قد يختلف عشرة يمنيين في تفسير السلوك الذي تبديه تجاه اليمن دولة غربية أو شرقية، فمثلا سيقول واحد : إن بريطانيا، تريد العودة إلى مستعمرتها القديمة، وسيقول الثاني: لا، عدن ليست مهمة لها اليوم، وباب المندب ممر دولي وليس يمنيا فقط، ولكن سياستها التي نعتبرها عدوانية القصد منها الضغط من أجل وجود دولة ديمقراطية، وسيرى الثالث أنها تريد مساعدتنا لكي نقيم دولة قوية في منطقة حساسة من العالم، والرابع سيقول إن العلاقات بين الدول علاقة مصالح، وبريطانيا تبحث عن مصلحة اقتصادية في سوق كبير لكنه ضعيف القدرة المالية، وتريد اتخاذ سياسات يمنية داخلية وخارجية تضمن تبادل المكاسب.. وفي هذا المثال، ستكون هناك عشرة تفاسير يمنية للسياسة البريطانية، وكلها محتملة، لأن السياسة البريطانية ليست ثابتة بل متعددة الجوانب ومتغيرة حسب الظروف والأزمنة، وهذا قد يحدث أيضا عند محاولة فهم سياسات مختلف الدول تجاه اليمن.. باستثناء السياسة السعودية، فهي لا تقبل تعدد المواقف واختلاف والتفاسير، لأن سياسة المملكة من اليمن واليمنيين ثابتة، وجوهرها أنها عدوانية في مختلف التجارب والأزمنة، أو على طول الخط، كما يقولون.. ولذلك يستغرب المرء من القوى السياسية والاجتماعية أنها رغم استقائها هذه التجربة الراسخة، تختلف في ما بينها بشأن مواقفها من السعودية، وبشأن الموقف السعودي العدواني الذي لا يحتمل أي تفسير أخر سوى أنه عدواني، وهذا الخلاف أو الاختلاف هو الذي جعل السعودية قادرة على التحكم المستمر في الشأن اليمني على الدوام، باستثناء حالات قليلة وقصيرة العمر.. منذ البداية شرع السعوديون في الاستيلاء على أراض شاسعة من اليمن، ونجحوا في ذلك، وسعوا إلى "موهبة" اليمن"، أو "وهبنة" اليمن، ونجحوا إلى حد كبير، وطروء الوهابية والجماعات الإرهابية الوهابية على اليمن مظهر من مظاهر ذلك النجاح.. المملكة السعودية حاربت الاقتصاد اليمني بالتهريب من أرضها، لكي تبقى سوقا للمنتجات السعودية، والمملكة حالت دون نجاح حكام اليمن -من أيام الإمام يحيى- في استخراج النفط والمعادن، والمملكة اشترت عملاء في كل المراحل، وسخرتهم لتمثيل سياساتها ومصالحها في اليمن دون مصالح اليمنيين، وفي الحالات الاستثنائية القليلة التي عمل فيها السياسيون وصناع القرار ومتخذو القرار اليمنيين للاستقلال عن النفوذ السعودي، ماذا فعلت السعودية؟ استخدمت أشنع الأسلحة الجرثومية، سلاح الطائفية، العدوان العسكري المباشر، القضاء على السياسيين والرؤساء الذين اعتبرتهم خارجين عن بيت الطاعة السعودي.. فإلى متى، وما العمل. السؤالان لجيل اليوم، قبل أجيال الغد.