لم تكن ظاهرة إطلاق النار وليدة اليوم بل هي ظاهره متأصله في جذور تاريخنا ارتبطت بشكل مباشر بعادات وتقاليد عدة كالاحتفال بمظاهر الزواج والاعياد والترحيب بالضيوف والتحكيم العرفي بين الناس ...الخ وبقدر ما كانت لهذه الظاهرة من إيجابيات في زمن ما ,يتعلق بإشهار الزواج واعلانه والتعبير عن مظاهر الفرح , خاصة قبل ظهور المدن والتجمعات السكانية على النحو القائم ,الا انها اليوم يفترض بها ان تكون من الماضي نظراً لخطورتها على حياتنا وأضرارها المادية والنفسية على مجتمعنا ,ونظرا لتطور المجتمع واستخدامه وسائل بديله للتعبير عن تلك المناسبات , كالأعلام المرئي والمقروء والمسموع ,ووسائل التواصل الاجتماعي ,والفن و الألعاب النارية وغيرها من وسائل التعبير الفرائحيه التي تتلاءم مع مجريات العصر والوضع القائم .
إطلاق النار في الاعراس والمناسبات على هذا النحو الذي يراه الجميع ,حول الكثير من افراحنا الى احزان ومأسي ليس في الضالع فحسب بل وفي مختلف مناطق اليمن والبلدان العربية التي تمارس هذه العادة خاصة في اريافها وبلداتها البعيدة عن العواصم والمدن الرئيسية ورقابة الدولة ,فأصبحت ظاهره اقليميه مؤرقة نغض الطرف عنها , لان استئصالها ومحاربتها محاربه واستئصال للثقافة والهوية في نظر البعض او لان بعضنا يحس بالتميز واكتمال الرجولة عند ممارستها.
لذألك نقول لهؤلاء ان ثقافة اطلاق النار هي في الأصل ثقافه دخيله على ثقافتنا، وثقافه غير اصيله في تاريخنا , لان البشرية لم تعرف السلاح الناري الا منذ سبعه قرون خلت تقريباً, ولم تصل الى ديارنا وديار العرب بشكل عام الا مع أوائل الغزوات الاستعمارية ومنها الاحتلال التركي الأول لليمن عام1635 م ومع ذألك ضلت لقرون عده حصرياً على الدويلات الحاكمة والقوى العسكرية الغازية ثم رؤساء القبائل والعشائر وكبار الملاكين والوجهاء كنوع من التمييز الطبقي والاجتماعي في المجتمع اليمني .
لذألك ظلت طقوس الزواج لعصور طويله في مجتمعاتنا بدون بارود ولا دخان وتمارس على الفطرة والسنه المحمدية الذي تتخذ من المسجد مكاناً لإشهار الزواج ليعلم الحاضر الغائب بواقعة الاحوال الجديدة في حياتهم , حتى لا يقع الناس في اعراض الغير, ثم يولمون ويضربون للنساء بالدفوف ,وفقاً للسنه وامتثالا لقول الرسول لعبدالرحمن ابن عوف (اولم ولو بشاه ) كما ورد في الصحيحين . وبناءً على ما سبق فقد اتفق الشرع والشارع والنظام العام على تجريم هذه الظاهرة ومحاربتها بشتى الطرق واجتثاثها للأسباب التالية:-
1- اثارة الخوف بين الناس واقلاق السكينة وتعكير صفو الامن والسلامة العامة وتعريض حياة الناس وممتلكاتهم للأذى او القتل والدمار ,وهو ما يتعارض مع قوله تعالى ( من اجل ذألك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحياء الناس جميعاً ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم ان كثيرا منهم بعد ذألك في الأرض لمسرفون ) المائدة 32 و مع حديث الرسول القائل ( لا يحل لمسلم ان يروع مسلماً )رواه أبو داود وصححه الالباني , وكذألك ما نهى عنه في حديثه من حمل السلاح مكشوفاً او الإشارة به الى الاخرين بقوله (اذا مر احدكم في مسجدنا او سوقنا ومعه نبل فليمسك على نصالها او قال فليقبض بكفه ان يصيب احد من المسلمين منها بشي ) رواه البخاري ,وعن ابي هريره قالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يشير أحدكم الى أخيه بالسلاح فأنه لا يدري احدكم لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفره من النار) رواه مسلم . وقد انعكست هذه الاحكام الواردة في كتاب الله وسنته في القانون العام لقانون العقوبات اليمني رقم (12/1994م) المعدل وقانون تنظيم حمل الأسلحة النارية والذخائر والاتجار بها رقم (40/1992م ) وغيرها من القوانين.
2- إطلاق النار متلف للمال وهو ما نهى تعالى عنه بقوله (ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً) الاسراء اية 27واطلاق النار على النحو الذي نراه اليوم موافقاً لحكمه تعالى فهو مضيعه للمال وتبذير.
3- اطلاق النار معصية لولي الامر، انطلاقاُ من القاعدة القائلة اذا نهي ولي الامر عن مباح فلا يجوز فعله ,والشرع والعرف والقانون الوضعي الذي نحتكم اليه اليوم ينهي عن ذألك ويجرمه وفقاً للقوانين سالفة الذكر ولهذه الأسباب مجتمعه فقد اقر الشارع اليمني لمحاربة هذه الظاهرة الإجراءات والعقوبات التالية .
