يجادل يزيد صايغ من مركز كارنيجي للشرق الاوسط بأن ضعف الدبلوماسية الامريكية وفشلها، علاوة على الاحتلال الاسرائيلي الذي ما برح يزداد تجذرا، اجبر القيادة الفلسطينية على الذهاب الى الاممالمتحدة سعيا وراء الحصول على العضوية الكاملة في المنظمة الدولية. مهما كان مصير المسعى الفلسطيني في الأممالمتحدة للحصول على اعتراف دولي، فعلى ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما ان تواجه حقيقة ان ادارتها لما يسمى بعملية السلام بين الفلسطينيين واسرائيل كانت عبارة عن فوضى.
ومن الضروري ان تنظر الادارة الامريكية بامعان الى الاخطاء التي ارتكبتها اذا كان لمقترحات الرئيس اوباما وغيره من الزعماء الغربيين باستئناف العملية التفاوضية عقب صدور قرار اممي حول الطلب الفلسطيني ان تتجنب مصير الوساطة الامريكية.
فقد كان لا بد لايفاد المفاوض الامريكي دنيس روس وممثل الرباعية الدولية توني بلير الى رام الله من اجل اقناع القيادة الفلسطينية بالعدول عن عزمها التوجه الى الاممالمتحدة ان يثير شكوك الفلسطينيين بنوايا واشنطن ويؤدي الى رد فعل عكسي.
فالقيادة الفلسطينية تنظر الى روس باعتباره منحازا الى اسرائيل، علاوة على كونه شخصية متغطرسة تميل الى التخويف في تعامله مع الطرف الفلسطيني.
يقول آرون ميلر، الذي عمل مع روس كوسيط امريكي، "لقد تصرف الامريكيون الذين شاركوا في جهود التوصل الى تسوية في الشرق الاوسط، وانا منهم، لوقت طويل جدا كمحامين لاسرائيل. فقد كانوا ينسقون من الاسرائيليين ويماشونهم على حساب انجاح العملية التفاوضية."
وقالت صحيفة هاآرتس الاسرائيلية هذا الاسبوع إن روس استخدم "عبارات غير دبلوماسية" لدى مخاطبته القيادة الفلسطينية في رحلته الاخيرة الى رام الله، مما يجعل المرء يتعجب عما كانت تفكر به ادارة اوباما عندما قررت ايفاده الى المنطقة.
أما توني بلير، فكان اختياره اسوأ من اختيار روس. فالقيادة الفلسطينية لا تثق به ولا تحترمه، وتنظر الى القصص التي يرويها عن "انجازاته" بوصفه ممثلا للرباعية بازدراء باعتبارها لا تخدم الا صاحبها الباحث عن المجد.
واستطيع، من خلال اتصالاتي المكثفة مع المسؤولين الدوليين العاملين في الاراضي الفلسطينية لمدة طويلة، ان اؤكد ان الكثيرين في الشرق الاوسط يشاطرون هذه النظرة الى بلير وعمله في المنطقة.
وبحسب احد مساعدي توني بلير المقربين، فإن مبعوث الرباعية يحضر الى الاجتماعات - التي يدعو هو لها في القدس مع ممثلي الدول المانحة - متأخرا، ويتكلم ارتجالا دون جدول اعمال، ثم يخرج مسرعا ويغادر المدينة ليتفرغ لنشاطاته الاخرى.
وكانت محاولة الولاياتالمتحدة استباق التوجه الفلسطيني الى الاممالمتحدة عن طريق دعوة الرباعية الدولية للخروج ب "شبه مرجعية" لاستئناف مفاوضات السلام تفتقر افتقارا شديدا الى اي فحوى، ولذا فقد رفضها الاتحاد الاوروبي والاممالمتحدة وروسيا فورا.
ولكن الاهم من ذلك، أكدت هذه الحادثة ان الرباعية مهمشة الى حد بعيد.
فقد استخدمت الولاياتالمتحدة الرباعية لسنوات عديدة لتهميش شركائها المفترضين بينما تولت هي وضع جدول اعمال ومواقيت المفاوضات، كما حصل في ربيع عام 2003، عندما وافقت الرباعية على وضع "آلية رقابة" للتأكد من التزام اسرائيل والفلسطينيين ببنود خارطة الطريق. الا ان الولاياتالمتحدة اضطرت تحت ضغط اسرائيل الى التخلي عن هذه الآلية في النسخة الرسمية من خارطة الطريق - دون ان تستشير اعضاء الرباعية الآخرين.
كان يتوجب تفكيك الرباعية والتخلي عنها منذ امد بعيد، لأنها اخفقت في موازنة التحيز الامريكي لاسرائيل وتقييده.
اتسمت الدبلوماسية الامريكية باعتماد العديد من القنوات المتعارضة والمتناقضة مما كان يؤدي الى ارسال اشارات مبهمة ضعيفة التأثير.
ففي السنوات الاربع الماضية، كان الجهد الامريكي موزعا على المبعوث الخاص جورج ميتشل (الذي كان يمثل وزارة الخارجية) والمنسق الامني الجنرال كيث دايتون والبيت الابيض ووكالة المخابرات المركزية. علاقات هؤلاء ببعضهم لم تكن جيدة في احسن الاحوال، وكانوا يتنافسون فيما بينهم، على حساب الهدف المشترك.
وتعكس هذه المعارك الجانبية المشكلة الاساسية المتمثلة في غياب سياسة امريكية واضحة تجاه عملية السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين منذ مجيء ادارة بوش الى الحكم عام 2001.
وبعد عشرين عاما من المفاوضات العبثية، رسخت اسرائيل قبضتها على الاراضي المحتلة عن طريق نشاطها الاستيطاني المحموم، بينما فقدت القيادة الفلسطينية مصداقيتها في اعين شعبها بسبب طريقة تعاملها مع اسرائيل.
ولعبت الدبلوماسية الامريكية غير الكفوءة دورا اساسيا في الوصول الى هذه النتيجة.
لذا، واذا كان للتصريحات الرسمية عن استئناف العملية التفاوضية ان تكتسب اي مصداقية، على ادارة اوباما اجراء عملية اعادة نظر جذرية في دبلوماسيتها. لن يضمن ذلك نجاحا، ولكنه اقل ما يجب ان يفعله الامريكيون.
ومن الضروري ايضا استبدال طاقم الوسطاء والمبعوثين الحالي والآليات المعمول بها من اجل الوصول الى "الاطار الشرعي والمتوازن" الذي دعا اليه الامين العام للامم المتحدة بان كي مون لاستئناف المفاوضات.
من شأن الاستمرار في النهج القديم ان يبقي على الاحتكار الامريكي لعملية السلام - مما يعني عملية دون سلام - ويجعل من الصعب على الولاياتالمتحدة ان تقدم نفسها كوسيط محايد وذا مصداقية.
لقد كان من تأثيرات تصميم ادارة اوباما على افشال المسعى الفلسطيني في الاممالمتحدة اعادة الروح الى الدبلوماسية الامريكية. لعله من الممكن اقناع الامريكيين باستخدام هذا النشاط المتجدد لتشكيل اطار دبلوماسي دولي حقيقي يسعى لتحقيق تسوية نهائية لصراع طال امده.