يُواجه التعليم في اليمن تحدياتٍ غاية في التعقيد ازدادت وتيرتُها بشدة كنتيجة مباشرة للحرب الأخيرة التي تدور رحاها منذ عام 2015م. ولكن بداية القصة تعود لعام 1994م عندما اجتاحت القوات اليمنيةجنوباليمن وفرضت نظام حكم شمولي فردي تشاركت فيه النفوذ مجموعة من القوى المنغلقة على مفاصل البلاد ومن ضمنها النظام التعليمي. ومنذ ذلك الحين والنظام التعليمي في اليمن فشل في مواكبة الاحتياجات الأساسية للطلاب وتقديم تعليم متكيّف مع متطلبات العصر. يكفي على سبيل المثال لا الحصر الاطلاع على منهج اللغة الإنجليزية الذي لم يتم تجديده منذ عام 1990م، أي قبل 20 عام! ورغم كل مشاكل النظام التعليمي في اليمن إلا أن الحرب الأخيرة كانت القشة التي قسمت ظهر البعير. تقارير المنظمات الدولية تؤكد أن التعليم في اليمن يُحتظر، حيث أن نسبة الأطفال الذين لا يذهبون إلى المدارس ارتفعت بشكل مخيف خصوصا في الأرياف ومناطق الصراع، كما أن أكثر من 2500 طفل تم تجنيدهم للمشاركة في جبهات القتال لدى كلا طرفي النزاع وخصوصا بنسبة عالية من قبل المليشيات الحوثية. من ناحية أُخرى أدى انعدام المرتبات او استمرار انقطاعها لعدة شهور إلى عزوف بعض المعلمين عن القيام بمهامهم والبحث عن مهن أخرى لتغطية نفقات أسرهم في ضوء وضع اقتصادي مزري. كما ان حالات النزوح الداخلي بين المحافظات لآلاف الأسر اليمنية صعب عملية دمج أبناء النازحين في المدارس الحكومية نظرا اما لعدم امتلاكهم الوثائق المطلوبة او لعدم قدرة الأسر على توفير الملابس والأدوات المدرسية او لعدم قدرة تلك المدارس الحكومية المُتهالِكة اصلاً على استيعابهم. المدارس الحكومية اليمنية يتم استهدافها أصلا من قبل كل اطراف الصراع خصوصا في نقاط التَّماس تحت ذريعة استخدامها كمعسكرات او كغطاء لتخزين الأسلحة.
يسكن بين 60 و70 في المئة من اليمنيين في الأرياف، وهذه الأرياف تُعد عالم مغلق ومنعزل لا تطاله الكثير من التغطية الإعلامية ولا يشمله الاهتمام الحكومي. في أغلب الأرياف تنعدم الخدمات الأساسية فلا طرق مسفلتة ولا مستوصفات طبية ولا كهرباء ولا مياه، وأن توفرت فتتوفر بصورة متقطعة مما يجعل حياة المواطنين صعبة للغاية. هذا الوضع يشجع في معظم الأحيان على التسيب وإهمال الجانب التعليمي من قبل أفراد تلك المجتمعات المنعزلة. المدرسة وهي المنشأة التعليمية الوحيدة المتوفرة في اغلب هذه الأرياف هي حلقة الوصل الوحيدة بين الدولة المركزية المواطن وعندما ينهار دورها تنهار آخر حلقة وصل بيد الدولة. هذا الفراغ الخطير خصوصا لدى الطلاب تتلقفه الجماعات المسلحة المتشددة لتستهدف الأطفال الغير مُنطوين في الدراسة وتعتبرهم لقمة سائغة لغسل أدمغتهم بأفكار مؤدلجة وغريبة قد تؤدي بهم لمواجهة الدولة والمجتمع، ومن هذا المنطلق فاليمن مقبل على كارثة صامتة ستنفجر في أي لحظة ليتفاجأ العالم بجيل غير متعلم وموجه بصورة سهلة من قبل هذه الجماعات. حينها لن تنفع الحلول الترقيعية ولن يفيد الحل الأمني كون غرس الأفكار يستغرق سنوات طويلة وإزالتها يتطلب سنوات أطول.
"التعليم في اليمن على وشك الانقراض" تلك كانت افتتاحية ندوة نظمتها جامعة متشجن حيث درس العلوم التربوية. فمن يتحمل مسؤولية هذا الانهيار الكامل في المنظومة التعليمية؟ بالطبع للحكومة اليمنية مسؤولية دستورية لحماية هذا الجيل الذي يتشكل وتنمو بُذوره دون أن يدرك ذلك أحد، على الحكومة اليمنية ممثلة بوزارة التربية والتعليم أن تعتبر التعليم أولوية قصوى وتُدرك أنَّ مُعضلة التعليم هي مُعضلة ليست لحظية ومؤقته مثل الحرب التي يمكن إنهائُها في يوم واحد عبر اتفاقية سلام بين كافة الأطراف، بل هي مُعضلة طويلة الأمد آثارُها ستمتد لعقود قادمة. يجب أن يتم توفير المناهج الدراسية مع البدء بخطة واستبدالها بمناهج حديثة تحض على التعايش مع الآخر وتبني جيل يؤمن بالسلام، كما يجب الالتزام بتوفير ضمان اقتصادي للمعلمين وحثهم على الالتزام بأداء واجبهم الوظيفي. إضافة لذلك، يجب أن يتم ربط مدراء المدارس وتدريبهم وتأهيلهم تربوياً ليعكسوا وجهة نظر الدولة المدنية الحديثة ويغرسون لدى الطلاب مفاهيم المواطنة والسلام ومكافحة التطرف.