كتب/ الخبير الاستراتيجي والكاتب المصري أحمد عز الدين ( 1 ) أحسب ودون مبالغة، أن مخاطر كبرى تتشكل في بيئة الإقليم، وفوق إحداثياته المباشرة، وأن هذه المخاطر المستجدة، سوف تؤدى إلى خلق أنماط من التغذية المتبادلة بين ظواهر الإرهاب وأدواته وقواه، وبالتالي إلى مدها بعناصر إضافية للقوة، وفرص أكبر للتمدد، وتهديدات أوسع وأعمق وأسلحة أبعد مدى وتأثيراً، تدفع المنطقة دفعاً نحو حريق كبير. وأحسب أن عوامل نشوب هذا الحريق الكبير، الذي يمكن أن يأكل الأخضر واليابس، كامنة في ذلك السعي المنهجي المنظّم لإعادة الاصطفاف إقليميا،على نحو سياسي وعسكري وثقافي وإعلامي، وفق معيار مذهبي طائفي، بما يقتضيه ذلك من جمع وقود هذا الحريق الكبير، اعتمادا على بناء جبهة ميدانية، تضم أكثر القوى تطرفاً في الفكر، وإيماناً بالقتل والعنف وإشاعة للاحتراب والفتنة، ومعاداة للمصالح الوطنية والقومية، وإذا صحّ ذلك وأعتقد أنه اقرب إلى الصّحة، فإنه يشكل انحرافاً كبيراً على المُركّب الحضاري التاريخي للأمة، وهو انحراف مناهض لروحها الحيّة، وتراثها وثقافتها، غايته نبذ الروح القومية وذمها وتحقيرها، واستبدالها بروح طائفية مريضة وممرضة، وهو فوق ذلك، انحراف مناهض لكل ما يدخل في صلب الأمن القومي العربي من قواعد وقيم ومفردات. ( 2 ) لقد استبق السيد (خالد بحاح) نائب (هادي) حضوره الأخير إلى القاهرة قبيل عملية (السهم الذهبي) بإطلاق تصريح مُلغّم، بدا بدوره سهما محدّد الاتجاه ولكن في اتجاه مصر، قائلاً: "نحن في حرب إقليمية تتطلب تدخلاً عربياً حاسماً وعاجلاً في اليمن"، غير أن السهم ارتد إلى الناحية الأخرى عندما سمع من الرئيس عبد الفتاح السيسي رؤية مصر التي تعضّ بالنواجذ على الثوابت الوطنية والقومية، فقد قال الرئيس محذراً : " إن عدم التوصل إلى حل سياسي في اليمن إنما يصبّ لصالح جماعات التطرف والإرهاب المتواجدة فوق الأراضي اليمنية قبل أن يضيف الكثير عن ضرورة إعلاء المصلحة الوطنية اليمنية،و عن الحفاظ على وحدة اليمن وسلامته أراضيه، وعن ضرورة الحوار السياسي، والمرجعيات التي ينبغي أن تحكمه بدءا من مخرجات الحوار الوطني وانتهاء باتفاق السلم والشراكة. ومن الواضح أن السيد (بحاح) كان يتمنى أن يجد في القاهرة موقفاً آخر، في إطار النظرية المُلغّمة ذاتها، التي جرى ويجرى تسويقها عن إعادة الاصطفاف تحت عنوان (الحرب الإقليمية)، غير أن الموقف المصري البالغ الوضوح، لم يعدَم بعد ذلك من يحاول أن يحوله إلى بركة آسنة، يصطاد منها أسماكاً فاسدة، على غرار ما نقلته وكالة (فارس) عن أحد قيادات أنصار الله في محافظة (أبين)، من أن الجيش اليمنى واللجان الشعبية، قد قتلوا وأسروا أربعين جندياً مصرياً، حاولوا الدخول إلى الأراضي اليمنية بواسطة أربعة زوارق، حيث جاء رد الفعل في مصر غاضباً على هذا البهتان، فرغم مسارعة المتحدث العسكري لنفى الخبر جملة وتفصيلا في بيان رسمي، فقد توقف الرئيس بنفسه أمامه عند حضوره في الكلية الحربية. لماذا أقول أن ما بثته وكالة الأنباء الإيرانية، كان