في كل موسم حج يتعرض الحجاج الى الكثير من العنت و المتاعب في أثناء أداء المناسك ، و لعل حادثة منى لئن كانت الاخيرة ألا أنها لن تكون الاخيرة ، ففي كل موسم هناك قتلى و مصابون جراء التدافع والازدحام ، ففي موسم (1978) أي قبل نحو أربعين عاماً في يوم النحر كدتُ و أمرأة عجوز الى جواري أن نكون من المرحومين جراء التدافع و الازدحام بين القادمين و الذاهبين ، فالحجاج ليسوا على ثقافة واحدة و لا على لغة و احدة و لا هناك ألتزام بقواعد سلوكية واحدة ، هناك من بريد أن ينتهي من المناسك و يتحلل من الإحرام قبل غيره و هناك من يعتقد ان من تسرع في أداء المناسك كان ثوابه اكبر، فالحج موسم تتلاقى فيه الامواج البشرية في مكانٍ واحدٍ قادمين من كل فك عميق حيث يتساوى الوجيه مع الوضيع و حيث يقف الجاهل الى جانب العالم و الغني الى جانب الفقير و ضعيف البنية الى جانب القوي المفتول العضلات و هكذا، و في كل موسم حج يتضاعف الحجاج لا يتناقصون ، و لعل التدافع و الازدحامات و تزايد أعداد الحجيج هو تصديق للقول أن الحج هو الجهاد الأصغر، و لكن يبقى السؤال ألا من سبيل لحج بلا قتلى ، بلا دماء ، بلا تدافع ، بلا أزدحامات بلا منغصات ، حج تتوافر فيه السلاسة و اليسر ؟؟ لقد وجد الحج قبل نزول الاسلام بألاف السنين ، و بغض النظر عن كيفية الطقوس التي كان تؤدى قبل الاسلام ، لكن يبقى الحج هو الحج و الطواف حول بيته المحرم هو الطواف ، بل لعل من الامور الجديرة بالملاحظة حسب ما ينقل لنا التاريخ ان الحجاج في تلك الأزمان البعيدة كانوا يطوفون عراة حول الكعبة ليتحللوا من معاصيهم وأوزارهم ، هذه المسألة تحتاج ألى فهم دقيق ، المسلمون حتى هذه اللحظة يؤدون مناسك الحج بفهم آلي و تقليدي بينما مع تزايد أعداد المسلمين و تالياً تزايد أعداد الحجاج في كل موسم يفترض أيجاد أليات جديدة تواكب التطور و تواكب الإعداد الهائلة من الحجيج ، المشكلة أو القصور ليس من قبيل سوء الادارة كما بوصمه بعض المتصيدين ، فالحق يقال تبذل السعودية جهوداً جبارة للتسهيل على الحجاج ، لكن المشكلة تزايد الحجاج و محدودية المساحة التي يتحرك فيها هؤلاء ، و هي مساحة لئن كانت في الازمنة السابقة مقبولة ، لكن ليست كذلك في الزمن الحاضر و لن تكون كذلك في الازمنة القادمة ، من هنا ينبغي تطوير آلية الحج سواء من حيث توسعة المساحة أو من حيث التوسعة الزمنية ، فالله الذي جعل الحج الركن الخامس في الاسلام جعله على المستطيع الذي تتوافر فيه شروط الأداء ، فهل من شروط الاداء مثلاً التدافع و الازدحامات في مكان واحد و في توقيت واحد ، ان الله لا يريد لعباده المشقة و لا يريد لهم الايذاء و أنما يربد لهم اليسر و السهولة ، و على العباد فهم الدين على أنه يسر و ليس عسراْ، و أنه أهم من التوقيت هو الأداء ، فالله الذي خفف على عباده الصلوات و ترتيل القران ، يجدر بنا فهم أن أمكانية التيسير في مناسك الحج أيضاً متوافرة ...
نعود لنقول أن المشاكل و الصعوبات المتعاظمة مع تزايد أعداد الحجيج ليس مكمنه سوء الكفاءة الإدارية أو سوء الأعداد الإداري و حسب و لو كانت أدارة الحج تحت أدارة هيئة أسلامية او أية دولة أخرى لكانت المشاكل هي ذاتها و انما أغلب الظن وراء تكرار المشاكل في كل موسم كون محدودية المساحة التي يتحرك فيها الحجيج و المحدودية الزمنية للحج وهي يوما عرفة و النحر، لذلك يتعين تجديد ألية الحج مكانياً و زمانياً بما يسهل الأداء بيسر و بلا منغصات أو منكدات ، و نعود ألى القول إن الله يريد اليسر لعباده لا العسر ، و أن الأهم من التوقيت هو الأداء ...