتبار مسلسل النهب والخطف والإحراق، وقبلها جرائم القتل مجرد أحداثاً عارضة سببها المواطن الذي لا يعرف من أين ولا كيف يتفادى الخطر في وطن الأمن المستتب. . من حق الحكومة والمواطن اعتبار محطة مأرب الغازية سبباً في حالة الظلام التي تخيم على المدن وتحرق جلود المناطق الساخنة، وأن المحطة تستحق ما يحصل لها بسبب مخالفاتها للتقاليد وخروجها عن الخدمة "في الليل". . ترى الحكومة أن قيام امرأة بحرق زوجها وأب بقتل ابنه، وقيام شاب بفتح النار على عمته، ووفاة طفل باشتعال قاطرة والده، وكثرة عدد المنتحرين وعودة المغتربين وزيادة تجارة السلاح والمخدرات مجرد تطهير للحديد من "الذحل"، وعلامة صحة اجتماعية وحكومية يتحمل مسؤوليتها ما تردد عن سقوط نيزك على الحديدة. . وكما تلاحظون.. الاتفاق غير مكتوب لكنه نافذ بشهادة واقع الحال..!