مجرد اصطياد كاذب وفاسد، لأن الخبر بكلماته وحروفه لم يكن منقولاً عن من نُسب إليه، وإنما كان منقولاً عن وكالة أنباء يمنية خاصة، وقد بثته في بداية الشهر الرابع من هذا العام، مدّعية أنه منقول عن الصفحة الشخصية لمن نُسب الخبر إليه، آي أنه تم إحياء خبر مشكوك في مصدره تم دفنه ميتاً قبل ثلاثة أشهر، بعد التأكد من أنه عار تماماً عن الصحة، وفي ظروف بالغة الشدة والتعقيد، وفي مناخ قابل للاشتعال. ( 3 ) غير أن الحقيقة تقتضى القول، أننا لا ينبغي أن نلقي اللوم على الآخرين وحدهم، ممن يحاولون أن يضعوا الموقف المصري في سياق مناقض للحقيقة، وإنما ينبغي أن نلقى اللوم أولا على إعلامنا، ليس فقط، تلك الصحف والقنوات التلفزيونية الخاصة، التي بدت خلال مشاهد الحرب في اليمن، مجرد ظل باهت لقناتي الجزيرة والعربية، وإنما صحف وقنوات الدولة نفسها، التي لم تحافظ على مصداقيتها، فلم تتحر الصدق، ولم تسمّ الأشياء بأسمائها، فالشاهد – مثلا – أن العنوان الرئيسي الثاني في جريدة الأهرام التي ينظر إليها على أنها ناطقة باسم الدولة كان نصه: (المقاومة الشعبية تطهر عدن من جيوب الحوثيين)، وهو نفس ما كرره التلفزيون المصري ببغاوية رتيبة، وبغض النظر عن كلمتي (التطهير وجيوب)، وكلتاهما تشي بموقف سياسي خاص في خبر ينبغي أن يكون بطبيعته شفافاً ومحايداً، وبغض النظر أيضا، عن أن "التطهير" لم يتحقق، وأن "الخصوم" لم يدحروا، فإن ما تم وصفه ب(المقاومة الشعبية)، لم يكن في مجمله غير حشود مسلحة على جانب ترفع علم القاعدة، وأخرى على جانب تنتسب ل(داعش)، ومجموعات على جانب ثالث على رأسها عناصر من الإخوان المسلمين في اليمن، ومرتزقة ذو جنسيات متعددة، ومجموعات محدودة العدد على جانب آخر تتشكل من سلفيين جنوبيين، ومجموعات أخيرة تقدر بالعشرات من ضباط وجنود لا يشكلون قوة مؤثرة، ينتسبون إلى دولتين خليجيتين. والمشكلة هنا لا تتعلق بالموقف السياسي إيجابا أو سلبا، وإنما بالمصداقية حتى في طبيعتها الشكلية البحته، إذ إن أكثر الصحف الأمريكية ارتباطاً بالمخابراتالأمريكية والبنتاجون، وكلاهما لم يكن منفصلاً عن الحدث تخطيطاً وتسليحاً وتعبئة، هي التي أبرزت تقدم تنظيم القاعدة لصفوف ما أطلق عليه إعلامنا ( المقاومة الشعبية ) وهى التي حذرت من تداعيات حضور هذه الكتائب من الإرهابيين في الجنوب، وما يمكن أن يترتب عليه. ولكي تكون الصورة أكثر وضوحاً، فقد وصلت حرارة الاحتكاك تعبيراً عن الاندفاع نحو الهيمنة والسبق بين القاعدة وداعش وغيرهما من المجموعات المشاركة في العملية، حد الصدام والاقتتال بالنيران، في الطريق الواصل بين مدينتي (التواهي) و(المكلا) على خلفية صراع علني، على أعلام التنظيم ورموزه التي ينبغي أن ترفع فوق كل العربات المدرعة، حيث أصرت القاعدة على رفع أعلامها ورموزها، منفردة فوق كل العربات، ولم تفلح محاولة إقناعها برفع علم اليمن فوق بعض هذه العربات، ريثما تتمكن أجهزة التصوير، من أن تملأ أفواهها بصور مؤقتة، يمكن تصديرها للعالم الخارجي. بل أن (جلال بلعيد) قائد