بدأ العد التنازلي لانعقاد أول قمة علمية تحت مظلة منظمة التعاون الإسلامي تحتضنها الأسبوع القادم أيام 10 و11 سيتمبر بالعاصمة الكازاخية أستانا بمشاركة قادة ورؤساء الدول الإسلامية. قمة تأتي في زمن أكثر ما تكون فيه الدول العربية والإسلامية مرتبطة بما تستورده من احتياجات من الغرب بما في ذلك احتياجاتها الدفاعية والغذائية والطبية دون اعتبار لكل أنواع التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة التي تغرق أسواقها وهي تأتي أيضا في زمن يعيش فيه أكثر من مجتمع عربي إسلامي وقائع حرب استنزاف مدمرة لامكانياته البشرية وثرواته الطبيعية بسبب الحاجة للانفاق على السلاح وكل وسائل التدمير التي تجفف المنابع وتتسبب في تجويع العامة وافلاس الشعوب وتدمير المدارس والجامعات. أما قضية البحث العلمي والتكنولوجيا فتلك مسألة تتنزل في اطار من استطاع اليها سبيلا وهي ليست على قائمة الأولويات ولا حتى في ذيلها ولا تكاد تحظى بالاهتمام في ميزانيات الأنظمة المعنية. وبالعودة الى قمة أستانا التي تبحث النهوض بسوق العمل، وتمكين الشباب عبر تعزيز قدراتهم ومهاراتهم من العمل في مجالات العلوم والتكنولوجيا، وغيرها من المجالات الحيوية، فانها تبقى عنوانا للتحدي، بل لعله التحدي الأكبر، لدول العالم الإسلامي التي يشكل الشباب الفئة الغالبة فيها وهو الذي يجد نفسه اليوم أمام خيارات لا تخلو من المرارة في غياب البدائل الكفيلة بالتأسيس لواقع أفضل. ولاشك أن مشاهد الانتحار الجماعي اليومي لهذا الشباب الذي يبحث عن الخلاص من همومه وقضاياه ومآسيه اليومية مع البطالة والفقر والتخلف فلا يجد غير سفن الموت للعبور الى أوروبا وتحقيق أحلامه اذا كتب له النجاة أو السقوط في عالم المخدرات، داء العصر الذي ينخر المجتمعات، أو بالانسياق الى فخ الشبكات الإرهابية والجماعات المتطرفة التي جعلت لها من الدين مطية لاغراء هؤلاء وتحويلهم الى جيوش انتحارية تحرق الأوطان. أما الاوفر حظا فانهم هؤلاء الذين سينتبهون لحجم البون الشاسع بين الأوطان التي ينتسبون لها وبين الأوطان التي تعلموا فيها وسيختارون بالتالي الإقامة هناك حيث ينعم الباحث والعالم بمكانة مرموقة وحيث يحظى البحث العلمي بدعم وتأييد الأنظمة التي أدركت قيمة الادمغة في تحقيق التفوق والتقدم فلم تتردد في استقطاب العقول المهاجرة وتوفير احتياجاتها لمواصلة بحوثها والاستفادة من الذكاء البشري والاستثماري في كل ما يمكن أن يصنع الاختلاف بين الأمم والشعوب ويجعلها اما أمم متقدمة تمتلك حق تقرير مصيرها أو هي أمم متخلفة مرتهنة في حاضرها ومستقبلها للقوى الصناعية المتنفذة التي توفر لها احتياجاتها من الدواء والصناعات الحربية أو تمنعها عنها ان رأت في سياساتها وتوجهاتها ما يتعارض مع مصالحها. ومن شأن هذا الهدف الذي تنعقد حوله قمة أستانا الأولى من نوعها منذ تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي التي ستتحول الى منظمة التعاون الإسلامي، أن يثير في الاذهان أكثر من نقطة استفهام حول أسباب تأخر العرب والمسلمين وهو السؤال ذاته الذي اختاره شكيب أرسلان قبل قرنين من الزمن عنوانا لكتابه وهو العنوان الذي سيظل صالحا طالما استمر تخلف العرب والمسلمين عن ركب الحضارة بعد أن كانوا روادا في عديد المجالات والاختراعات العلمية والفلكية والطبية التي انتبه لها الغرب منذ الثورة الصناعية واعتمدها لمزيد التطوير والبحوث ليستأثر بالتقدم العلمي ويتحكم بالتالي في بقية العالم. وهو ما يوحي بأن المسألة معقدة وتستوجب الكثير من الجرأة والصدق في الإرادة من جانب المشاركين في قمة أستانا حتى لا تكون مجرد لقاء لالتقاط صورة تذكارية للقادة العرب والمسلمين