لا يعرف العسل اليمني طريقه لمنازل الفئات الأشد فقرا، نظرا لارتفاع أسعاره، لكن “قوت الأغنياء” أصبح في الفترة الأخيرة يمر من تلك المنازل، حيث باتت كثير من الأسر الفقيرة تعتمد على إنتاجه لتحسين معيشتها. ولجأت عشرات الأسر النازحة من الحروب في جنوباليمن إلى تربية وإنتاج النحل، واعتمدت عليه كمصدر دخل، مستفيدة من دعم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن، التي دربتهم على تربية النحل وتزويدهم بخلاياها الخاصة.
ومن بين ما تنتجه تلك العائلات عسل السدر، وهو من أجود وأغلى أنواع العسل على مستوى العالم، حيث يصل سعر الكيلو من أنواعه الفاخرة إلى ما يقارب 200 دولارا.
تدريب النحالين
وقال جادو باتيلا منسق الأمن الاقتصادي في بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن، في بيان حصلت وكالة “الأناضول” الإخبارية على نسخة منه: “اضطرت مئات العائلات عام 2014 إلى النزوح؛ بسبب النزاع والعنف في مناطق مختلفة من جنوباليمن، وكانت هذه العائلات تربي النحل، وكان إنتاج العسل هو كل ما يعرفون”.
وإضافة إلى تدريب نحالين، قامت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتشغيل مشاريع تدر دخلا لعائلات النحالين النازحة.
بدوره، قال سبيت مهدي، وهو رجل خمسيني وخبير في تربية النحل، ويقطن ببلدة ردفان بمحافظة الضالع: “التدريب الذي نقدمه للمستفيدين من هذا المشروع، قد يمكنهم من حصد كمية تصل الى 150 كلغم من العسل سنويا”.
“أمجد أحمد” وهو شاب عشريني ينتمي إلى قرية الرضوع بمحافظة الضالع، قال ل”الأناضول”: “لدي أحلام عظيمة، فهذه هي المرة الأولى التي أتعلم فيها كيف أعتني بالنحل بصورة ملائمة, أنا متشوق حقًا لكي أبدأ هذه الوظيفة الجديدة لأساعد عائلتي على تأمين دخل مادي، وأخطط لزيادة إنتاجي وأن أكون أحد كبار النَّحالين في اليمن”.
وقامت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بتدريب 310 شخصا مختارين من النّحالين في 9 قرى في وادي “الرضوع” في محافظة الضالع، وتزويدهم بالمواد اللازمة مثل خلايا النحل المزودة بحاملات حديدية ومستعمرات نحل وسكر وأجهزة إطلاق دخان ونخاريب النحل ومستخلِصات العسل وأردية واقية.
بدوره، قال “برتراند لامون”، وهو رئيس البعثة الفرعية للصليب الأحمر في عدن، جنوبياليمن، “نحرص كمنظمة إنسانية موجودة في اليمن منذ مدة طويلة، على إطلاق أنشطة سريعة وجيدة في مجال الأمن الاقتصادي، تعود مباشرة بالنفع على السكان المتضررين جراء العنف المسلح”.
وتابع، “من خلال تشجيع النشاط التقليدي المدرّ للدخل في أوساط السكان الذين يواجهون المخاطر، فإننا لا نتأكد وحسب من أن مصادر كسبهم للعيش باتت مستدامة، بل نساعدهم كذلك على إتقان ممارسات يجيدونها بالفعل، وهي إنتاج عسل عالي الجودة.”
واهتم اليمنيون بتربية النحل وإنتاج العسل منذ قرون طويلة، وقال مؤرخون، إن اليمن وصف قبل 3 آلاف عام بأنه “موطن الطيوب والعسل”.
وتختلف أسعار العسل اليمني من صنف الى آخر، ومن منطقة إلى أخرى، حسب تجار العسل في اليمن.
ووفقا لمحمد سعيد، وهو أحد العاملين في تجارة العسل بمدينة تعز، فإن ال “كغ” الواحد من جميع أنواع العسل، يبدأ من 6 آلاف ريال يمني “30 دولار”، وترتفع الأسعار بعدها حسب نوعية وجودة الصنف.
وأضاف سعيد في حديث ل”الأناضول”: “حاليا ال (كغ) الواحد من عسل السدر يباع ب13 ألف ريال “65 دولار”، وهناك أصناف فاخرة يصل سعر الكيلو الواحد منها الى 40 ألف ريال “200 دولار”، أما الكيلو الواحد من العسل الدوعني والسمر، فيصل سعره الى 9 آلاف ريال يمني “45 دولار”“.
ويعد عسل السدر، المتواجد في محافظة الضالع وتعز، جنوبياليمن، من أجود أنواع العسل اليمني، إضافة إلى العسل الدوعني، المتواجد في مديريات محافظة حضرموت، شرقي البلاد، والسبب أن النحل تتغذى في تلك المناطق على أشجار العلب (السدر)، على العكس من النحالين الذين يقدمون للنحل وجبات خالصة من السكر فتنتج أصنافا ذات جودة أقل.
ولعسل السدر مميزات عديدة، أهمها تأثيره على الجسم, فهو يحرك طاقة البدن عند الإنسان، وخصوصا الطاقة الجنسية، ولهذا يعده الكثيرون منشطاً ويفضلونه، نظراً لخلوه من الآثار الجانبية التي تسببها العقاقير الكيميائية.
وتختلف جودة العسل كذلك باختلاف الطرق الملائمة لتربية النحل، ومهارات النحّال في استخراج المنتوج من مستعمرات النحل، وكيفية التعامل معها.
ويحظى العسل اليمني بشهرة واسعة في الداخل والخارج، ويعده كثيرون دواء ومقوياً ومنشطاً حيوياً ومغذياً، مما جعل سوقه في اتساع دائما، وهو ما جعله سفيرا لليمن في العالم.