تنظيم القاعدة في (المكلا)، والذي اختار لتنظيمه اسم (أنصار الشريعة) وأعلن ولاءه لتنظيم الدولة الإسلامية، لم يتورع خلال مشاركته وتنظيمه على رأس العملية، عن أن يوزع صورته على مواقعه ومواقع حلفائه الإليكترونية، ضاحك الثغر، وهو يرتدي الثياب العسكرية للجيش الإماراتي، وهو يشير بيده إلى ملصق علم الإمارات فوق كتفه الأيمن، بينما كان عنوان الصورة كلها " ولاية عدن " وهو نفسه ما صدر في بيان (داعش) عن ( ولاية عدن )، وعن العملية التي وصفها البيان بأنها "نوعية انغماسية" تم على إثرها اقتحام شعب العيدروس في منطقة كرتير ". لكي أكون أكثر وضوحاً، فإنني لا أتحدث عن مقالات الرأي والتحليلات، التي قد تتضمن رؤى تعبر عن وجهات نظر أصحابها أيا كانت، وإنما أتحدث عن صناعة الأخبار التي يتحتم أن تعكس درجة عالية من الدقة والمصداقية، وأن تسمي الأشياء بأسمائها الحقيقة، لأننا حين نقبل أن يكون الإعلام ذيلاً للجزيرة والعربية فيما يتعلق بأخبار الحرب في اليمن، فمن الطبيعي أن يعطي هذا الإعلام نفسه الحق في أن يكون على نفس الشاكلة، فيما يتعلق بالعمليات العسكرية التي يخوضها الجيش المصري العظيم في سيناء. ( 4 ) بالنسبة لي شخصياً، يبدو السيناريو الذي تحركت وتراكمت مشاهده الدامية في إطار عملية (السهم الذهبي) وما تزامن معه من ظواهر سياسية وإعلامية في الإقليم، مؤرقاً ومقبضاً، لأنه يعني من بين ما يعنيه، أن الحكمة العسكرية ليست قائمة، لأن الحكمة السياسية ما تزال غائبة، ولأنه يعني من بين ما تعنيه أننا أمام نموذج مستحدث لنمط جديد من الحروب، بأدواته وأسلحته وقواه، ومن ثم تداعياته الخطيرة، إذا تمكن من توليد نفسه داخل حدود أخرى، وإذا أصبح معتمدا كنمط للمواجهة في (حرب إقليمية) يجرى التسويق لها سياسياً وفكرياً وتعبوياً، بل إنه في حد ذاته يشكل الصيغة العملية، لمنهج إعادة الاصطفاف إقليمياً وبناء الجبهة الميدانية، التي يمكن أن تخوض غمار هذه الحرب. أولا : يبدو أن تصميم العملية قد تم بناؤه وفق مفهوم مجرد، هو أن عمليات القصف من الفضاء، رغم ثقلها وكثافتها لم تحقق ما كان منتظراً منها، فقد تجاوزت أعداد الغارات الجوية 3200 غارة، وتجاوزت أعداد الصواريخ التي تم قذفها 90 ألف صاروخ، وانصرف تأثيرها الغالب والواضح على البنية الأساسية، وعلى القطاع المدني، وما كان منها من نصيب قوات الجيش واللجان الشعبية، لم يحقق ردعاً، ولا منعاً من التمدد والتقدم على المحاور المختلفة، وإزاحة بعض القوى المؤيدة عن بعض قواعد ارتكازها، وبالتالي فإن تجاوز ذلك، وفق هذا المفهوم، كان يقتضى تنظيم تعاون بين قوات ضاربة، سريعة الحركة، حديثة التسليح على الأرض، وبين قصف مركز من الجو ومن البحر في آن واحد، أي أن معركة الأسلحة المشتركة على هذا النحو، يمكنها أن تحقق نجاحاً في استعادة قطعة من الأرض، يمكن البناء عليها، باتباع نفس الأسلوب في مرحلة تالية، خاصة مع هجمات متزامنة في أكثر من محافظة، ومع استخدام سلاح العربات المفخخة داخل العاصمة لإحداث حالة من الفزع والفوضى. وهذا