قبل أن يفترقوا وكأن شيئا لم يكن. لسنا بصدد جلد الذات وان كنا نحتاج الى أكثر من ذلك حنى نستفيق من كبواتنا وننتبه الى تلك السنوات الضوئية التي تفصلنا عن العالم المتقدم. و بالنظر الى بيان المنظمة حول القمة فانه بشير الى "أنها قمة تُعنى بشكل أساسي بالابتكار والبحث العلمي إلا أنها تعالج في الوقت ذاته، مسائل أخرى متصلة مثل تطوير الطاقة المتجددة في دول العالم الإسلامي، والنهوض بالقطاعات الاقتصادية وفق ثوابت علمية تطال المجالات المتقدمة في الصناعات التكنولوجية المختلفة، وتساهم كذلك في تقديم حلول للمشاكل البيئية ونقص الغذاء ومكافحة الجوع والفقر والمرض، وتتطرق إلى قضايا إعادة التدوير والإدارة، وتطوير القدرات التعليمية والنهوض بالقطاعات الصحية وزيادة التوعية بأهمية الحفاظ على البيئة، والبحث عن خطط للحفاظ على مصادر المياه وغيرها من القضايا التي تنعكس بشكل أو بآخر على الحياة اليومية للفرد في العالم المسلم." وهذا ليس سوى جزء من قائمة لا تنتهي من احتياجات الدول المعنية التي لا تعاني من نقص في القدرات والإمكانيات بقدر ما تعاني من نقص في التفكير والتدبير وسوء التصرف والفساد والبيروقراطية التي أهلكت المجتمعات وجعلتها مجتمعات استهلاكية لا هدف لها الا الحصول على اخر الابتكارات التكنولوجية الحديثة التي تستنزف الميزانيات وتثقل كاهل الشعوب بالاداءات والضرائب. يقول الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين، إن "القمة تعد فرصة كبيرة للدفع بصناعة القرار على أعلى مستوى في دول منظمة التعاون الإسلامي باتجاه تحفيز البحث العلمي وتكريم العلماء في العالم الإسلامي". ولاشك أن في هذا الرأي ما يستوجب إعادة النظر في السياسات والخيارات المعتمدة وما يستوجبه ذلك من مراجعة للمؤسسات التربوية والبرامج وطرق التدريس التي لا تواكب العصر. طبعا من الواضح أن تسعى القمة الى الفصل بين السياسي وبين العلمي رغم الترابط الوثيق والدقيق بين الاثنين بالنظر الى أن واقع البحث العلمي والتكنولوجي في الدول العربية والإسلامية هو نتاج خيارات وسياسات قاصرة لم تنتبه للتحولات المتسارعة في العالم ولا الى ما تحققه دول صغيرة كانت حتى الامس القريب تعاني من الفقر والجوع ومن ذلك ما شهدته كوريا الجنوبية وغيرها من الدول الاسيوية من تقدم علمي رهيب وما تحقق لليابان بعد الهزيمة المدمرة في الحرب العالمية الثانية وما تحقق وبتحقق للعملاق الصيني الذي يجتاح العالم بفضل التكنولوجيا دون اطلاق رصاصة واحدة بل حتى كوريا الشمالية ورغم القيود والعقوبات والحصار فقد سجلت تقدما في مختلف المجالات الصناعية وليست الصناعة الحربية فقط والصواريخ البالستية وحدها التي باتت تزعج الغرب. حري بقمة أستانا أن تسأل جديا ما الذي تحقق للمؤتمر الإسلامي منذ قمة مكة التي مر عليها 12عاما وقمة اسطنبول وغيرها من القمم التي أعلنت الرهان على البحث العلمي والتكنولوجي والمعرفي. وفي انتظار ما ستجود به قمة أستانا فقد وجب الإشارة الى مختلف تقارير التنمية التي سبق للأمم المتحدة إصدارها في هذا المجال والتي نبهت الى التردي الحاصل في المجتمعات العربية والإسلامية والى غياب الاستثمار في العقل العربي وفي الثروة البشرية وتحديدا في الشباب أساس المستقبل. ظلت إسرائيل تسجل التفوق في هذا المجال وتنفق أضعاف ما تنفقه الدول العربية والإسلامية في مجال البحث العلمي ما جعل جامعاتها تحظى بمراكز متقدمة في التصنيف العالمي وتحتل المركز 64 على مستوى العالم فيما لن تجد الجامعات العربية موقعا في قائمة أول خمسمائة جامعة في العالم وفي ذلك ما يكفي للانشغال بشأن المستقبل. وبحسب المعطيات المتوفرة لسنة 2008 بلغ مجموع