حذَّر حامد القروي رئيس الحركة الدستورية ورئيس الوزراء السابق في حكومة الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي من "تأثير انتشار ظاهرة الفساد والرشوة والمحسوبية" على نتائج الانتخابات المزمع إجراؤها قبل العام 2014، في وقت كشفت فيه دراسة حديثة أن الفساد في تونس أصبح منتشراً أكثر مما كان عليه قبل ثورة يناير 2010 . وهاجم القروي حكام تونس الجدد الذين يصفون حكم بن علي بأنه "فاسد" سياسياً ومالياً، مشدداً على أن الفساد المالي والسياسي والرشوة والمحسوبية أصبحت ظاهرة منتشرة في مؤسسات الدولة وفي المجتمع أكثر مما كانت عليه في حكم بن علي، وهي ظواهر تنخر تونس وتهدد "إجراء انتخابات حرة شفافة ونزيهة خاصة في ظل عزوف التونسيين على المشاركة، نتيجة عدم ثقتهم في السياسيين الذين حكموا تونس خلال السنوات الماضية". وأوضح القروي الذي يطالب بإعادة الهيبة لمؤسسات الدولة أنه "يصعب الحديث عن انتخابات شفافة ونزيهة في ظل استفحال مختلف أشكال الفساد من رشوة ومحسوبية وتدفق المال السياسي المشبوه على جمعيات وأحزاب وأفراد"، معرباً عن خشيته من أن يتعرض التونسيون إلى نوع من الابتزاز من خلال شراء أصواتهم وذممهم بالمال أو بتسديد بعض الخدمات. يأتي دلك في وقت كشفت فيه دراسة حديثة أن 79 بالمائة من التونسيين يعتبرون أن الفساد انتشر أكثر مما كان عليه في عهد بن علي، ليضرب مختلف المجالات والقطاعات وفي مقدمتها القطاع العمومي ومؤسسات الدولة التي تقدم خدمات للمواطنين. وأكدت نتائج الدراسة التي أعدها منتدى العلوم الاجتماعية التطبيقية أن 53 بالمائة من التونسيين يرون أن "الفساد مستفحل في تونس"، وأنه "يشمل الرشوة مقابل خدمات إدارية هي من حق المواطن، ويشمل المحسوبية في انتدابات الشغل وفي التعيينات وفي الترقية المهنية". وأظهرت الدراسة أن قطاع التشغيل يحتل المرتبة الأولى من حيث انتشار الفساد بنسبة 81 بالمائة، يليه قطاع الجمارك بنسبة 73 بالمائة، ثم الضرائب بنسبة 69 بالمائة، فالأمن بنسبة 62 بالمائة. ويرجع السياسيون استشراء الفساد، في بلاد يقول حكامها إنهم ثاروا على حكم فاسد، إلى "عدم إيمانهم بمؤسسات الدولة التي تعامل الناس على أساس مبدأ المواطنة وتمكنهم من حقوقهم وتقف على نفس المسافة من جميع الفئات والشرائح، بقطع النظر عن الانتماء الحزبي". ويضيف هؤلاء أن "مبدأ المواطنة" الذي يتناقض تمام التناقض مع المحسوبية قد ضعف لدى قطاعات واسعة من التونسيين بعد أن نخرته سياسات مبنية على الولاء الحزبي أو الولاء للجماعة، لا الولاء للدولة، باعتبارها دولة كل التونسيين. وتساور التونسيين شكوك جدية حول نزاهة وشفافية الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة في ظل تغليب الولاء الحزبي على الولاء للدولة، وفي وقت انتشرت فيه المحسوبية لتعصف بحقوق المواطن الأساسية، حتى أن الناس باتوا مجبرين على دفع المال أو على واسطة من أجل الحصول على خدمة إدارية بسيطة تعد حقاً من حقوقهم. ويعدُّ تدفُّق المال السياسي المشبوه على جماعات الإسلام السياسي أخطر ما يهدد شفافية ونزاهة الانتخابات، حيث يتوقع السياسيون أن تتم مقايضة أصوات الناخبين بالمال خاصة بالنسبة للفئات الفقيرة والمحرومة التي قد تجد نفسها مضطرة لبيع صوتها من مقابل لقمة العيش. ومنذ سقوط نظام الرئيس السابق، بن علي، تحولت تونس إلى وجهة جذابة للدعاة السلفيين المشارقة والخليجيين الذين نسجوا علاقات متينة مع الجماعات السلفية في البلاد، وضخوا عليها المال السياسي مقابل السماح لهم بنشر الفكر السلفي الإخواني، والدعوة إلى "إقامة حكم الخلافة"، في مواجهة التيارات الليبرالية والعلمانية.