أعشق مدينتي الى درجة الثمالة ، وأتعلق بها الى حد الغواية .. جعار التي لا تشبهها إلا روحها ، ولا يزاحمها في المكانة سوى حارسها الأمين وسندها المخلص جبل خنفر نزحت عنها الى مدينة عدن مرغما في يونيو 2011م بعد سقوطها في يد الجماعات المسلحة وفي هاوية الفوضى بثلاثة أشهر ، وطيلة بقائي في عدن لم أشعر يوما بالهناء ولا بالطمأنينة وظل صدري مشحونا بالضيق وكنت أشعر طوال الوقت بشيء ثقيل يجثم فوق قلبي وبلهفة جنونية وشوق لا يوصف للعودة الى مدينتي الحنونة والفاخرة الرحمة والعطف . وفي الأسبوع الأول من شهر يوليو 2012م بعد عام من النزوح القسري عن جعار جاءتني البشرى : لقد خرج المسلحون من جعار وانسحبت جموعهم فاعترتني فرحة لم يسبق لي أن ذقت مثلها في حياتي وأبلغت عائلتي الصغيرة أن يجهزوا أنفسهم وأمتعتهم استعدادا للعودة واللقاء الذي طال انتظاره ... كيف نعود وحدنا وأهلنا هنا ؟ لماذا الاستعجال والمدينة خالية من الناس تقريبا ؟ والخدمات والأسواق و.. و.. و.. مازالت شبه متوقفة ؟ وقلت بحسم : سنعود ... سنعود ولو عشنا هناك على سعفة ومكريب . كنت أشعر بنشوة غير عادية وسعادة أسطورية وفي لحظة واحدة زال كل ذلك الضيق الذي كان لا يفارق صدري وذاب ذاك الثقل الذي كان جاثما فوق قلبي طوال فترة النزوح .... إنني عائد الى بيتي وموطني ومدينتي وطمأنينتي ... مدينة جعار . وعندما عدت كنت أطوف بغرف البيت واستلقي على ظهري فوق قاع كل غرفة وأحدق في جدرانها وأمتع نظري فيها كأنني أدخلها للمرة الأولى ثم اتكيت في ركن غرفة الديوان وكتبت هذه القصيدة . نسمة الموطن عزيزة شلّ صوتك يا المغنّي واحكم المغنى حلّ وقت الدان حلّه شلّ سمّعنا ليل والساعة حد عشر لا تأخّرنا ساعة الرحمن عندي لا قدك غنّيت بالهناء والأنس ربّ الجود جمّعنا تحت خنفر طاب في شعبان مجلسنا ريت أهل الحي كلّه يسمروا معنا يا سلا روحي وريح اهلي بخور البيت بعد غيبة عام عدنا بيتنا عدنا في حمى خنفر وعين الله تحرسنا راض قلبي واستراح البال واتهنّى لا عدن باها ولا صنعاء ولا صرفيت يا رعى الله نود نسنس في محلّتنا فيه عرف السيل والحنّون والحنّا ما بقلبي نود مثله نسّ في الدنيا نسمة الموطن عزيزة كم لها حنّيت جعار – 12 يوليو 2012م