يشكل الإعلام في عصرنا الحالي العصا السحرية التي تجعل من المستحيل ممكنا ومن المتناقض متجانسا والمتجانس متناقضا، وهو السلاح الأبرز في الحروب والرأس مال الحقيقي في أي مجال من مجالات الحياة...فلم يعد خفياً ذلك الدور الفاعل والرئيس الذي يلعبه الإعلام في حروب العصر، فقد تهزم جيوش و أساطيل أمام سلاح الإعلام الفتاك وتنتصر أخرى بإمكانيات عسكرية أقل، كما أن الإعلام بفروعه كافة يعد المسيّر الحقيقي للرأي العام والمشكل الأمهر للخلفية الثقافية والأيدلوجية والرأس مال الذكي للاقتصاد الناجح، والكفة الراجحة لمن أتقن لعبته بعيداً عن معيار الحق أو الحقيقة. إن من يدرك هذه الاهمية التي فرضتها أكثر وسائل التواصل وثورة التكنولوجيا يعلم جيداً خطورة إضعاف الدور الإعلامي العربي المستقل عن الإيدلوجيات بكافة أشكالها، في ظل إمكانيات هائلة تضخ لوسائل إعلامية تُسير بخطابها الرأي العربي العام بخطى معينة ونحو توجهات مدروسة تفرغه تماما من هويته العربية بحجة الانفتاح والعولمة، وكأن الهوية ستقف عائقاً دون ذلك! بينما نرى شعوب العالم الأكثر تقدما تتشبث بهويتها وتفاخر بها، ونرى أخرى تصنع لنفسها هوية من الفراغ لافتقارها لمخزونها، فقد بات مقلقاً حقاً أثر الإعلام على الأجيال القادمة وهي لاتجد تياراً إعلامياً مهنياً يتولى تبني صياغة الشخصية العربية بطرق حديثة، شخصية معتزة بهويتها وبتاريخها وثقافتها، شخصية واثقة ومتزنة، تواكب العالم وتضيف تميزها... ولابد أنه في ظل تردي مستوى الخدمة التعليمية للطفل أو الناشىء العربي فإن دور الإعلام يصبح أكثر تركيزاً وأهمية. الأمر كارثي حقاً حين ترى أجيالاً بأكملها تتشكل هويتها بصورة مشوشة، قلقة، تشك في تاريخها وتخجل من هويتها وتعاني التخبط الفكري والثقافي! في ظل انشغال الإعلام العربي الحكومي بالمهاترات السياسية وتخلفه الإمكاني عن عجلة التقدم من حوله، و لهث الإعلام الخاص خلف ملء الجيوب بدون أدنى معيار للمحتوى المقدم، وانتشار المادة الإعلامية المسمومة بالطائفية الدينية والحزبية والعرقية والأفكار المحطمة لاستقراره الفكري أو العقائدي أو الأخلاقي ، والمدسوسة بدرجة عالية من الدقة والاحتراف. فهل سيأتي اليوم الذي نرى فيه الإعلام العربي المنشود؟ أرجو ذلك.