على ضوء ما تم تناوله من مقاربات تاريخية في هذه المقالة يمكن استخلاص الأفكار الآتية: 1- التوظيف السياسي لحادثة كربلاء : لقد تم توظيف حادثة كربلاء توظيفا سياسيا من قبل إيران من خلال تطرفها في ممارسة الغلو الذي حذر منه رسول الله في حديث شريف بقوله " إياكم والغلو فإنما اهلك ما كان قبلكم الغلو " , وبالتالي فالسياسة الإيرانية تمارس تعظيم الحسين بإعطائه منزلة فوق منزلته ( الغلو) وتتخذ ذلك وسيلة في تصدير الثورة الإيرانية إلى بلدان أخرى للحصول على مكاسب سياسية وتأتي الحرب اليمنية الثانية لغزو الجنوب في مارس 2015م الذي تصدرتها حركة أنصار الله الشيعية ضمن هذه السياسة التي يمكن اعتبارها حرب إقليمية على الأرض اليمنية بين إيران ومن معها والسعودية ومن ورائها وفي الأول والأخير فهي لا تخرج عن النتائج السلبية المترتبة عن مأساة كربلاء. إن استغلال إيران لهذه الحادثة يعود إلى غباء العقل العربي الذي ترك فراغ بعدم إعطاء هذه الحادثة حقها في النقد والتحليل والإنصاف التاريخي لطالما وهي حدثت في ارض عربية , والحسين وإخوانه وأصحابه الذين تعرضوا للمأساة هم في الأساس عرب , ولذا ينبغي إن يكون للعرب الأولوية في القيام بهذه المهمة بدلا عن إيران التي استغلت هذه الحادثة للغلو الديني وللتوظيف السياسي بسبب ارتباطها بنسب مع الإمام الحسين المتزوج من أمراءه فارسية , وبالتالي فإن استمرار الغلو والتوظيف السياسي لحادثة استشهاد الحسين لم ولن يخدم الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة العربية , وما ينبغي القيام به هو تقييم هذه الحادثة تقييما حقيقيا لاستلهام الدروس والعبر التاريخية منها لا غير . 2- فصل الدين عن السياسة هو الحل : إن احد الأسباب الرئيسية في تكرار الحروب في البلدان العربية والإسلامية عبر التاريخ هو توظيف الدين في السياسة توظيفا خاطئا , وبالتالي فإن الحل لهذه المشكلة هو الاقتداء بتجارب البلدان الأوربية التي نجحت في الإدارة السياسية لبلدانها بإتباع مبدأ فصل الدين عن السياسة , ولم نذهب بعيدا فالهند دولة أسيوية ومن اكبر البلدان في عدد السكان وتنوع الأديان ولكنها دولة مستقرة سياسيا ومتطورة صناعيا تتبع سياسة رشيدة في التعامل مع الدين .وفي تجربتنا الجنوبية فقد شكلت سياسة دولة الجنوب قبل الوحدة وكذا اتفاقية الوحدة اليمنية في عام 1990 والدستور القائم عليها في اعتمادها الديمقراطية والتعددية السياسية خطوة هامة في رسم العلاقة المناسبة بين الدين والدولة , إلا إن هذا الإجراء لم يُرحّب به وتم إجهاضه بالحرب في عام 1994م من قبل نظام صنعاء الذي يكرّس المذهبية والطائفية والقبلية حماية لمصالح فئات ضيقة في المجتمع الشمالي . 3- الخذلان سمة من سمات التخلف والاستبداد والفساد: الخذلان هو صفة مجتمعية تُكتسب بتأثير التخلف والاستبداد والفساد الذي يظهر في أوجه متعددة , وبالتالي يُمارس الخذلان إما بدافع الخوف أو الجهل أو الانتهازية والذاتية , لان الانتهازيين والذاتيين لا يلتزمون بأي مبادئ أو ثوابت وطنية للصالح العام ولكنهم يُغيّروا مواقفهم بما يخدم مصالحهم الشخصية , وبالتالي يكون على عاتق الثورة مسئولية كبيرة في فرز وتحديد ومحاصرة هذا الصنف من الناس لان تسلقهم إلى مفاصل الثورة أو الدولة سوف يُعجًل من فشلهما . فمثلا الذين خذلوا البيض من الجنوبيين في 94م وهو على حق وتحولوا إلى وحدويين مع نظام صنعاء, فذلك ليس حبا للوحدة وإنما حبا في الامتيازات المغرية التي تحصلوا