بغض النظر عن الدور الباهت الذي تقدمه الاممالمتحدة في تعاطيها مع ازمات المنطقة وفشلها في انهاء الصراعات هناك الا ان تصرحيات اخيرة ادلى بها مبعوثها الخاص الى ليبيا غسان سلامة في تعلقيه حول التطورات الاخيرة في ليبيا ومستجد التدخل التركي المعلن على خط الازمة الليبية كانت بالفعل تصريحات حصيفة ومسؤولة خصوصا حين اختزلت عباراتها مفهوما ساميا طالما غاب فعليا عن طاولة مفاوضات الحل لمعظم ازمات المنطقة والعالم ..تحدث الرجل بخصوص الأزمة الليبية وأوجز قائلا:( عدم توافق أطراف الداخل وجلوسنا مع غير الليبين انفسهم في بحثنا عن حلول للازمة هو بعينه ما سيعد انتهاكا للسيادة الليبية ..) في اشارة واضحة هنا الى ضرورة تحقق التوافق الداخلي وكذا الى تبعات عبث التدخل الخارجي ودوره في تعقيد الازمة أكثر .. لكن ماذا عن بلد كاليمن يعيش أزمة معقدة وهي الاكثر رعبا في حال استمرت لاعوام اخرى او تفاقمت متجاوزة حدودها الجغرافية؟ فهناك حيث لاتزال الحرب مستعرة والوضع الانساني يزداد فيها سوء وكارثية حسب تقارير أممية بالطبع، فضلا عن كونه اضحى بلدا عاجزا تماما ولايتنفس الا عبر نافذة البند السابع . هنا بالتحديد سيبرز السؤال الاهم ربما ! ماالذي تبقى للامم المتحدة حتى تقدمه لانهاء هذه الازمة باستثناء بيانات الشجب والتعبير عن القلق؟ لكن ايضا من ناحية اخرى وفي ظل حالة الانسداد الحاصلة بين اطراف الازمة هل بالامكان حقا صرف النظر عن ضرورة الاستعاضة بالعنصر الخارجي للتدخل وتقديم دورا ايجابيا في حلحلة الازمة وربما تقريب وجهات النظر لاطراف الداخل المتصارعة؟ وبالاساس هو دور خلفه واقع الازمة وشرعنته آلية البند السابع وان اخفق لاعوام الا ان الحاجة اليه تبدو اليوم مآسة اكثر من ذي قبل لكن بالمقابل فان هذه الحاجة يجب ان لاتعن تهميشا لاطراف الازمة بالداخل او تجنبا للاخذ بعين الاعتبار رؤية كل طرف للحل خلالها، فبالاخير تلك الاطراف هي وحدها ستبقى المعنية اساسا بتطبيق وانجاح اي تسوية او حل توافقي بينها، ودون ذلك ليس الا مزيدا من دورات العنف والقتال وكذا مزيدا من عبث الاجندة الخارجية.. شكل اتفاق الرياض آنذاك خرقا جيدا لاحد اهم معوقات الانسداد تلك حين وضع يده على جزء مهم ان لم يكن الاهم في مسار حل الازمة اليمنية كليا وجذريا؛ فالخلاف الجنوبي الشمالي والصراع التاريخي المترتب عليه ساهم كثيرا في اشكالية التداخل الاداري والارباك الامني التي اعقبت تحرير عدن وعودة حكومة الشرعية اليها لتمتد تداعيات ذلك الاشكال الى مواجهات عسكرية بين مشروعين متناقضين بالداخل الجنوبي. عموما مضى حوار جدة بلقاءات متقطعة بين قيادات الانتقالي الجنوبية ونظيرتها من قيادات جنوبية تابعة للشرعية وتحت رعاية مباشرة من السعودية والامارات وغطاء دولي واسع لتتكلل بعدها بالاعلان عن اتفاق الرياض مطلع نوفمبر العام الماضي .. ويمكن القول صراحة ! ان ذلك الاتفاق وضع اللبنة الاولى لبناء مستقبل سياسي آمن للجنوب ؛ وعلى الرغم من وصفه مرارا بالاتفاق المرحلي المعني بمعالجة حالة طارئة استجدت في الجنوب المحرر الا ان هذا التوصيف لايقلل من اهمية الخطوة التي تشاركها الجميع واعتبارها مكسبا حقيقيا قياسا بسلسلة الاخفاقات التي لازمت أداء التحالف طيلة اعوام الازمة. أعلم جيدا أن ثمة من سيدعوه باتفاق البطة العرجاء وان حظوظ نجاح تطبيق بنوده واستمراره ضئيلة جدا !! لكن