ي من يقرأ تاريخ الديانات السماوية الثلاث يجد أن المسيحية قد اتخذت من التوراة- العبرية كتاباً لها مع بعض الإضافات المتعلقة بالسيد المسيح وتعاليمه، وأسموها بالعهد القديم، فلم يرض اليهود عن تلك الإضافات، فأنكروا نبوة المسيح من أساسها، وقالوا بألا وحي بعد النبي موسى، من تجلى له الله وكلمه بالرسالة المطلوبة منه. وكما أقفل اليهود باب رسالة النبوة بنبيهم موسى، فقد سلك المسيحيون المسلك نفسه، فبعد تدوين الأناجيل الأربعة (متّى، مرقس، لوقا، يوحنا) أو ما أسميت بالعهد الجديد، قالوا لا وحي سماوي بعد عيسى بن مريم، الذي تحدث باسم الله أو على لسانه، وهكذا أقفل المسيحيون باب الوحي ورسالة النبوة بمجيء نبيهم كما فعل اليهود من قبلهم. وكما التقى اليهود والمسيحيون في نقطة الافتراق هذه، فقد التقى الطرفان ولكن في نقطة توافق، فبعد أن بعث الله سبحانه محمد (ص) برسالة الإسلام، وأنزل عليه الوحي عبر ملاكه جبريل، حيث أنكر الطرفان (اليهود والمسيحيون) الوحي إلى رسول الإسلام وقالوا إن ما جاء به محمد (ص) ليس من وحي الله، وإن القرآن وتعاليم الإسلام ما هي إلا أمور صادرة من محمد (ص) أو من مصدر بشري إنساني وليس إلهياً، وروجوا لذلك إلى أن أقنعوا كثيراً من المسلمين باستخدام مصطلحات تخدم ما ذهبوا إليه مثل (الرسالة المحمدية) و(الشريعة المحمدية)، وغير ذلك مما يعيد ما ورد في الرسالة السماوية الإسلامية إلى محمد بن عبدالله وليس إلى الله سبحانه، كل ذلك لا يهم ما دام عفى عليه الزمن ومستجدات العصور، ولم يبق إلا في أذهان وتعصبات السلفية اليهودية، والمتشددين ممن يسمون بالمتشددين أو السلفية إلى نجولية. ما يهمنا اليوم هو كيف جاءت الديانة السماوية الإسلامية بعد قرابة ستة قرون على رسالة المسيح بكل ذلك التسامح والقبول بالآخر، فاشتمل القرآن الكريم على تأكيد ما قبله من ديانات سماوية (يهودية ومسيحية) وذكر أنبيائها ورسلها، بل عظّم المسيح وأمه مريم التي خصها بسورة من سوره، ونزيد على ذلك أن الإسلام قد جعل الإيمان والتصديق بالرسالات السماوية السابقة وكتبها شرطاً إيمانياً لا يكتمل إيمان المسلم إلا به. على هذا جاء الإسلام وقامت رسالته وتربى المسلمون، فما الذي حدث ويحدث حتى ينتقلوا من إنكار سماوية الإسلام إلى إنكار نهجه التسامحي الإيماني، ويلصقوا به ما هو عدواني وإرعابي وإرهابي، والتعامل مع معتنقيه على هذا الأساس، ليس كما فعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحسب، بل وبعض الدول الإسلامية التي تدّعي حماية الإسلام وخدمته، كالمملكة السعودية التي رحّلت من أراضيها أكثر من ستة وثلاثين ألف عامل باكستاني مسلم، وقال أحد مسئوليها الأمنيين (عبدالله السعدي): "يجب التأكد من التوجّه الديني والسياسي للباكستانيين قبل دخلوهم السعودية". ومرة ثانية نقول: ما الذي جعل دين التسامح مُصدّراً للإرهاب؟! لنا لقاء....