عليها من الرئيس صالح ,وما إن اندلعت ثورة الشباب في صنعاء في عام 2011 حتى تركوا صالح ليلتحقوا بالرئيس الجديد هادي وعندما اعتقل هادي من قبل الحوثيين في صنعاء فالذين تركوه ليس من السياسيين المعروفين الذين اعتادوا على تغيير الوانهم وجلودهم فحسب بل كانوا من اقرب المقربين أليه , وعندما شن الحوثيون الهجوم على الجنوب بعد خروج هادي إلى عدن لم يستطع الأخير حماية نفسه بعد اعتقال وزير دفاعه وكبار قادته العسكريين في أول يوم للمعارك بسبب خذلان من اعتمد عليهم وزودهم بالأموال والسلاح خلال فترة رئاسته . 4- نضج الظروف الموضوعية والذاتية شرط ضروري لنجاح الثورات عبر التاريخ: إن حادثة خذلان الحسين هي الأبرز في التاريخ الإسلامي لكون الذين خذلوه هم الذين بايعوه على الخلافة وطلبوا منه الحضور من المدينةالمنورة إلى الكوفة , ويأتي ذلك بسبب عدم نضوج الظروف الموضوعية والذاتية للقيام بثورة على هذا المستوى . وإذا ما قاربنا ذلك إلى الثورة السلمية الجنوبية لتحرير واستقلال الجنوب ( الحراك الجنوبي السلمي ) سنجد عدم نضوج شروط قيام الثورة , فهناك صعوبات في الحصول على التأييد الإقليمي والدولي لاستعادة دولة الجنوب , ناهيك عن ضعف الإعداد الذاتي للقيام بهذه الثورة , فبرّغم من توفر الإرادة الشعبية الصلبة ألا إن المشكلة تكمن في عدم القدرة على التنظيم بسبب عوامل عديدة منها ضعف بعض النخب السياسية والميدانية وعدم مصداقيتها في التعامل مع قضيتها, فهذه النخب خذلت الرئيس الشرعي للجنوب علي سالم البيض الذي قضى نحبه وبح صوته ونضب حبر قلمه في استعطافهم وحثهم على التنظيم والتوحد وبناء الحامل السياسي القادر على قيادة الثورة بكفاءة واقتدار فضلا عن مخاطبته للهيئات الإقليمية والدولية للاعتراف بقضية الجنوب ودعمها, ولكن لا حياة لمن تنادي فلا أنها التزمت له ولا أنها استطاعت تنظيم نفسها بدونه , فتتظاهر أمام شعب الجنوب بأنه معه ومعترفة بشرعيته في حين أنها تمارس عكس ذلك في الواقع فيصل بها الحد إلى إسقاط اسمه من البيانات السياسية للفعاليات الوطنية التي يدعي هو بنفسه الجماهير لإحيائها , وبالتالي تُظهّر نفسها أمام شعب الجنوب وكأنها نُخب بأوجه متعددة متذبذبة في مواقفها ترعي مع الراعي وتأكل مع الذئب لا تهتم سوى بمصالحها الشخصية، ويستثنى من هذا التوصيف نُخب الضالع الثابتة في مواقفها والصادقة في أفعالها والصريحة في سياساتها فهي تناضل بكل وضوح من اجل استعادة دولة الجنوب تحت راية علم الجنوب وتحت قيادة رئيسها الشرعي علي سالم البيض الذي رفعت له صورة كبيرة في قلب مدينة الضالع مكتوب عليها أنت قائدنا , ولهذا السبب انتصرت الضالع وصدت كل السيول البشرية القادمة من الشمال والمزودة بأحدث أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة دون مساعدة من مصفحات التحالف. إن ما يعيق تقدم التنظيم أيضا في الثورة هي الاختراقات الأمنية والسياسية من قبل نظام الاحتلال في صنعاء وعدم قدرة الثورة على فرز من هو المخلص ومن هو الانتهازي ومن هو الخائن نتيجة لعدم وجود العمل المؤسسي وبالتالي فإن عدم قدرة الثورة على تنظيف نفسها من الخونة والانتهازيين فضلا عن عدم قدرتها عن تنظيم صفوفها سوف يعجل من فشلها المحتوم إذا لم يتم بناء التنظيم ومعالجة الخلل على وجه السرعة . الرئيس هادي ينتمي إلى الجنوب ويعد الحراك عمقه الاستراتيجي والملاذ الأخير الذي يلجأ له وقت الشدة ولكنه تعاطا معه بسياسة التفكيك باستخدام نفس الوسائل التي