ماذا لو تحدثنا عن أهم نقطة ايجابية اوجدها هذا الاتفاق ! وهي مبدأ التوافق ومفهوم الشراكة وكيفية تحقيق ذلك عبر صهر جميع الخصوم سياسيا ودمجهم عسكريا في قالب واحد بما يخدم استقرار الجنوب واهداف التحالف معا. لاتستعجل الحكم ! فالسعودية تدرك جيدا مدى تنافر المشروعين لكلا طرفي الاتفاق الموقعين عليه، لذا تبين انها اعدت لذلك مسبقا فهي من مارس ضغطا مباشرا لتعديل الخطاب السياسي للمجلس الانتقالي وخفض سقفه التفاوضي،وهي ايضا من اوعز للرئيس هادي بان يخفف من إبداءه اي ردة فعل صاخبة تجاه احداث اغسطس الماضي وكذا بان يختار بعدها لطرف الشرعية الموقع على الاتفاق مع الانتقالي الجنوبي شخصية جنوبية اذ لم يكن ذلك بالتاكيد خيارا عبثيا آنذاك بل كان سياسيا ومقصودا خاصة اذا ما اعتبر تمهيدا مسبقا منها لهدف التوافق الجنوبي الذي تخطط له المملكة منذ فترة؛ وهذا ربما ما يفسر محاولات عرقلة الاتفاق لاحقا من فصيل شرعي لم يرقه مايحدث امامه ويبدو انه فهم جيدا ابعاد ذلك الامر .. تسعى المملكة لصنع حلول مستدامة في البلد الجار بما يتناسب مع مصالحها اولا وبما يضمن حالة من الاستقرار الدائم في بلد الازمة ثانيا، ولاجل ذلك سيدعم قادتها اي جهد يرونه مناسبا ويحقق توافقا بين خصوم الداخل، ولاجل هذا ايضا لن تتاخر المملكة في تطويع طرفي الخلاف كليا . يحاول الاشقاء لقناعات استجدت لديهم لربما انتجتها فصول الحرب التي يخوضونها هناك لسنوات بلا منجز حقيقي في وضع حلول جذرية تتمثل بحقيقة واحدة وهي ان السلام والاستقرار في الجنوب لن يصنعه الا ابناء الجنوب انفسهم فقط عدا ان ما يتوجب قبلها كما يراه الاشقاء هو ضرورة ترسيخ مبدأ التوافق والايمان بمفهوم الشراكة بين اطيافه السياسية بعد إذابة عقبات التوتر والتنافر بينها اذ لابد قبل كل ذلك من اعادة الثقة بين الخصوم في الجنوب وهو الامر الذي يرجئ منه عبر تطبيق اتفاق الرياض .. هي ذات الحال تقريبا قد نراها في القريب العاجل في الشمال، لكن بالتاكيد بعد ان تتيقن قياداته بضرورة الالتفات الى الداخل الشمالي بيد ان ذلك يبدو مؤجلا ريثما تأتي تلك اللحظة التي يعدل فيها اؤلئك عن مطامعهم في الجنوب ويدركون ان ثمة مسؤولية اخلاقية امامهم تجاه شعبهم في الشمال كتلك التي يمضي بها نظرائهم في الجنوب. عندها فقط قد يذعن هؤلاء القادة لاي مبادرة يطرحها الاشقاء تقضي بجلوس اطراف شمالية مع بعضها بغية الخروج باتفاق سياسي يحقق هو الاخر سلاما واستقرار لمجتمعه وجيرانه .. الازمة اليمنية ليست إستثناء تاريخيا لتتجاوز في حلها مبدأ التوافق ذاك بإعتباره المسلك السياسي الوحيد الذي يمكن الحديث معه عن نهاية حقيقة للصراع ومستقبل واعد يحقق الامن والاستقرار للبلد والاقليم.. لذا تبدو الرغبة اليوم في المضي بهذا الاتجاه اقوى لدى اطراف الداخل وكذا هي لدى الاشقاء عبر دعمهم الواضح لاي تقارب ايجابي من شأنه تحقيق المصلحة المشتركة لجميع الاطراف بعيدا عن المواقف المتصلبة والغايات الضيقة .. ثم انه متى تحقق هدف التوافق السياسي أولا والمؤدي لغاية الاستقرار والسلام فإنه ساعتها فقط سيصدق الحديث عن الدور الايجابي الذي قد يجسده العنصر الخارجي في حلحلة ازمة ما، وهنا ايضا ستحفظ السيادة وينتهي العبث الذي قصده المبعوث غسان سلامة في حديثه عن المسار الحقيقي لتجاوز اي ازمة داخلية يمر بها بلد ما ولعل ليبيا واليمن في مقدمة ذلك.