هذا حجر نلقيه في الماء الراكد لتعكيره، نعم نريد تعكيره! نريد أن نلامس أمنياتنا وخواطرنا، وإن كانت هذه الأمنيات تُعدُّ تعكيرا لقناعات بعض البشر، فلا نمانع من ذلك، والانجازات الكبيرة؛ كانت يوما ما أمنيات وخواطر وأفكار. نحن نتحدث عن شوق يحدونا، وأمل يختلج صدورنا، ونظرة لمستقبل نريده أن يرى النور، وبالتالي لا يهمنا تعكير صفو بعض البشر، ولا ردة فعله، ونستفتح: اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا.
أحيانا تكون المفاجئة المباشرة للقارئ مطلوبة، فردّة الفعل التلقائية فيها من المُلَح والإثارة ما فيها أحيانا.
هلُمَّ نلج سريعا إلى فناء موضوعنا، فالانتظار على الأبواب مملٌّ ومزعجٌ، ونقول بلسان الواثق لا المتلجلج؛ ما المانع أن نضع على طاولة نقاشاتنا، جدوى تحول حضرموت إلى نظام ملكي؟ هل هناك ما يمنع أن تأخذ هذه الفكرة أو الخاطرة مداها الطبيعي في النقاش والبحث؟ أم أن التفكير محظور بعبارة (Stop) ومعنى هذا عليك بأقرب منعطف باتجاه (اليمين) أو (اليسار).
أنا لا أريد أن أسلك جهة اليمين أو اليسار، بل مصرّ على تجاوز ال(Stop) ولو أستطيع تحطيمها لفعلت، لأنني أتحدث عن مجرد فكرة، وليس مشروعا جاهزا لتنزيله على جغرافية حضرموت.
كثير منا لديه حساسية مفرطة من النظام الملكي، وربما البعض لازالت تطنطن في عقليته (بروباغندا) الحزب الاشتراكي القديمة الموجهة ضد النظام الملكي، ويتذكر تلك المصطلحات والألقاب التي تهزّ الأفئدة وترهبها، فيقع فريسة البروباغندا الحزبية ويتأثر بها ويتشربها فتتحول إلى قناعة راسخة عنده، وينحاز للمعسكر المعادي للنظام الملكي، ولم يكلف المسكين نفسه عناء البحث والتقصي ليعدل قناعاته وفهمه، ولكني أضع حجرا صغيرا أمام قناعات هذا الأخ أو ذاك، وهو أن الربيع العربي الذي قلب الطاولة على الأنظمة الجمهورية في بعض الدول العربية لم يستطع التسلل إلى حدود الدول الملكية، بل ظل واقفا على مشارفها مشلولا عاجزا، بينما اجتاح أغلب الأنظمة الرئاسية والجمهورية وحولها أثرا بعد عين، أضف إلى ذلك البون الشاسع في مستوى دخل الفرد بين الشعوب الملكية والشعوب الجمهورية، وهذه حجرة أخرى نضعها أمام المتأثر ب(بروباغندا) تشويه النظام الملكي، ولازالت هناك أحجار كثيرة يمكن نثرها بين يديه لانعاش صدمته لتهز قناعاته القديمة، فكثير من دول العالم هي دولة ملكية دستورية، كالمملكة المتحدة، وكندا، وإسبانيا، واليابان، وغيرها، وبعضها ملكية مطلقة، ولم تحُل الملكية دون تطور هذه الدول وتقدمها.
وليس المقال لتفصيل طبيعة النظام الملكي وأنواعه وأقسامه، فمن يريد ذلك فعليه ببطون الكتب أو السيد جوجل.
لكن ما يهمنا أن النظام الملكي نظام غير مرفوض دوليا، وأثبت ناجحة في كثير من الدول، مما يحفزنا لعرض الفكرة للنقاش والبحث والمدارسة ومدى ملائمتها لواقعنا الحضرمي، ولا أرى غضاضة في ذلك البتة، وللتذكير؛ فالفكرة مرهونة بما بعد مرحلة الأقاليم والتي تشهد توافقا وقبولا واسعا، وهي مخرج اليمن الوحيد من عنق الزجاجة، إذاً فهي فكرة مستقبلية تمثل أحد الخيارات فيما إذا انحرفت الأمور عما هي عليه الآن ورمت بنا في ساحة سياسية فارغة، فحينها يكون موضوعنا من جملة الخيارات التي تحتويها السلة.
ولا ننفي أن النظام الجمهوري أو الرئاسي نجح أيضا في كثير من الدول غير العربية، لكن التجربة العربية تُعدُّ الأسوأ والأردأ ولم تحقق أي نجاح أو تقدم في جميع المستويات الحياتية.
ومن تحت يافطة ال(Stop) فإني أأكد أن هذا مجرد رأي قابل للأخذ والرد، ولا أقول أنني أتبناه100% ولكني أميل إليه كثيرا، كونه يسهل انضمام حضرموت للمجلس الخليجي وهذا حق شرعي لها إن رغب في ذلك شعبها، ومن يتجرأ على منعه، وروابطها بالخليج أكثر من روابط غيرها.
وأزيد للقصيدة خاتمة وهي أن مقالي هذا ليس لذلك الرجل الذي يطل برأسه من كوّة صغيرة ويريد أن يرى الشارع كاملا، فأنا لا أعنيه، وليس للرجل الثاني الذي انطبعت في مخيلته صورة سلبية عن الكاتب وما يكتبه فبات المقال كله مرهونا باسم كاتبه بغض النظر عن محتواه، وليس لمن لديه قناعات سياسية معينة ولا يريد أن يغادرها إطلاقا، وإنما المقال لذلك الرجل الذي ينظر للفكرة كفكرة لها حظها من النظر والنقاش، وتبادل الأفكار والآراء مطلوب مرغوب، وذلك الرجل الذي لا يهمه من كتب، بقدر ما يهمه ما كتب.
كما أنني أزيد للخاتمة بعض الرتوش وهي أن المقال ليس حملة إعلامية لتوريث سلالة معينة أو تتويج أسرة ما، ولا أروّج للماضي واستدعاءه ليتمثّل الحاضر ويحكمه، كل هذا أتبرء منه، وأتمنى من القارئ أن يجعل هذه المحددات ماثلة أمامه وهو يقرأ المقال.
إنما هذه فكرة قدحت شرارتها الأوضاعُ المزرية التي تمر بها حضرموت خاصة وأرجو مناقشة تفاصيلها من كل النواحي وآليات التطبيق وفرص النجاح والإيجابيات والسلبيات.
ربما البعض لا يشاطرني الرأي ويعتبر أن كل ما مر تَرَفٌ فكري لا يلامس الواقع أبداً، وقد يكون هذا صحيحا، فرأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، ولكن مسار الأحداث يميل تماما لتجزئة المنطقة وهي في طريقها للتقسيم إما عاجلا أو آجلا، ولهذا تظل الفكرة مثل السراج الخافت ضوؤه والذي من المرجح اننا سنحتاج إليه لا حقا، ولا غضاضة أن تكون حضرموت مملكة على رأسها ملك حضرمي.