يستخدمها الرئيس صالح بالإغراءات وشراء الذمم وإفساد بعض قيادات الحراك الذي وصل بهم الترويج لهادي بأنه هو من سيعيد الجنوب , وبالتالي اندلعت الحرب والحراك مفكك وغير جاهز لها ومع ذلك ساهم اغلب ناشطيه في الحرب بشكل فردي وقدموا بطولات خدمت هادي وشرعيته فماذا لو كان هادي صرف النظر من سابق عن تنظيم الحراك ... لكان خدم موقفه بشكل اكبر وأفضل مما حدث . وتأتي دول التحالف لتكمل الدور نفسه في تفكيك صفوف المقاومة الجنوبية والتعامل معها بانتقائية كإفراد وجماعات تدعم من تريد وتهمش من تريد وتستدعي من تريد وهذا السلوك يبدد أي أمل لدعم وتنظيم وتأهيل المقاومة الجنوبية كمنظومة متكاملة من قبل التحالف مما يزيد الوضع تعقيدا أمام الثورة الجنوبية التحررية , وبالتالي ينبغي على الثورة الجنوبية التحررية بشقيها السياسي والعسكري باتخاذ سياسة تكتيكية مع ما يسمى بالشرعية اليمنية ودول التحالف وعدم التعويل عليهما كليا في استرجاع دولة الجنوب وعليها الاعتماد على نفسها في الدعم المالي والتنظيم المؤسسي , ولكي تستطيع الاستمرار والتقدم بثقة نحو تحقيق الهدف ينبغي إن تُقيّم أدائها السابق وتنظف نفسها من العملاء والانتهازيين وتُنصب عناصر قيادية جديدة أينما تتطلب الحاجة لذلك, وفقا لمعايير مرتبة بحسب الأولوية وهي الإخلاص – الصدق - النزاهة - الكفاءة . 5- احترام دماء الشهداء والسير على خطاهم : الشعوب التي تتخلى عن شهدائها ورموزها لا تنال الحرية والعكس صحيح ,والحكّام الذين يسفكوا دماء رعاياهم لم يدوموا ولم يغفر لهم التاريخ , ودم الإمام الحسين نموذج تاريخي يمكن الاستدلال به في ذلك. وبالتالي يجب احترام آدمية الإنسان ودمه وعرضه وماله وتحريم سفك الدماء بغير حق من اجل السلطة والنزعات الذاتية وتعزيز قيم التصالح والتسامح والتآخي , يقول رسول الله " لو دمروا الكعبة حجر حجر أهون من إراقة دم مسلم بغير حق " . وبالنسبة لشعب الجنوب فهو شعب حي لم يتنازل عن شهدائه وتاريخه وهويته , وما نشاهده من مواكب التشييع الضخمة لشهداء الحراك السلمي كموكب الشهيد وضاح البدوي وشهداء منصة الحبيلين في بداية الحراك وغيرها من المواكب التي تلت هذه المواكب في عموم محافظات الجنوب خير دليل على ذلك , فضلا عن قيام المهرجانات المليونية للمناسبات الوطنية اعتزازا وتبجيلا بشهداء ثورة 14 أكتوبر. وبالتالي يمكننا القول إن مواكب التشييع الكبيرة المتتالية التي تم الاعتداء على بعضها من قبل سلطات الاحتلال اليمني هي من زلزلت عرش الرئيس علي عبد الله صالح كنتيجة منطقية لانتصار الدم على السيف . لقد استشهد العديد من نشطاء الحراك السلمي وهم يرفعون إما صور شهداء سابقين أو علم الجنوب أو صور الرئيس علي سالم البيض , وهذا دليل بما لا يدع مجالا للشك بأن شعب الجنوب متمسك بثلاث ثوابت في مسيرته النضالية ولن يتخلى عنها ويعتبر التمسك بها شرط أساسي لاسترجاع الدولة الجنوبية السابقة, وهذه الثوابت هي دماء الشهداء والعلم والرئيس , فأما دماء الشهداء فهي تعبر عن رمزية الصمود والاستبسال والبقاء للشعب الجنوبي وأما العلم فهو يعبر عن رمزية الدولة والهوية وأما الرئيس فهو يعبر عن الشرعية السياسية والشعبية كرمزية مكملة للدولة إلى جانب العلم . 