قادة المجلس الانتقالي عندما حزموا حقائبهم لخوض المعترك السياسي كانوا يعتقدون أنهم ذاهبون إلى نزهة لذلك كانت حساباتهم خاطئة عندما اخفوا الحقيقة عن الجماهير ، وهو ما سيضطرهم ألان إلى إعادة الحسابات مرة أخرى لكن سيكلفهم المزيد من الخسائر التي بدأت بأحداث 28 يناير الدامي التي لم تحقق أي نصر - لان الأمور ستعود إلى ما كانت عليه قبل ذلك وفق القرار الخليجي - لذلك لم يكن لها من داعي لوضوح الموقف الخليجي بشان كيفية معالجة الحالة الجنوبية ابتدأ لكن تعد بمثابة خسارة إجبارية كانعكاس لتلك الأخطاء ، أيضا التراجع التدريجي للموقف من تلك الشعارات سيكون محرج كثيرا أمام القاعدة الشعبية لكن ستبقى تلك أيضا خسارة إجبارية كانعكاس لتلك الأخطاء ، و قد ينتج عنها انقسامات او انشقاقات مرورا بمرحلة تراشق إعلامي بين تيارات داخل المجلس تحت عنوان التخوين . قيادة المجلس الانتقالي أمام امتحان صعب السؤال الإجباري فيه هو مصارحة الجنوبيين بالحقيقة التي يعلمونها - قادة المجلس - واقتنعوا بها أمام دول التحالف منذ أكثر من ثلاث سنوات ، تجنبا لاتساع مساحة التخوين والإقصاء التي تؤدي إلى تعقيد الأوضاع أكثر مما يجري ألان ، غالبية قواعد المجلس الانتقالي وكثير من الجنوبيين يعتقد ان الخطاب الاستهلاكي الذي يصدره قادة المجلس للداخل الجنوبي هو الحقيقة وان الأمر سيتم حسمه بفوهات البنادق او المواجهات المسلحة او العنف الثوري ، لكن تظهر الصورة للعارف انه ليس إلا استغفال او قد يصل الى مستوى الاستخفاف ، وهذه من أخطاء قيادات المجلس الانتقالي التي دفعتنا كثيرا الى انتقادهم مرارا وبقسوة . دعوات شعب الجنوب وصلت إلى أعلى مستوى لها من القبول والجدية وأصبحت واقع وكانت تمتلك خطاب واضح قبل مجيء المجلس ، لكن القيادة التي اجتمعت تحت مضلة المجلس الانتقالي لم تكن بالحكيمة عندما سلكت طريق اخفى الحقيقة التي اقتنعت بها في ابوظبي وفضلت عدم مواجهة الجماهير بها وكأنها خطيئة ، ولو فعلت ذلك سيكون تصرف جري وشجاع وكان الأجدر بها مواجهة الشارع الجنوبي وشرح خطه الإمارات للحل , لكن سلكت طريق الصمت و مواجهة الجماهير بخطاب اخر مخالف تماما لما تم الاتفاق عليه ويوما بعد يوم تولد لديها الخوف واخذ في الازدياد بسبب الصدمة المتوقعة التي سيخلفها الاعتراف صراحة أمام الجماهير بان الحقيقة هي شي اخر , ويزاد معه الخوف من عدم تقبل الشارع لهذا الخبر الصادم وما سينتج عنه من انقسامات بين مؤيد ومعارض وما سيتبعه من حملة تخوين قد تؤدي الى تفكك المجلس الانتقالي وصعود طرف اخر يكون أكثر صراحة مع الجماهير ويعلن فيها المراحل التي يجب ان يمر بها الجنوب للوصول الى تقرير المصير ، الخوف الذي يعتري المجلس ألان بسبب عدم الوضوح سيدفعه الى التراجع عن الخطاب السابق- خطاب التحرير بالقوة - وذلك بشكل متدرج تحت أعذار و مسميات كثيرة منها مثلا " لدواعي سياسية و إننا أصبحنا أمر واقع على الأرض، و نحن ألان المتحكم ، او أسلوب المناورة ،" الى ان يصل الى يقين ان الشارع يستطيع ان يتقبل الخير الذي يفترض ان يكون صادم لتناقضه مع ما تم تكوينه من كم هائل من الشعارات في ذاكرة الجماهير ، اخر مراحل التدرج اذا أتقن المجلس تسويقها للجماهير سيكون الإعلان صراحة عن الحقيقة وهي مشروع مزمن لحل قضية الجنوب يمر بمراحل معقدة قد تكون طويلة لكن ربما هي أكثر واقعية وبضمانات الدول الراعية لهذا المشروع بقيادة الإمارات العربية المتحدة يبدأ النقاش فيها بعد أن يحل الأمن والسلام اليمن وبعد انتخاب برلمان في أجواء ديمقراطية حقيقية ثم عرض القضية الجنوبية ومناقشة مقترح الحلول المناسبة للوصول الى مخرج قانوني يكون مقبول دوليا ويساعد الدولة الوليدة على الاندماج في المجتمع الدولي بسرعة وسهولة وهذه هي أهم نقطة ركزت عليها الإمارات في اعتقادي وأقنعت الأطراف الجنوبية بأهميتها وهي ان إعلان أي دولة خارج إطار مناقشة شرعية الدولة والبرلمان سيفقدها عنصر الشرعية القانونية وبالتالي ستكون كيان شاذ لن يحضا بأي اعتراف او قبول دولي لعشرات السنين وستبقى معزولة تتقاسمها المليشيات المتصارعة كما هو الحال في ما يسمى بجمهورية ارض الصومال" صومال لاند " وستعرف في النهاية لكن بعد فوات الأوان انها تسير على طريق خاطئ ومسدود في نهايته ، وستعرف انها لم تكن تحتاج الى كل هذا الوقت للوصول للحل اذا سلكت الطريق الصحيح،
ربما يرى كثير من الجنوبيين هذا الأمر انه اقرب للواقع ولا يعارضه الشعب في الشمال ، لكن بسبب الثقافة الغير منتجة للحلول والتعبئة بأساليب انفعالية غير خاضعة لحسابات سياسية وإستراتيجية في مستويات هرم المجلس الانتقالي الجنوبي ضل خطاب التضليل و خطاب العنف والقوة هو المسيطر والمسموع والمسموح وما عداه هو خيانة وعمالة وارتزاق قد يصاحبها التهديد والوعيد حتى كاد او وصل بالفعل الى مرحلة الفرز في المجتمع الجنوبي مع وضد بمجرد ان تنتقد الأسلوب او الطريقة او الأداء حتى مع إيمانك بنفس الهدف .
ان التيار الذي سيتجرأ على مواجهة الجنوبيين بهذه الحقيقة سيكون التيار المقبول من قبل الإمارات وسيحظى بدعم وتأييد التحالف ، أما التيار الأخر الذي سيعارض وسيستمر في انتهاج طريق الدعوة لحسم قضية الجنوب بالقوة سيصنف فئة متمردة ستوجه إليها كل السهام حتى من رفاق الأمس ،وفي كل الأحوال سيتحمل قادة المجلس وجمعيته العمومية المسئولية عن مجزرة 28 يناير الدامي والأيام التالية حسب تصريحات الشرعية والتحالف .