1- منح أي مواطن الحق القانوني في تقديم الدعوى الجزائية ضد مطلقي النار في الحفلات او غيرها في حال تضررهم معنوياً او مادياً او جسدياً وطلب التعويض المناسب للضرر الذي الحق بهم.
2- تجريم ظاهرة اطلاق النار من الأسلحة النارية في الأماكن العامة ومعاقبة مرتكبها بخمس سنوات سجن ,حتى لوكان سلاحه مرخصاً.
3- السجن خمس سنوات مع دفع الديه المالية الكاملة لكل من تسبب في وفاة أي شخص بسبب اطلاق النار من سلاح ناري في حالة جرائم غير القتل العمد .
4- تشديد العقوبة الى ما هو اكبر من الديه والسجن المحددة في الفقرة (3) في حالة اخذ القاضي بالقصد الاحتمالي عند النظر في حيثيات القضية والبينة المستمعة لفاعل الجريمة.
لهذا نرى ان ضحايا اطلاق النار في ظاهرة الاعراس والاعياد في الأصل عمديه وليس جريمة تسبب في الوفاه او غيرها وفقاً لما يسمى قانوناً بالقصد الاحتمالي وان المشرع اليمني كان غير حازماً في اسقاط العقاب الرادع لمرتكبي هذه الجرائم لذألك استمره هذه الظاهرة في التوسع وكان الاجدر بالمشرع ان يساوي بين القصد الاحتمالي والقصد الجنائي وعناصره لا سقاط العقوبة الاشد على هذا الأساس لا تركها لقناعة القاضي وضميره . القصد الاحتمالي كما عرفه الفقه الجنائي هو نية ثانويه غير مؤكده تختلج بها نفس الجاني الذي يتوقع ان يتعدى فعله الغرض المنوي عليه بالذات الى غرض اخر فيمضي مع ذألك بالفعل فيصيب به الغرض غير المقصود ,أي كأن نطلق الأعيرة النارية في أي مناسبه مع معرفتنا المسبقة بإمكانية قتل شخص ما في مكان ما ,لا كننا نمضي في فعلنا دون ان نبالي بالنتيجة .
وعرفه اخرون بأنه اتجاه نية الفاعل الى ارتكاب الفعل بالرغم من توقعه حصول النتيجة وقبوله بها ان وقعت ويقوم القصد الاحتمالي على عنصرين العنصر الأول التوقع والعنصر الثاني القبول وهما ما يدركهما الشخص قبل استخدامه السلاح لأطلاق النار
لهذا فأن الاجتهاد القضائي والفقهي يتفقان على ان القصد الاحتمالي يتساوى مع القصد الجنائي في صورته العادية او المباشرة فتبقى الجريمة مقصودة ان وقعت كون الفاعل توقع حصولها ,وبهذا يعد الفعل في حدود الشروع التام وليس الشروع الناقص بغض النظر عن تصنيف البعض لمثل هذه الحالة بالقتل غير العمد( تسبب وفاه ) لغياب حالة سبق الإصرار والترصد . لذألك نقول ان معرفة الانسان المسبقة بإمكانية تسببه في قتل او جرح شخص نتيجة فعله لأطلاق النار لا يسقط عنه صفة اونعدام القصد الجنائي ويعتبر مرتكباً لفعل القتل العمد أي قاتل فهل يدرك هؤلاء الفرائحيون انهم مجرد قتله وان افراحهم تقتلنا وهو ما يوجب علينا شرعاً واخلاقاً ان نلاحقهم ونقتص لكل من سفك دمه وازهقت روحه وروع في نفسه او أضر بماله.
في الأخير وبعد ان بينا موقف الشرع والقانون والأخلاق من هذه الجريمة لا يسعني الا ان ادعو الجميع سلطة ومجتمع افراد ومؤسسات الى ادراك حجم مخاطر هذه الظاهرة واطلاق حمله شعبيه لمنعها وتجريمها , تحت شعار (افراحكم تقتلنا ), وتحويل هذه الحملة الى ثقافه عامه ندشنها بدءاً من الأسرة مروراً بالجامع والمدرسة وانتهائاً بمقايلنا الخاصه وشوارعنا العامه ومرافق عملنا وان تكون مستدامه وليس انيه او وقتيه حتى تحقق اهدافها.
كما ندعو ممثلين السلطة ورؤساء الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وكل الشخصيات السياسية والاجتماعية في كل المديريات والمراكز والمدن والقرى بمحافظة الضالع الى توقيع وثيقه شرف لمحاربة هذه الظاهرة وتجريمها وفرض العقوبات العرفية والقانونية الرادعة ضد مرتكبيها وجعل جريمة مقتل الطفلة حفصه عمر مقبل الأسبوع الماضي في منطقة ثلأعث – جحاف اخر ضحايا فرائحيين هذه الظاهرة التي يعتبر دمها في اعناقنا جميعاً والقصاص لها مسئوليتنا سلطه ومجتمع ايضاً.