6- التاريخ لا يرحم : لا يستطع احد إن يخفي حقائق التاريخ أو يزورها مهما كانت قوته ونفوذه واحترافه , وكما يقال إن التاريخ لا يرحم بما معناه سوف يعبر عن نفسه ويكشف عن حقائقه طال الزمن أو قصر دون تستر أو مجاملة لكائن من كان , وهذا المعنى هو رديف للمعنى الذي يقول إن التاريخ مُنصف , فعلى سيل المثال لم تكن حادثة القتل الشنيعة للحسين مجرد نهاية لحياته وطي لصفحته بل ضلت وستضل هذه المأساة ملازمة لاسم الحسين ودم الحسين تناقلها الأجيال عبر التاريخ . كما إن المقولة التي تقول الجزاء من نفس العمل هي احد عٍبر التاريخ , وإذا ما تأملنا في أحداث التاريخ القريب ولتكن أحداث حربي 94 و2015 على الجنوب سنجد إن الحلف الشيطاني لحرب 94م على الجنوب المتمثل بتحالف العسكر والقبائل ورجال الدين قد تفكك وأضحت رموزه ليس في خصام شديد فيما بينها فحسب بل وفي اقتتال ودم وثار, وبالتالي حصلت على جزائها أو كما يقول الجزاء من نفس العمل . وبالمقابل فالذين دافعوا عن الجنوب ولبّسوهم تهمة الخيانة والعمالة والارتزاق والانفصال وعلى رأسهم الرئيس البيض الذي حُكم عليه بالإعدام , لم يلبث التاريخ إلا أن يسارع في إنصافه قبل مماته , فبالأمس كنا نرى تقطيع العلم الجنوبي بخناجر القبائل اليمنية الغازية للجنوب والدوس على صور الرئيس البيض صانع الوحدة بإقدامهم القذرة , واليوم وبعد إن حصص الحق نرى الأعلام الجنوبية وصور الرئيس البيض مرفوعة في كل مدن الجنوب بصورة اكبر من ما كانت عليه أيام الدولة الجنوبية قبل 90, وبالمقابل شاهدنا صور الرئيس صالح وعلي محسن الأحمر وحميد الأحمر وجميع أسرة الأحمر تُقطّع وتُداس بنفس ما حدث في الجنوب . وأيضا شاهدنا الذين انتهكوا منازل القيادات الجنوبية في عدن وأولهم منزل البيض في عام 1994م تم انتهاك منازلهم في صنعاء بنفس الطريقة من قبل الحوثي في حرب 2015م . إن مقولة الجزاء من نفس العمل التي تعبر عن حقيقة الإنصاف التاريخي لم تقتصر على القيادات التي أجرمت في حق شعب الجنوب بل ستشمل كل من شارك ودعم العدوان والاحتلال من فئات الشعب بما فيهن النساء اللواتي زودن مقتلي الاحتلال بالخبز والكعك لغرض احتلال الجنوب على حساب شعبه المظلوم في عام 94م , وما يؤكد ذلك هو الاعتراف بالندم , من قبل القيادات نفسها التي استفادت وغنمت من الحرب , عن سؤ معاملتها للشريك الجنوبي, إذ جاء ذلك على لسان اللواء علي محسن الأحمر وهاشم الأحمر والشيخ سنان أبو لحوم .. وغيرهم في ثورة عام 2011م وما قبلها وما بعدها , وسيندمون أيضا مستقبلا عن ظلمهم وغدرهم بشعب الجنوب عندما ينال الجنوب استقلاله , لاسيما وان الشمال مرشح للدخول في مشاكل طائفية ومذهبية وقبلية لا حدود لنهايتها , ونحن لا نتمناها ولا نتشفى بها بل نتمنى للشمال إن يتغلب على جميع مشاكله وان يكون دولة جارة يسودها الرخاء والسلام ترتبط بعلاقات صداقة وإخاء وتبادل تجاري وخدماتي مع جارتها دولة الجنوب . لقد أضحى واضحا للجميع إن الوحدة فشلت وان الجنوب سينال استقلاله عاجلا أم آجلا , ومن سيخرج من التاريخ هو علي صالح ومن تآمر معه في نكث الشراكة الوحدوية وذبحها من الوريد إلى الوريد وفي شن الحرب وقتل المدنيين واحتلال الجنوب , ومن سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه فهو شعب الجنوب بجميع شهدائه وجرحاه ومناضليه وفي مقدمتهم الرئيس علي سالم البيض الذي أنصفه التاريخ وسيخلده أيضا , باعتباره شخصية تاريخية قدّمت نموذج لنكران الذات والتضحية من اجل مصلحة الشعب أكان في تبنيه للوحدة والديمقراطية أو لفك الارتباط بعد فشل الوحدة , ولم يبقى لشعب الشمال كله إلا النواح على الوحدة ورائدها البيض كنواح الشيعة على خذلان الحسين رضي الله عنه في ارض كربلاء المقدسة . ( انتهى )