المفهوم مجرداً مع حذف السيارات المفخخّة لا يجافي الصواب، ولكنه مشروط بتوافر عناصر أخرى هي التي تمنحه في حيز التنفيذ العملي إمكانية النجاح، وبعض هذه العناصر يتعلق بتجانس العقيدة القتالية للقوات المشاركة في العملية على الأرض، وبعضها يتعلق بوجود حاضنة سياسية ومجتمعية، خاصة وأن العملية أقرب إلى جراحة عسكرية داخل مدينة، وبعضها الآخر يتعلق بالوضع المعنوي والعسكري والاستعداد القتالي لقوات الخصم على الأرض. ثانيا : من باب الحقيقة الصافية، فلا شيء من هذه العناصر السابق الإشارة إلى بعضها، كان متوافراً، وإذا كان الأمر يتعلق بتجانس العقيدة القتالية للقوات، فإن منطلقاتها وأهدافها جميعها كانت متناقضة، فقد كانت خليطاً مهجّناً من تنظيمات إرهابية، ومرتزقة، وعشرات من العسكريين النظاميين، وقد كان ذلك أول وأهم عوامل إجهاضها، إذ كيف يستقيم وجود حد أدنى من تنظيم التعاون، بين فصائل تابعة لجيوش نظامية، وكتائب غالبة من تنظيمات إرهابية ومرتزقة في عملية مشتركة. وإذا كان الأمر يتعلق بوجود حاضنة سياسية ومجتمعية يمثلها (الحراك الجنوبي)، فقد تم الاستعانة بالسلفيين الجنوبيين، بل وجهت نيران القصف الجوى إلى تجمعات الحراك الجنوبي، لإخلائهم تماماً من المسرح الذي يمهد للتمكين لداعش والقاعدة، وقتل منهم العشرات. وإذا كان الأمر أمر مفاجأة ومباغته، فقد استبقت العملية بعشرة أيام غارات جوية استهدفت مصافي البترول الرئيسة في عدن، وكانت في حد ذاتها إشارة لا تخطئها عين على التمهيد لعملية التدخل بقوات على الأرض، وقد أعقبها بثلاثة أيام، الدفع بإدخال مائتي عربة مدرعة، عن طريق المنفذ البحري الوحيد في عدن الذي لا يخضع لسيطرة الجيش أو اللجان الشعبية، وفى إطار الحسابات العسكرية الميدانية، فلا يمكن الجزم، بأن الجيش اليمنى، لم يفك الرموز الواضحة، سواء لعملية قصف المصافي أو إدخال العربات المدرعة، أو تحريك كتائب المرتزقة المشاركين في العملية من معسكر تدريبهم في (شرورة) إلى منطقة (الممدارة) عبر ميناء الزيت، كما أن سير العمليات في الأيام التالية يقطع بانعدام عنصر المفاجأة، وأن ذلك كله كان تحت بصر الجيش واللجان هكذا حين تقدمت هذه القوات الهجينة التي استبقها قصف جوي وبحري مكثف تواصل على مدى ثلاثة أيام، حيث وصل عدد الغارات الجوية وحدها إلى حوالي أربعمائة غارة، لم تجد أي تجمعات للقوات في مواجهتها، فتقدمت بسرعة وخفة، في ميدان كاد أن يكون خالياً من المدافعين والدفاعات، وتمددت وصولاً إلى آخر المدن في عدن وهي (التواهي) التي تحتضن حدودها ميناء عدن الدولي، وهكذا أيضا تم الاستيلاء على المطار دون جهد، وحين تم القبض على أعداد من القناصة الذين وضعوا لإبطاء تقدم القوات، تم جرهم إلى ساحات مفتوحة، وذبحهم كالخراف، والتنكيل بجثثهم بكل الصور الدموية والوحشية، ولذلك إذا لم تكن أعلام القاعدة وداعش موجودة في صدر المشهد، فمن المؤكد أن أسلوب التعامل مع الأسرى كان دالة قوية على حضورها القوي, بعد أن توالت بيانات وأخبار الانتصار العظيم بتحرير عدن، وما