نشرت صحيفة النيويورك تايمز هذه الرسمة الكاريكاتيرية، لرسام برتغالي شهير، قبل شهر ونص. زعل ترامب، مستشاروه، وحكومة اسرائيل، واعتبروا الرسمة "معادية للسامية"، بسبب نجمة دافيد والكوفية اليهودية كما يبدو.
اعتذرت الصحيفة لإسرائيل، وذهبت أبعد من ذلك: ألغت العقد مع رسامي الكاريكاتير فيها، ومنعت أي رسم كاريكاتير مستقبلا في صفحاتها!
يعني مهنة كاملة، وفن عريق، يتم إزالتهما ممن تعتبر "أفضل صحيفة في العالم" بسبب رسمة!
ومع ذلك: النجمة الداؤدية رمز سياسي لأنه موجود في علم اسرائيل. (لعبوا على كونه رمز ديني أيضا). والكوفية اليهودية لبسها ترامب وغيره، ولا أرى فيها أي تحقير أو عداء للسامية.
أما حيْوَنَة نتانياهو على صورة كلب، فالموضوع لا يحتاج هذا القرار المرعب من الصحيفة.
إذ بالصدفة، وضعتُ اليوم صباحا منشورا عن كلب الروائي الفرنسي هولبيك: كليمان، يدل على أن للكلب قيمة حضارية عليا هنا، وعلاقة نبيلة بالإنسان.
النعت بالكلب ليس شتما بقدر ما يعني حميمية العلاقة.
وقبل أيام كتبتُ ما يلي في منشور حول موضوعٍ آخر لا علاقة له بذلك:
(( حيْوَنة أي إنسان (بمناداته: يا حمار، يا كلب، يا حيوان...) غير لائق طبعا في لغتنا اليومية.
ومع ذلك، الإنسان، أراد أم لا، نوع بيولوجي من أنواع الحيوانات، مثله مثل أخيه الحمار والحصان والكلب والقنفذ.
99٪ من جيناته مشتركة مع الشمبانزي، أقرب أخوته إليه في شجرة سلالات الكائنات الحية.
اعتبار حيوَنته "غير لأئق" لا يختلف، في الحقيقة، عن اعتبار نداء شجرة تفاح ب: "يا شجرة ليمون" بأنه غير أخلاقي.
لعله اعتبار مغرور مريض، آت بالتأكيد من نرجسية الإنسان واعتباره أنه وحده "ألفا وأوميجا" الكون، فيما تاريخ تطورات سلالاته البيولوجية التي قادت إلى ما هو عليه بيولوجيا اليوم، مثل تاريخ بقية الكائنات الحية، ابن الصدفة المحضة والتغيرات البيئية والجغرافية...
لا أتجرأ أن أصف لكم كيف كان جد الإنسان قبل 7 مليون سنة فقط (يكفي رؤية بقايا هياكل أجدادنا الأفارقة: أورارون وتوماي)، قبل تغيرات بيئية ضخمة حصلت في "الوادي المتصدع الكبير" بأفريقيا.
ولا أتجرأ بالطبع أن أصف لكم كيف كان جد جد الإنسان قبل 65 مليون سنة، عندما كانت اخوتنا الدناصير (رحمها الله) سيدة الكون، قبل أن يطيح بها "الفناء السادس" (سادس فناء في تاريخ الأرض، أطاح ب 90٪ من كائناتها جراء ارتفاع لهيب حرارتها بعد سقوط كويكب ضخم على سطح الأرض، آثاره في خليج المكسيك)...
تطور دماغ الإنسان، في سياق تاريخه البيولوجي الخاص، أورثه ملكات فكرية ولغوية (فيما أورث طيورا وضوارٍ مقدرات بيولوجية أخرى). هي التي زادت من غروره وطيشانه. ))
باختصار، محزن جدا قرار صحيفة نيويورك تايمز، والحريّة لرسامي الكاريكاتير، المبدعين الرائعين حقا!