منذ نعومة أظفارنا ونحن نسمع في كل وسائل الإعلام مقولة الأمن القومي العربي ومعاهدة الدفاع العربي المشترك ضد العدو الصهيوني، إلى درجة كنت أظن معها "وبعض الظن إثم" أن العرب لن يمهلوا إسرائيل سوى أسابيع قليلة حتى يرموها في البحر، وأنهم- أي العرب- لن يتساهلوا أبداً مع كل من يهدد الأمن القومي العربي حتى لو كانت أمريكا أو الاتحاد السوفيتي آنذاك، ومما لا شك فيه أن جيلنا والجيل الذي سبقنا والجيل اللاحق لنا كنا نعيش في وهم كبير جداً، ولم نكن نعرف أن هذه المقولات عن الأمن القومي العربي والدفاع المشترك لم تكن سوى لوحات ولافتات صورية يُقصَد بها تخدير الشعوب فقط، لكن الواقع غير ذلك. وكلما تعمقنا أكثر في ما تقوم به الأنظمة العربية وجامعتها الغير عربية يزداد يقيننا بأن تلك الأنظمة تمت صناعتها عبر دوائر الاستخبارات الغربية، وأنه تمت صياغة كل تلك المقولات التي شغلونا بها ليلاً ونهاراً عن العروبة والأمن العربي والدفاع العربي وتحرير فلسطين والعدو الصهيوني، وغيرها من العبارات التي كانت ومازالت مجرد مقولات وعبارات لتغطية عورات تلك الأنظمة، والضحك على الشعوب المسكينة المغلوبة على أمرها، والتي لم تكن تعرف أن كل ذلك كان زيفاً وخداعاً بل وتخديراً لها حتى تظل نائمة على عماها، كما يقول المثل الشعبي، بينما الأنظمة لم تعمل أي شيء يدل على أنها تنفذ تلك المقولات، ولو من باب ذر الرماد في العيون. ما جرى خلال سنوات طويلة في فلسطين، وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من ظلم واضطهاد من قبل الكيان الصهيوني الغاصب في ظل صمت عربي مخزٍ، بل إن بعض الأنظمة تتعامل مع إسرائيل في الخفاء وتدعمه لكي يزيد من قتله للفلسطينيين والعرب، وكلنا بالتأكيد تابعنا تصريحات رئيس وزراء كيان العدو، أيهود أو لمرت، الذي شكر بالتحديد الإمارات والسعودية ومصر عقب الحرب على لبنان في 2006م، وتصريحات عدد من القادة الصهاينة سابقاً وحالياً، والذين لا يخفون تقديرهم للأنظمة العربية التي تدعمهم وتساعدهم في كل حروبهم وحصارهم للفلسطينيين والعرب.. وفي اعتقادي أن كل ذلك الدعم وإن كان خفياً إلا أنه معروف ومفضوح، وأتحدى من يثبت عكس هذا الكلام، لأن الرد عليه سيكون بسيطاً جداً وهو "لو لم يكن أولئك الحكام عملاء للكيان الصهيوني، ولو كانوا صادقين في ما يقولونه ضد إسرائيل لكانت إسرائيل انتهت منذ وقت طويل، ولكانت الآن فلسطين بيد أصحابها، ولكنا الآن نصلي في المسجد الأقصى"، لكن كل ذلك لم يحدث. وبالتالي فكل ما يقولونه عن الأمن القومي العربي ومعاهدة الدفاع العربي المشترك ليس صحيحاً. وسأسرد هنا مثلاً قريباً مازلنا نعيشه ونعاني منه، هذا المثل يتعلق بما يحدث في فلسطين هذه الأيام، فالصهاينة يدنسون المسجد الأقصى ويقتلون الفلسطينيين وينكلون بهم، وكل المناظر والمشاهد التي تصل من هناك لا تخطئها العين، والعرب كلٌّ مشغول بنفسه، بل ودول الخليج وبدعم عربي تشن حرباً ظالمة وعدواناً سافراً على اليمن وتفرض حصاراً جائراً على الشعب اليمني، فيما إسرائيل تعبث بفلسطين كما تشاء وتقتل وتنتهك الحرمات، وهم يوجهون صواريخهم ونيران أسلحتهم تجاهنا بدلاً من توجيهها إلى مكانها الصحيح في قلب الكيان الصهيوني، فلو أنهم وجهوا عاصفة حزمهم إلى إسرائيل لكنا الآن نحتفل بعيد تحرير فلسطين من الصهاينة، ولو أن ربع تلك الصواريخ والنيران التي أسقطوها في اليمن كانت في إسرائيل فإني أؤكد لكم أن العالم كان سينسى أن هناك دولة كانت هنا اسمها إسرائيل، لكن هذه الأنظمة مجرد كراتين تتبع أمريكا وإسرائيل وتنفذ أجنداتها ومخططاتها في بلادنا العربية.. وبالفعل فإن الأمن القومي العربي الذي كذبوا علينا به عقوداً طويلة كان مجرد ستار يخفي وراءه الأمن الصهيوني والإسرائيلي، أما الأمن العربي فلا وجود له. وأنا في اعتقادي أن تحقيق الأمن القومي العربي يجب أن يبدأ بإزالة تلك الأنظمة العميلة، وقد بدأت الانتفاضة عليهم من اليمن، وبلا شك أن اليمنيين سيعيدون صياغته، بحيث يتناسب مع الواقع والحقيقة، وتحرير فلسطين لا بد أن يبدأ بإزالة هذه الأنظمة الخائنة والعميلة.