ما يحصل في اليمن من تداعيات لا يسر أحدًا من محبي اليمن، ولكن أهل اليمن هم المُتسبِّب الأول في وضعهم الراهن. أقلام ومفكرون حذَّروا وناشدوا الشعب اليمني للاحتكام للعقل، والخروج من حلقات التخلُّف -التي مُنِيَ بها ذلك البلد الغني بثرواته، العريق بتاريخه، الشامخ بكبرياء أهله- بالحوار البنّاء. المشهد اليمني لا يُبشِّر بخير، حيث أصبح قاب قوسين أو أدنى من التحوّل إلى دولة فاشلة على منوال الصومال؛ التي أصبحت في عالم النسيان، بعد أن مزّقتها الحروب القبلية، وتوغل الإرهاب في نسيج مجتمعها المشتت. خطورة اليمن وتأثيرها على دول الجوار، وعلى أمن المنطقة أكبر بكثير من غيرها بسبب موقعها الإستراتيجي، والتفتت القبلي والطائفي المتوغل في نسيجها الاجتماعي في الماضي والحاضر. بعد اتحاد الشمال والجنوب كانت هناك آمال كبيرة بأن التركيز سيكون على تثبيت الممارسات الديمقراطية، وعلى التنمية المستدامة في شتى المجالات وعلى رأسها التعليم، وتنمية الموارد الطبيعية، لتحسين مستوى المعيشة، وتأهيل اليمن للانضمام لمجلس التعاون الخليجي حتى يكتمل عقد منظومة البيت العربي في شبه جزيرة العرب، ويصبح قوة إقليمية ضاربة. وبعد ثلاثة عقود من حكم "علي صالح" وأعوانه فشل النظام في إحداث نقلة نوعية تُلبِّي تطلعات الشعب اليمني بكل فئاته، وذهب كل ما تلقاه اليمن من دعم مادي ومعنوي -إقليمي ودولي- أدراج الرياح. انتفض الشعب اليمني ضمن تداعيات الربيع العربي مطالبًا بالإصلاح والتخلص من الفساد، والانتقال إلى مستوى أفضل. دول مجلس التعاون الخليجي بالتعاون مع الأممالمتحدة بذلت جهودًا مُكثَّفة لإخراج اليمن من محنته؛ وتجنيبه الدخول في أتون حرب أهلية وانزلاقه إلى مستنقع الدولة الفاشلة. خرج الرئيس "علي عبدالله صالح" ولم يخرج، لأن الدولة العميقة التي خلّفها بقيت تلعب بكل الأوراق الرابحة والخاسرة، في السر والعلن، لتجر اليمن إلى ما وصل إليه في الوقت الراهن.. فوضى عارمة، وعدم استقرار، وتعطيل الحياة المدنية بكل مقوماتها. في الماضي كان الصراع "سنِّي زيدي"، وبعد الثورة وتنحية الإمامة وتوحيد الشمال والجنوب تحوَّل الوضع إلى خلطة عجيبة لا يتسع المجال للخوض في تفاصيلها، وما أحدثته من مآسٍ لشعب اليمن. ظهر الحوثي وتراجعت الزيدية التقليدية. وتراجع كذلك الاعتدال السنّي بتوغُّل نفوذ الإخوان المسلمين كما يُقال. وأخيرًا وجدت القاعدة مأوى ومنطلقًا لتحركاتها. والمعضلة التي تواجهها الدول المضطربة -اليمن وغيرها- أن أوضاعها تتحول من السيئ إلى الأسوأ، ومع مرور الزمن تعم الفوضى وينعدم الأمن والاستقرار، وتتحول إلى دول فاشلة بكل ما يعنيه الفشل من معانٍ، وعواقب وخيمة على البلد وأهله. عودة "علي صالح" الرئيس السابق بعد تنحيه عن السلطة يعد انتكاسة لليمن، وحالة تخريب وليس محاولة إصلاح، ولو كان بإمكانه الإصلاح لفعل ذلك خلال ثلاثة عقود من الزمن كان فيها اللاعب الوحيد على المسرح اليمني، يتلقى ويُنفق كل المعونات من كل الجهات. خاصية اليمن أن كل مؤسساته على ضعفها تعكس الانتماءات الطائفية والقبلية بكل مساوئها ومحاسنها -إن وجدت- مثل اقتناء الأسلحة والاحتماء بالنعرة القبلية وغيرها. وكل ذلك على حساب إضعاف الحكم المركزي وسلطة القانون، وشل فعالية الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى. ما يتعرض له اليمن في الأشهر الماضية ظاهرة غريبة. العاصمة صنعاء تسقط ولا تسقط.. الجيش موجود وغير موجود.. مظاهر انقلاب على السلطة، ولكن الرئيس عبد ربه منصور ما زال موجودًا في قصر الرئاسة، واليمن في طريقها إلى وحول الدولة الفاشلة بمساعدة إيران، وتجاهل المجتمع الدولي، هذا الطرح قد لا يعجب بعض إخواننا في اليمن، ولكن الحقيقة مُرَّة، وصديقك من صدقك وليس من صدّقك.