تلاها من قرارات ل(هادي) بإرسال عدد من وزرائه إليها، وقد حاولوا الوصول، ولكن الهجمات المضادة للجيش اليمنى واللجان الشعبية، قذفت بطائرتهم إلى السنغال، ليحاولوا بعدها الدخول بحراً، بينما كان ميناء عدن الجوى، تم استعادته من قبضة قوات القاعدة وداعش، حيث بدأ هجوم مضاد حول أفراح تحرير ( عدن ) إلى مأتم، بينما واصل إعلام الجزيرة والعربية وتوابعهما تأكيد ما تم ضخه في حناجرهم من أخبار ووقائع تجافي الحقيقة. ثالثا: فيما يتعلق بالعامل الأخير بالأوضاع المعنوية والعسكرية لقوات الخصم على الأرض، فإن البيئة نفسها قد تغيرت، وموازين القوى كذلك، لقد أعلن أنصار الله قبل أكثر من شهرين التعبئة العامة، ولم يكن ذلك مجرد شعار تعبوي في الفضاء، فقد استهدف تجنيد مليون مقاتل إضافي، وفى تقديري أن الإعلان قد وضع موضع التطبيق العملي، ولست أعرف تحديداً حجم الأعداد التي انخرطت في عملية التعبئة ومن ثم التدريب والتجهيز، ولكنني أحس بالاستقراء من بعيد أنها تقدر بعشرات الألوف، من غير منتسبي الجيش اليمنى، ومن ليست لهم صلة مذهبية أو قبلية بأنصار الله، وأن قوامها الأساسي ممن فقدوا أعمالهم نتيجة تدمير مصانعهم، سواء مصانع الألبان أو الأسمنت أو محطات الوقود والكهرباء، أو غيرها، وممن فقدوا بيوتهم وأهلهم وأقاربهم في عمليات القصف والهدم والتدمير التي تكفلت بها الطائرات المغيرة، إضافة إلى أولئك الذين صدمهم وعي جديد نتيجة الصدام بين الواقع المعاش وبين ما هو معلن عبر وسائل الإعلام، وأيا كان التقدير والظروف التي أدت إلى انخراطهم في عملية التعبئة، فالمؤكد أن هناك موجة جديدة من المقاتلين، قد انخرطوا في عمليات القتال، وهي موجة عارمة، مشحونة بالثأر والانتقام، وضعت على حد قاطع بين الانتقام والخلاص أو الموت، ونتيجة ذلك عمليا قد تبدت واضحة في معركة السهم الذهبي. رابعا: من المؤكد أن التمكين للقاعدة في المكلا، وقد بدأ في أول أبريل الماضي بالتعاون مع قوى سلفية محلية، والذي وصل إلى حد مداهمة منازل عسكريين موالين لهادى واعتقالهم، وهم من قاموا بالإشراف والتدريب في المعسكرات التي تم إنشاؤها لما أطلق عليه " قوات الشرعية " لم يكن خاصاً بالمكلا وحدها، رغم أنها ثاني أكبر الموانئ اليمنية على المحيط الهندي بعد عدن، وإنما تزامن معه التمكين للقاعدة ودعمها بالمال والسلاح في حضرموت، وهى أكبر محافظاتاليمن، وتنتج ما يقترب من ثلث إنتاجه من النفط، وكذلك في شبوة، ومأرب، وفي المحصلة النهائية، فإن الصورة ناطقة بالتمكين للقاعدة ولداعش في اليمن، ومنحها إمكانية التموضع الثابت كما جرى أخيراً، ثم محاولة تمكينها من عدن نفسها، وإذا استمر الأمر على هذا النحو فإنه يعنى خلق تحالف عسكري لقوى الإرهاب في الجنوب يضم حضرموتوشبوة وتعز وعدن، ويتشكل من القاعدة وداعش، والسلفيين الجنوبيين، تحت مظلة الإخوان المسلمين، ويكفي القول هنا أنه بمجرد دخول القوات التي انخرطت في عملية (السهم الذهبي) تم تعيين (علي عبد الرقيب كندس) الذي يعرف باسم (عباس اللحجي) أمير تنظيم الدولة