ما تنفقه إسرائيل على البحث العلمي غير العسكري حوالي 9 مليار دولار وهي بذلك تنفق 4.7 بالمائة من انتاجها القومي على البحث العلمي وهذا يمثل أعلى نسبة انفاق في العالم بينما تنفق الدول العربية مجتمعة 0.2 بالمائة من دخلها القومي على البحث العلمي. وبالاعتماد دائما على تقارير اليونسكو فان النسبة لبراءات الاختراع، فهي المؤشر الاكثر تباينا بين العرب وإسرائيل، فقد سجلت إسرائيل ما مقداره 16,805 براءة اختراع، بينما سجل العرب مجتمعين حوالي 836 براءة اختراع في كل تاريخ حياتهم، وهو يمثل 5% من عدد براءات الاختراع المسجلة في إسرائيل. وتفيد تقارير اليونسكو كذلك ان عدد براءات الاختراع التي سجلت في إسرائيل في العام 2008 والتي تبلغ 1,166 تفوق ما انتجه العرب بتاريخ حياتهم وهو 836 براءة اختراع. أما بالنسبة للمؤلفات والكتب المنشورة، فقد أفادت أيضا المعطيات المتوفرة الى انه في إسرائيل تم تأليف ونشر 6,866 كتابا بينما يؤلف العرب ما يقدر ب 10,000 كتاب سنوياً. اما بالنسبة للنشر الابحاث العلمية في المجلات المحكمة فقد نشر الباحثون الإسرائيليون 138,881 بحثا محكما، ونشر العرب حوالي 140,000 بحث محكم. على الرغم من أن عدد الابحاث متقارب، الى ان جودة ونوعية الابحاث الإسرائيلية أعلى بكثير من الابحاث العربية. وحسب إحصائيات منظمة اليونسكو لسنة 2004، خصصت الدول العربية مجتمعة للبحث العلمي ما يناهز 1.7 مليار دولار أي ما نسبته 0.3% من الناتج القومي الإجمالي، في مقابل تخصيص دول أميركا اللاتينية والكاريبي ل21.3 مليار دولار أي ما نسبته 0.6% من الناتج القومي الإجمالي، ودول جنوب شرق آسيا ل48.2 مليار دولار أي ما نسبته 2.7%، كما خصصت السويد 3.3٪، سويسرا واليابان 2.7٪، وتتراوح النسبة من 2 إلى 2.6٪ في كل من فرنسا والدانمرك والولايات المتحدة كما وصلت نسبة الإنفاق على البحث العلمي في إسرائيل إلى 4.7٪. طبعا سيكون من المهم أن تحدد قمة أستانا مواقع الضعف في مجال البحث العلمي والتكنولوجي في العالم العربي والإسلامي والذي يرتبط بحاضر ومستقبل 1.7 مليار مسلم. ولكن الأهم من كل ذلك كيف يمكن تجاوز هذا التخلف الحاصل. والأكيد أن قائمة الأسباب واضحة وهي معلومة في أكثر الأحيان بل لعلها نتيجة حتمية للتردي الحاصل في أغلب المؤسسات التربوية بمختلف مراحلها في المجتمعات العربية والإسلامية وبغياب الحريات التي تمنع الفكر البشري من الخلق والابتكار والابداع وتجعله مقيدا خاضعا للنواميس والاحكام التقليدية وما تتنافس عليه المنابر الإعلامية من ابتذال وانعدام للجودة ولكل ما يمكن أن يغرق المجتمعات في حوارات وتحاليل تبحث في جنس الملائكة ولكنها تتجاهل خطورة وجنس المآسي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية التي تجذب المجتمعات الى الوراء وتدفع الشباب الى الإرهاب والتطرف. ربما ان الأوان لمنظمة التعاون الإسلامي أن تضع على قائمة اولوياتها اليوم ضرورة التعجيل بانهاء حرب الاستنزاف التي تدمر اليمن والحرب الاهلية التي تجرف العراق وسوريا وتهدد بقية دول المنطقة وان تنتبه لصفقات السلاح التي تستنفد للتدمير الذاتي ولتجويع وترحيل الشعوب. الاكيد أن احياء العقل والفكر رهان لا خلاف بشأنه ولكن الأهم من كل لذلك كيف يمكن اعلاء شأن سلطان العقل بما يمكن أن يساعد في انارة المجتمعات والارتقاء بها لتواكب العصر الذي تنتمي له وتكون جزءا مهما في بنائه وتطويره ولا تظل على الربوة تنتظر ما تجود به عليها مصانع الغرب من سيارات فارهة وأجهزة تليفونية متطورة وملابس فاخرة وادوية تجميل وغيرها فهل تكون أمم عصرها ومستقبلها أم أمم الماضي السحيق. *إعلامية تونسية * نقلاً عن " ميدل إيست أونلاين"