في الزمن القديم، وبالتحديد في صدر الإسلام وما بعده كان الشاعر إن قال قصيدة هجاء في شخص أو في قبيلة فإن لعنة التشرُّد تلاحقهم.. فقد كان الشخص المهجوّ يرحل من قبيلته ويبحث عن مكان آخر يسكنه بعد أن لحقت به لعنة الشاعر.. إلى حد أن البعض كان يطلب من الشاعر أن يشبِّب ببناته العانسات فلا يلبثن أن يتزوَّجن.. حتى بائع الخمار الأسود حين أصاب الكسادُ تجارته لم ينقذه غير شاعر كتب له قصيدة "قل للمليحة في الخمار الأسود"، ثم باع كلَّ ما لديه. إلى أن جاء عصر ابن الرومي الذي كتب كثيراً في الهجاء، وما كان يتعبه أن أحداً لم يكن يأبه لهجائياته، واشتكى ابن الرومي كثيراً من أن الناس لم يعودوا يخجلون ولم يعد الهجاء يؤثر فيهم أو يُخجلهم، لأنهم اعتادوا على ذلك، وأصبح الهجاء- رغم قذاعته في عصر ابن الرومي- اعتياداً كما لو أنه روتين يومي لا يلفت نظر أحد. ما دفعني لكتابة هذه المقدمة هو الوضع الذي نعيشه الآن، والشبيه بعصر ابن الرومي، فمهما كتب الصحفيون والكتَّاب والشعراء، فإن كلَّ كتاباتهم لا تأثير لها إلا كتأثير معزوفة موسيقية في معهد خاص بالصمِّ والبُكم. فلو كانت المقالات تثمر وتؤثر لما استطاع أمين العاصمة أن ينام وفي صنعاء مطب أو حفرة.. ولو كانت الكتابات تستطيع أن تغير واقعاً لما ظلَّ وزير الداخلية متشبِّثاً بموقعه، ولما ظلَّ باسندوة صامتاً تجاه كل هذه الكوارث التي تمرُّ بها اليمن وتكاد تصل إلى طريق لا عودة منه.