توماس فريدمان، من أكثر الكتاب والصحفيين شهرة مع أنه أكثر كاتب “غاطس” في التصورات و التحليلات الخاطئة. من العراق إلى مصر إلى سوريا الآن، تقريبا الرجل لم يقل في السياسة أي شيء صحيح، بل يقدم تحليلات خاطئة ومضللة في كثير من الأحيان، تلقى رواجا كبيرا بسبب شهرته. لكن قبل انتقاده يجب أن نعطي الرجل حقه، فهو كاتب متميز في ما يخص العولمة وأصدر كتبا مهمة في هذا السياق، وكتابه “العالم مسطح” الذي يحكي عن تحولات قوة العالم من الحكومات إلى الشركات فالأفراد. ولكن لنقل الآن أن فريدمان نفسه هو من نتائج العولمة بالمعنى السطحي والسريع للكلمة.. فهو مثلا مشهور في كل مكان لأن اسمه أصبح مثل “الماركة المسجلة” و مقالاته تترجم وتنشر إلى لغات عدة بما فيها اللغة العربية، ولكن الأفكار والتحليلات التي يقدمها سريعة وسطحية. العولمة جيدة إذا ما كانت تخص الوجبات السريعة مثل مطاعم المكادونالدز الرخيصة، ولكن في ما يخص قضايا كبرى ومصيرية مثل ما يحدث في سوريا تزهق فيها أرواح آلاف الأبرياء، فإنها تصبح كارثية. في هذا الحال، المطلوب هو تحليلات ثقيلة وعميقة وليس آراء سريعة كتلك التي يقدمها فريدمان وغيره من المشاهير. في سوريا اتخذ فريدمان موقفا معارضا للتدخل الأمريكي بحجة صعوبة وتعقيد الوضع السوري الذي لن يسهله دخول الجيش الأمريكي. تحليلات خاطئة، لأن حتى المؤيدين للتدخل الأميركي مثل السيناتور جون ماكين لا يؤيدون تدخل المارينز ولكنهم يريدون فقط دعما أميركيا بالسلاح للثوار و إصدار قرار بفرض منطقة حظر طيران. وكلما تأخر التدخل – هذا كلام قديم الآن – سيقوم نظام الأسد بتفجيرالوضع الطائفي الداخلي، وتدمير بنية الدولة. وفي المقابل ستكتسب الجماعات المتشددة مزيدا من القوة و المصداقية والشرعية. أمريكا ستخسر في النهاية من هذا الفراغ التي ستستغله قوى مثل روسيا المناهضة للسياسة الأمريكية. المسألة كلها كارثية، ومع هذا فإن فريدمان يتحدث عن تأييده لقرار الرئيس الأميركي. والحقيقة للمتابع للشأن الإعلامي الأميركي يجد أن هناك نوعا من التماهي بين الرئيس وطبقة من الصحافيين والمثقفين الذين لا يعترضون على قراراته وحتى لو انتقدوها فهم يقومون بذلك بنعومة شديدة. والسبب كما أرى أنه أولا، ردة فعل على مرحلة الرئيس جورج بوش الذي لم يعبأ بما كانت تقوله الصحافة، وثانيا، لأن هذه الطبقة أو “الانتلجنسيا” تسعى لمباركة مشروع أوباما في التخلي عن دور أميركا كقوة عظمى في العالم. على أي حال ، فريدمان ارتكب حماقات كثيرة في ما يخص الشأن المصري. فقد ذهب للقاهرة بعد اندلاع الثورة، وكانت مقالاته معبأة بالأشعار حول الحرية والعدالة، ولم يفهم كمحلل سياسي المخاوف من بزوغ جماعات سلفية وأخوانية تهدد مستقبل الديمقراطية. لكن كل حماس فريدمان تلاشى بعد ذلك، ولكنه عاد مرة أخرى في الوقت الخطأ وكتب مقالا بعنوان “لحظة مرسي”، في الوقت الذي كانت تقوم فيه مظاهرات عريضة ضد الرئيس المصري المنتخب الذي قسم المجتمع المصري بشكل غير مسبوق. يتخوف فريدمان على مستقبل اتفاقية السلام بين مصر واسرائيل تحت حكم جماعة الأخوان المسلمين، ولكن أي متابع للأخبار المصرية يدرك أن هذا أبعد شيء يمكن أن يحدث، ولكن المشكلة هي الآن داخل مصر نفسها التي تعيش بين مفترق طرق. أخطاء فريدمان عديدة ولا بأس أن يغلط الكاتب مرة أو مرتين، ولكن عندما تتكاثر الزلات والعثرات في قضايا كبيرة، فإن التساؤلات حول إذا ما كان يملك أدوات التحليل والمعرفة أو حتى المعلومات الكافية تصبح حينها مشروعة. واضح بالنسبة لي أن فريدمان الكاتب العولمي الذي يعرف كيف يكون غاضبا و دراميا على الشاشة يفتقد المعرفة الكافية بالشرق الأوسط، ومع هذا لا يتردد بكتابة التحليلات الحازمة القاطعة، ولا بأس بعد ذلك لو تراجع عنها بعد مدة بسيطة. لكن من الغريب بالنسبة لي اهتمام الصحافة العربية به وترجمة مقالاته فهو بصراحة لا يستحق كل هذا الاهتمام.