الإسلامية لولاية عدن، بينما سارع (هادي) إلى تعيين (نايف البكري) أحد قيادات الإخوان المسلمين، وأحد أذرع علي محسن محافظاً لعدن! خامسا : إذا كانت عناصر التمكين للقاعدة وداعش، في المحافظاتاليمنية الجنوبية قاطبة بما فيها باب المندب، بالغة الوضوح والدلالة، فإن مخاطرها في حد ذاتها، أكثر وضوحاً ودلالة، خاصة بعد تحريك قوات إضافية لفتح جبهة أخرى من عناصر القاعدة وداعش في (المخا) الأكثر تهديداً وتأثيراً في المجرى الملاحي، ومضيقه وتخومه القريبة والبعيدة، وإذا كان جانب من الهدف المعلن للحرب في اليمن هو إبعاد النفوذ الإيراني عن باب المندب، فليس مقبولاً ومستساغاً، أن يكون ثمن ذلك هو السماح للقاعدة وداعش، بالتمدد ونصب أسلحتها وأعلامها، فوق تخومه المباشرة، ومنحها بالتالي فرصة ثمينة، لبث ألغامها في محيط واسع يقع دون دخول في التفاصيل، ضمن أهم وأخطر إحداثيات الأمن القومي المصري، فإذا كان المفتاح والقفل المركزي للبحار والمحيطات بين نصف الكرة الغربي، ونصف الكرة الشرقي، يقع في قناة السويس، فإن التساؤل يبدو مشروعاً عن إمكانية أن تكون هناك محاولة لصنع قفل ومفتاح بديلين، في عدن وباب المندب؟! سادساً : لقد قلت في البداية إن اختيار هذا النمط للتدخل العسكري في جنوب اليمن، يفتقد إلى الحكمة العسكرية، في ظل غياب كامل للحكمة السياسية، ذلك أن مثل هذه العملية لا يمكن لها، أن تؤدي إلا إلى أحد سبيلين، إٍما أن تنجح، وهي فرضية رغم ضعفها الشديد، لن تؤدي إلا إلى تحويل اليمن إلى حالة أقرب إلى الحالة السورية، وإما أن تفشل ولكنها ستترك وراءها مجموعات إرهابية تتحصن بمواقع إستراتيجية حاكمة، لا سبيل إلى إنكار ما يمكن أن يحدثه تمددها فيه من آثار وخيمة ليس على أمن اليمن فحسب، وإنما على الأمن القومي العربي في كل أبعاده ودوائره الواسعة. ( 5 ) قد يكون في تسمية العملية باسم (السهم الذهبي) ما يستحق التوقف، وسواء أكان الأمر مجرد استعارة شكلية مما أطلقته الولاياتالمتحدة على إحدى عملياتها في أفغانستان، أو كان غير ذلك، فالثابت أن الاسم ليس له دلالة في التراث العربي، إلا لو كانت دلالة الذهب الذي يعني الثراء والغنى لكنه يحمل أكثر من دلالة في الفكر والموروث الغربي، فالسهم الذهبي على مستوى الأسطورة الغربية هو الذي نفذ في كعب (أخيل) الذي كان محصّنا من الموت، وكانت نقطة ضعفه هو كعبه الذي أمسكت به الآلهة وهى تغمسه في نهر الخلود، وقد كان فارساً شجاعاً لأنه يقاتل بالسيف، أما خصومه الذين كانوا يقاتلون من بعد، بالرماح والسهام، فإن الإلياذة تصفهم بأنهم جبناء، بل وتخلع عنهم صفة الرجولة، لكن المعنى الأقرب ل(السهم الذهبي) في الفكر الماسوني فيتلخص في الخلاص من البشرية، أو قل على نحو أدق إبادة البشرية، وإذا كانت الولاياتالمتحدة قد استخدمت التعبير في بعض حروبها، فقد كان متسقاً مع هذا الفكر والموروث الغربي، سواء أكان المقصود به المعنى الأبعد لقتل (أخيل) الشجاع،أو المعنى الأقرب، وهو فعل الإبادة، لا مجرد الانتصار أو فرض الإرادة..! * مدونته الشخصية